وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فصل الجنسين: إشكالية مستمرة في التعليم العربي

children line up for school
صورة تم التقاطها يوم ١٣ أكتوبر ٢٠١٨ لطلاب وهم يصطفون في باحة مدرسة المحبة في بلدة عزبة النخل الموجودة شمال العاصمة المصرية القاهرة.Mohamed el-Shahed / AFP

نور عباس

ما يزال موضوع الفصل بين الجنسين في المدارس مثار جدلٍ عالمي. فالمدارس أحادية الجنس عاودت الظهور خلال القرن الحالي في دول متقدمة عنا كبريطانيا وأستراليا. وينبع الجدال في هذه الدول من اختلاف الآراء حول نظريات التعلم وفروقه وطرق معالجة الفروق بين الجنسين. وعلى الرغم من ادعاء الداعمين للفصل حصول الطلبة على تعليمٍ أفضل، فقد ظهر الكثير من المناهضين للفكرة في هذه الدول، سيّما وأنه لا توجد أية أسس علمية لكل هذه الادعاءات، وما هي سوى دعوةٍ للرجوع إلى الماضي.

أما على المستوى العربي، فيُمثل الموضوع حربًا لا جدالًا بين الطرفين، وذلك بالنظر لأسباب الفصل. فموضوع الاختلاط – أي اختلاط – يُمثل رعبًا بالنسبة لمعظم الآباء العرب، فكيف بالاختلاط لساعات طويلةٍ أثناء الدراسة. وبعكس الدول التي ذكرناها سابقًا، فالفصل بالتعليم بناءً على الجنس عربيًا نابعٌ من عادات قديمة ومتأثرٌ بإيديولوجيات دينيةٍ مُختلفة وغير محصورٍ على دينٍ معين. وعلى سبيل المثال، فإن هناك بعض المدارس أحادية الجنس تعود للمسيحيين في مصر والأردن وسوريا.

وهذا يعني أن توجيه الانتقادات للفصل يقود إلى حروب ما بعدها حروب!

على الرغم من استشهاد المؤيدين والداعين إلى الفصل بالتجارب في الدول الأوروبية، إلا أن المشرفين على العملية التربوية عربيًا يديرونها بشكل غير تربوي. وقد تناسى هؤلاء كل البرامج التي تفعّلها دولٌ كأستراليا في هذه المدارس لتعزيز مكانة الجنس الآخر ودوره في المجتمع في أذهان الطلبة. كما أنهم تناسوا تجهيز المعلمين والطلبة لهذه التجربة على حدٍّ سواء.

قاصراتٌ إلى الأبد

عنونت فريدة ناصيف تقريرها الصادر عن منظمة حقوق الإنسان حول الفصل بين الجنسين في السعودية بـ “قاصرات إلى الأبد“. ويمثلُ هذا العنوان البسيطُ الحقيقة بكلماتٍ مجازة. فالفصل يُعزّز فعلًا السلطة الأبوية و”دونية المرأة” في هذه المجتمعات. وعلى سبيل المثال، فقد خصّصت جامعة الملك سعود الأبنية القديمة للطالبات، في حين كانت الحديثة من نصيب الطلاب. كما يجري منع الطالبات من دخول بعض أقسام المكتبات الجامعية. كلّ هذه الإجراءات وغيرها تندرج في إطار التمييز بحجة الفصل.

والموضوع لا يقتصر على المملكة السعودية، فإجراءات التمييز بحجة الفصل متواجدةٌ في معظم الدول العربية. وهذا ما يثبت أننا في مجتمعاتٍ ذكوريةٍ تغلّف تعزيز فكرة “دونية النساء” في المجتمعات واقصائهن بحجة حمايتهن من المجتمع، حتى ولو كان مجتمعا تعليميًا!

إن المدارس أحادية الجنس تسبب تشويهًا لصورة الجنس الآخر، سواء كان ذلك في المدارس العربية أو غيرها. فالمجتمع الافتراضي التي تصنعه هذه المدارس يُسبّب تشويها في التنشئة الاجتماعية للطلبة. وبحرمان الطالب التعامل مع الجنس الآخر حتى المرحلة الجامعية أو ضمنها في بعض الدول، فإنه يرسم صورةً نمطية للجنس الآخر عند الطلبة. وعلى ذلك، ليس من المستغرب أن تعتبر النساء في المجتمع الشرقي وجود أي رجلٍ إنذارًا بالخطر. وفي نفس السياق، قد نرى رجالاً يرون في النساء غايةً يمكن التباهي بالوصول إليها بطرق قد تكون مضحكةً أحيانًا، وأحيانًا خطيرة. ولا يمكن فصل الكبت الجنسي الذي يعاني منه الجيل الشاب عن النظم التعليمية في بلدانهم، ولا يمكن فصل عواقبه أيضًا. وليس من باب الصدفة أن تعاني الدول التي تمتلك نظامًا تعليميًا منفصلًا كاملًا من نسب تحرشٍ واغتصابٍ عاليتين. وتأتي النسب مرافقةً لاضطهادٍ مغلفٍ بالمبررات الاجتماعية للمرأة.

إن التعليم أحادي الجنس يحصد ما زرع. وهنا، لا بد وأن نذكر أنّ الفصل ينتقل من المدارس أحادية الجنس إلى الأماكن المختلطة أو حتى الجامعات المختلطة، حتى مع غياب نظام الفصل الجنسي. فالجامعات المختلطة مُنفصلةٌ في المدرجات التعليمية من قبل الطلبة الذين قضوا كل سنيهم منفصلين تعليميًا. ويمكن القول بأن الفصل بات فطرةً اجتماعية في هذه النظم التعليمية.

وقد نرى الوضع يتحسن بتجريم تونس للفصل التعليمي بناءً على الجنس، وتنديد الكثير من المواطنين العراقيين بدعوات الفصل بين الجنسين تعليميا، وانتشار القليل المدارس المختلطة في بعض الدول العربية كالإمارات. ورغم ذلك، فإننا نتجاوز الفصل التعليمي بشكلٍ صعب، حيث أن تواجد هذه المدارس لا يعني عدم فصل الشعب المدرسية بناءً على الجنس. وبحال كانت الشعب مُختلطةً فالمقاعد مُنفصلة. يبدو أننا نُلبس العادات لما نحاول أن نفصله عنها، حتى أن هذه المدارس تعاني من التمييز بين الطلبة والطالبات على أساس الجنس. ويعتبر التهديد بنقل طالب إلى شقة الطالبات إهانة لجنسٍ كامل، والعكس كذلك الأمر، ناهيك عن الإهانات التي توجه من قبل المعلمين بناءً على جنس الطلبة.

إن أي عمليةٍ تعليمية تقوم بأساسها على المُعلم، بغض النظر عن كون الفصل التعليمي أحادي الجنس أم مختلطًا. وبالتالي، يتوجب تأهيل المعلمين للتعامل مع صفوفهم مراعين اختلاف عاداتهم وتقاليدهم عن العملية التربوية الصحيحة. وإن عدم قدرتنا اليوم على تطبيق المدارس المختلطة بشكلٍ صحيح لا يعني فشل هذا النظام، بل يعني فشلنا بتطبيقه. كما أن هذا لا يعني أننا لن ننجح في المستقبل بتطبيقه بصورته التربوية الصحيحة. إن التخلص من العادات لا يحتاج سوى للوعي والوقت، وهذا ما نأمله لبلداننا العربية.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.

user placeholder
written by
Mattia Yaghmai
المزيد Mattia Yaghmai articles