نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء معضلة المقاتلين الأوروبيين الذين انضموا لتنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا وما زالوا يقبعون في معسكرات السجون الموجودة هناك. وتتناول كريستين بري كارلسون، أستاذ مساعد في القانون الدولي لدى جامعة روسكيلد، في مقالتها موقف الحكومة الدنماركية المتردد بين إعادة هؤلاء إلى وطنهم ومحاكمتهم أو تركهم في سوريا. كما أنها تستعرض في مقالتها المخاطر الأمنية الناجمة عن اختيار الدنمارك لأحد الخيارين سابقي الذكر.
وتقول كارلسون إن الدنمارك قررت إعادة بعض من مناصري تنظيم “الدولة الإسلامية” الموجودين في معسكرات بسوريا إلى بلدهم. وبموجب هذا القرار، ستعود ثلاث سيدات دنماركيات وأطفالهن الـ 14 إلى الدنمارك، حيث من المتوقع أن تخضع الأمهات للمحاكمة بتهمة الإرهاب.
يأتي ذلك في الوقت الذي سحبت فيه الدنمارك جنسية ثلاثة نساء أخريات يحملن جنسية مزدوجة. وسيُسمح لأطفال تلك النسوة بالعودة إلى بلدهم، لكن دون أمهاتهم. وإلى جانب ذلك، لا يزال هناك، على الأقل، مقاتل أجنبي دنماركي مسجون في سوريا، ولا توجد أية تحركات لإعادته أو غيره من المواطنين الدنماركيين غير المعروف هويتهم حتى وقتنا هذا.
وبحسب كارلسون، فإن الحكومة الدنماركية على ما يبدو أعطت الأولوية للأمن والسياسة فوق القواعد القانونية عندما اتخذت هذه القرارات – وهو ما يؤسس توجهاً مقلقاً غير مسبوق في وقت تكافح فيه العديد من دول العالم لاتخاذ قرارات بشأن ما يمكن فعله مع الأشخاص الذين ذهبوا ليقاتلوا في صفوف تنظيم الدولة.
مواطنون غير مرغوب فيهم
تذهب التقديرات إلى تدرّج ما يزيد عن ستة آلاف أوروبي و40 ألف مقاتل أجنبي من دول أخرى في رتب داخل تنظيم “الدولة الإسلامية” عندما كانت لا تزال قوة التنظيم في ذروتها. ومضى الآن أكثر من عامين على سقوط آخر معاقل التنظيم. بيد أن المعسكرات في سوريا لا تزال تحوي قرابة 70 ألف فرد من عائلات تنظيم “الدولة الإسلامية“، نصفهم أطفال. وبحسب كارلسون، فإن المئات من هؤلاء السجناء أوربيون، غير أن الكثير منهم، لا تعترف بهم حكومات بلادهم.
وراوغت الحكومات الأوروبية لسنوات بشأن ما يتعين عليها فعله إزاء مناصري تنظيم “الدولة الإسلامية” وأطفالهم. ورحَّلت بعض الدول مثل روسيا، وكازاخستان، والولايات المتحدة بعض من مواطنيها وطالبت الدول الأخرى بفعل المثل. لكن معظم الدولة الأوروبية رفضت إعادة مواطنيها أو حتى الاعتراف بهم. والنتيجة هي الوصول إلى طريق مسدود. ولا يزال المقاتلون الرجال قابعون في سجون مكتظة بالسجناء وتعيش النساء والأطفال في معسكرات خطيرة وغير صحية.
وسعت العديد من الدول الأوروبية، بما فيهم الدنمارك، إلى إسقاط الجنسية عن المناصرين لتنظيم “الدولة الإسلامية” في محاولة منها للتبرؤ من مواطنيها. وفي 2019، مررت الدنمارك قانوناً يسمح للحكومة بإسقاط الجنسية عن المواطنين بتهم الإرهاب دون الحصول على موافقة القضاء. وقامت الدنمارك بتطبيق هذا القانون بأثر رجعي. وبهذه الطريقة، أسقطت الحكومة الجنسية عن ثلاث دنماركيات من أصل ست موجودات في المعسكرات، بينما سيتم إعادة الثلاثة الأخريات.
ولا يمكن إسقاط الجنسية الدنماركية إلا عن المواطنين الذين يحملون جنسية مزدوجة، لأن القانون الدولي يحظر على الدول ترك مواطنيها دون جنسية. وبصورةٍ عملية، يعني هذا الأمر إعادة ثلاث سيدات دنماركيات من ذوات البشرة البيضاء إلى الدنمارك مع أطفالهن، في حين لن يتم إعادة ثلاث دنماركيات ليست من ذوات البشرة البيضاء إلى الدنمارك.
