أحمد عابدين
كان تفشي وباء كورونا المستجد كوفيد-19 اختباراً لكل دول العالم حكومات وشعوب ومجتمعات أهلية حول مدى الجاهزية للطوارئ الصحية، وكذلك اختباراً للحكومات على مدى صدقها في العمل على الحفاظ على حياة وأرواح مواطنيها، إلا أن الأداء المصري في مواجهة هذا الوباء غير المسبوق اتسم بعدم تحمل المسؤولية على الصعيد الرسمي وضعف وهشاشة المجتمع المدني والشعبي.
في بداية الأزمة ومع بدء انتشار وتفشي الوباء في العالم، آثرت الحكومة المصرية سياسة الإنكار والادعاء بعدم وجود أي حالات داخل مصر، فخلال شهر فبراير2020 وفي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الصحة الفرنسية عن استقبال حالتين قادمتين من مصر تأكد اصابتهم بالفيروس بعد زيارة سياحية، ثم ارتفع هذا العدد لاحقاً ليصبح 6 حالات قادمة من مصر وظهور حالات أخرى في كندا وتايوان جميعها قادمة من مصر أيضاً، كانت الحكومة المصرية تنفي بشدة وجود أية حالات لديها سوى حالة واحدة تم شفاؤها، وذلك تزامن مع عدد محدود من المسحات الطبية وفق بروتوكول شديد الضعف يمكن تلخيصه في “كلما قل عدد الكشوفات كلما قل عدد الحالات”
كما تلكأت الحكومة في فرض الإجراءات الاحترازية لتقليل سرعة انتشار الوباء مثل تعطيل المدارس وحظر التجول والاغلاق العام، حتى إنها لم تغلق المجال الجوي إلا في التاسع عشر من مارس 2020، كما قامت بتعطيل الصلوات في المساجد والكنائس متأخراً، ولكن كل هذه الإجراءات سرعان ما تم التخلي عنها والعودة إلى الحياة الطبيعية وانكار وجود الوباء في الوقت الذي تشدد فيه كل دول العالم إجراءاتها بسبب الموجة الثانية التي أدت لارتفاع أعداد الإصابات، بينما استمرت مصر في سياسة عدم التوسع في المسحات إلا بالاتجار فيها.
وفي الوقت الذي وضعت حكومات العالم أطقمها الطبية في منزلة رفيعة تقديراً لتضحياتها في مواجهة الوباء، دخلت مصر في أزمات متتالية مع الأطباء، رداً على اتهامهم للحكومة بالتقصير في مواجهة الوباء، فخلال كلمته التي أعلن فيها عن فك كل القيود وترك الشعب لمواجهة الوباء، لم ينس رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ذكر الأطقم الطبية، ولكن ليس كباقي قادة وزعماء العالم الذي وقفوا لهم تحية وامتنان لفضلهم وإنما لإلقاء اللوم عليهم وتحميلهم مسؤولية تفاقم الإصابات والوفيات فقال:
“لقد رصدنا تغيب وعدم انتظام من الأطقم الطبية في بعض المحافظات والأماكن وهذا ما أدى بصورة أو أخرى إلى حدوث تفاقم في الإصابات أو حالات الوفيات بسبب عدم انتظام الأطقم الطبية للقيام بعملها، ولهذا فقد كنا حريصين كل الحرص بتوجيه السادة المحافظين ووزارة الصحة بعمل كل الإجراءات لضمان انتظام عمل كل الأطقم الطبية، ومن يتغيب ومن لا ينتظم في العمل يجب أن يتخذ ضده كل الإجراءات القانونية”
تلك الكلمات كان لها وقع شديد على الأطباء والناس في مصر، فالجميع يرى ما تقدمه الأطقم الطبية من تضحيات في مواجهة الوباء في الوقت الذي تجاهلت الحكومة حياة الناس ولم تعبئ بعشرات الألاف من الإصابات والوفيات وصراخ الناس أمام المستشفيات لعدم وجود أسرة عناية مركزة أو أجهزة تنفس صناعي.
وبعد كلمة مدبولي، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الألاف من المنشورات والصور والوسوم التي تشكر الأطباء تحت شعار “شكراً أطباء مصر، أنتم في القلب”، وذلك تقدراً لجهودهم في مواجهة الوباء.
وقد اصدر مجلس نقابة الأطباء بياناً عقب كلمة مدبولي عبّر خلاله عن رفضه لما جاء به، ولافتاً إلى كذب الحكومة ورئيسها بشأن أسباب تفاقم الوباء والتي أرجعها إلى عجز الإمكانيات وقلة المستلزمات الطبية والعجز الشديد في اسرة الرعاية المركزة، ومذكراً رئيس الوزراء بالتضحيات التي يبذلها الأطباء والأطقم الطبية في مواجهة الجائحة وذلك في ظروف بالغة الصعوبة من نقص لمعدات الوقاية والاعتداءات المستمرة على الأطقم الطبية على مسمع وبصر الحكومة والشرطة والبرلمان والنظام ككل الذي لم يصدر حتى الآن قانون لتجريم الاعتداءات على المستشفيات والأطقم الطبية، بالإضافة إلى التعسف الإداري ومنع للإجازات الوجوبية.
وذكّر بعض المتابعين رئيس الوزراء بما يتم تكراره دورياً من تجريم انتقاد مؤسسات في الدولة مثل المؤسسة العسكرية أو الهيئة القضائية فقد تم الزج بالعشرات في السجون نتيجة انتقادهم لأداء أو تصرفات بعض هذه الهيئات والمؤسسات في الوقت الذي ينال النظام فيه من الأطباء ومحملاً إياهم مسؤولية فشله.
هذا بالإضافة إلى اعتقال عدد من الأطباء بينهم قيادات نقابية بسبب شكواهم من نقص المستلزمات ونقص أسرة الرعاية والضعف والتقصير الحكومي، في الوقت الذي استعرضت مصر أمام العالم قدراتها غير الموجودة بإرسال شحنات مساعدات طبية لبعض الدول الغنية والأكثر استعداداً مثل إيطاليا والصين والولايات المتحدة الامريكية، وقد أصدرت نقابة الأطباء بيانات تُطالب فيها الحكومة بالإفراج عن الأطباء المحتجزين.
وفي مواجهة هذا الأداء الحكومي، خرجت عدة مبادرات شعبية لمواجهة الوباء كان منها مبادرة تصنيع 5 آلاف جهاز تنفس صناعي ” تنفس” لسد العجز والاستعداد لاشتداد الأزمة، ومبادرة أطلقتها مؤسسة مستشفى 25 يناير للتحول إلى مستشفى عزل ومساهمتها في إجراءات التعقيم، ومبادرة تجهيز وتوصيل وجبات غذائية للمصابين، بجانب مبادرات أخرى أطلقتها الجمعيات والمؤسسات المدنية والأهلية كان منها مبادرة مهندس ممدوح حمزة، الاستشاري العالمي، لإنشاء مستشفيات ميدانية، ومثله مهندس أكرم إسماعيل، العضو المؤسس بحزب العيش والحرية، لكنها قوبلت بتجاهل رسمي من الدولة.
ويقول خالد أمين، الأمين العام لنقابة أطباء الجيزة، في حديث لـ “فنك” إن الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة هو أقل بكثير جداً مما تحتاجه مصر وبعيد جداً عما يمكن أن نسميه رعاية صحية آدمية، ذلك في الأوقات العادية فما بالنا بوقت انتشار وباء، ولقد كررنا مطالباتنا للدولة عشرات المرات لتوجيه الانفاق إلى هذا الملف الحساس والخطير ولكن دون أن يستمع أحد.”
ويضيف أمين “نحن في أشد الحاجة لكل المبادرات الأهلية والشعبية، وليس الآن وإنما منذ شهور مضت، فنحن كنا بحاجة إلى تجهيز أماكن للعزل بعيدة تماماً عن المستشفيات والمصحات حتى لا تتحول إلى بؤر للعدوى والتي ستمثل كارثة، فعلى سبيل المثال إصابة عدد من أفراد الطاقم الطبي بمعهد الأورام يعتبر فاجعة لأن مرضاه والمترددين عليه من المصابين بمرض السرطان الذين يمكن اعتبارهم دون مناعة تقريباً ستكون الإصابة بينهم فاجعة ومؤلمة، لذا فنحن في أشد الحاجة لكل المبادرات والدعم الحكومي والأهلي، كما يجب أن يتم اتخاذ إجراءات احترازية اكثر صرامة وعدم ترجيح كفة الاقتصاد على كفة أرواح الناس.