تقييم المخاطر فوق القانون
يمثل قرار إعادة المواطنات الدنماركيات تحولاً هاماً في سياسة الدنمارك، فهي رفضت في البداية حتى إخراج الأطفال الدنماركيين من المعسكرات، ثم اقترحت استقبال هؤلاء الأطفال دون آبائهم وأمهاتهم، والآن، تقترح استقبال هؤلاء الأطفال وبعض أمهاتهم، لكن دون آبائهم.
وتعزي الحكومة الدنماركية هذا التحول إلى تغيّر فهمها للوضع الأمني، إذ تعاني معسكرات السجن التي تعيش أوضاع غير صحية وتكتظ بالأفراد في سوريا من العنف المنظم من قبل شركاء تنظيم “الدول الإسلامية” داخل المعسكرات ومجنِديهم خارج المعسكرات. وفي ديسمبر 2020، انتشر مقطع فيديو لطفل دنماركي، يبلغ من العمر 12 عاماً، وموجود داخل إحدى المعسكرات. وفي مقطع الفيديو، يصف الولد كيف يختبئ في المرحاض عندما تمر القوات الأمنية لتنظيم “الدولة الإسلامية” عبر المعسكر لتجنيد الأفراد.
من المؤكد أن محاولات جعل الأطفال، الذين لديهم الحق القانوني للتحرك بحرية عبر أوروبا، متطرفين، يمثل خطراً أمنياً. ويعد هؤلاء الأطفال أهداف واضحة لمجنِدي تنظيم “الدولة الإسلامية” الذين يأملون في زيادة الهجمات المنفذة ضد الأراضي الأوروبية. لكن ما هو أقل وضوحاً هو اعتبار أن هذه المؤشرات تمثل تغيّراً في الوضع القائم.
وأفاد تقرير صادر عن جهاز الأمن والاستخبارات الدنماركي في 2019 بأن الأطفال الموجودين في المعسكرات يشكلون تهديداً أمنياً أكبر إذا ظلوا هناك مقارنة بإعادتهم إلى بلدهم. وكرر الجهاز الأمني هذا الاستنتاج في تقارير أخرى في السنوات اللاحقة. غير أن الحزب الحاكم في الدنمارك تكتّم على هذه التقارير، في البداية، ولم يشاركها مع الأحزاب الأخرى الداعمة أو مع البرلمان الدنماركي.
وبات تجاهل العملية القانونية علنياً. ورفضت رئيس وزراء الدنمارك ميت فريدريكسن صراحةً أهمية القانون أو غيره من أشكال الخبرة فيما يتعلق بمسألة إعادة المواطنين إلى بلادهم. وفي إجابتها على سؤال أحد الصحفيين بشأن حقوق هؤلاء المسجونين في سوريا، قالت فريدريكسن التالي: “يجب أن نتوخى الحذر، حتى وإن كنّا اعتمدنا على الخبرة كي ندير أزمة الجائحة، لا نسمح للخبراء باتخاذ قرارات بشأن كلّ ما نفعله كدولة. هذا بالطبع قرارٌ سياسي بشأن أشخاص هم، في رأيي، خونة”.
ويشير تجاهل فريدريكسن للخبرة لصالح السياسة إلى المزيد من المشكلات القادمة بالنسبة لمناصري تنظيم “الدولة الإسلامية” الذين تركتهم يواجهون مصيراً غير معلوم، وهؤلاء الذين تنوي إعادتهم للبلاد.
لا يزال من غير الواضح ما الذي سيحدث مع النساء الدنماركيات المرحلات من سوريا. ويبدو أنهن سيُحاكمن جنائياً، لكن كيف ستكون هذه المحاكمة، وكيف ستؤثر على أطفالهن؟ طُلِبَ من الخبراء مؤخراً تقديم المشورة لفريق عمل حكومي بشأن هذه الأسئلة، لكنهم منحو 64 ساعة فقط لتقديم تقريرهم.
لدى القانون الجنائي دورٌ هام يمكن أن يلعبه فيما يتعلق بالتعامل مع جرائم مناصري تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن حتى الآن، تحجم الدنمارك والعديد من الدول الأخرى عن ترك القانون يأخذ مجراه. إن المحاكم الجنائية في الدنمارك ستوفر لمناصري تنظيم “الدولة الإسلامية” الحقوق الأساسية، المهمة لنا جميعاً. ويشمل هذا الحق في الاجتماع والدفاع عن التهم الموجهة ضدهم علناً، بالإضافة إلى الحق في – إذا ما أُدينوا – قضاء عقوبتهم والعودة مرة أخرى للاندماج مع المجتمع.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.
ملاحظة
تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/au في 3 يونيو 2021