تُتابع فَنَك الإنشاءات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتُعدّ منطقة القاهرة الجديدة الواقعة بين العاصمة الإدارية الجديدة ومناطق مصر القديمة إحدى التوسّعات المهمة التي ندرسها في هذا الصدد.
الكاتبة: آية طارق
تتأثّر جودة الحياة بالتنقّل الحضري والظروف الاقتصادية وإمكانية الوصول إلى مختلف الأماكن. والمواصلات العامة هي العمود الفقري الذي يربط بين مدننا، وله أثر واضح على استهلاك الوقت والمال في حياتنا. ونرى في فَنَك أن جودة المواصلات العامة وإتاحة الوصول إليها يؤثران على جودة حياة مختلف شرائح المستخدمين.
وبناءً عليه، طلبنا من آية، المقيمة في القاهرة الجديدة والباحثة في التخطيط العمراني والتنقّل الحضري وتصميماته، أن تكتب دراسة توضّح كفاءة الوصول إلى المواصلات العامة في القاهرة الجديدة وتأثيرها على الظروف الاقتصادية لمختلف المستخدمين.
الملخّص
يُعد التحضُّر السريع وحركة التنقّل الحضري أمران حيويان يؤثّران على الحياة اليومية للناس وإمكانية تنقّلهم من مكان إلى آخر، وهو ما يجب استيعابه بوضوح وتحديد مشاكله. وترتكز أساسيات التنقّل الحضري على تلبية الاحتياجات الإنسانية للوصول إلى أماكن الإقامة والعمل والتعليم. ويؤدي التنقّل الحضري دورًا كبيرًا في جودة حياة الناس، وتماسكهم الاجتماعي، ونموّهم السكاني.
تبحث هذه الدراسة في تصميم خطوط المواصلات العامة في القاهرة الجديدة وإمكانية الوصول إليها وتأثيرها على جودة حياة السكان والركاب. وفيما يلي سأُحلّل طبيعة المواصلات العامة ومستوى الرضا عن استخدامها اليومي. وأعتمدُ في بحثي على مقابلات مع ثلاث شرائح مختلفة من سكان القاهرة الجديدة. الشريحة الأولى يمثّلها شاب من سكان المنطقة، والثانية والثالثة يمثلهما عاملان يستخدمان المواصلات العامة للوصول إلى أماكن عملهما في المنطقة. أحدهما ذو دخل متوسّط والآخر ذو دخل محدود.
كما تصنّف الدراسة الفئات المختلفة لأنماط التنقّل الحضري. ويُدعَّم هذا التصنيف بخرائط للمحطات التي تبيّن الروابط بين خطوط المواصلات العامة وصورها في الواقع، بالإضافة إلى طُرُق سير المشاة للوصول إليها.
وتهدف هذه الدراسة إلى تحسين خدمات المواصلات العامة ومن ثمّ تحسين جودة الحياة في القاهرة الجديدة لصالح سكانها وزوارها.
المقدمة
يُركّز التنقّل الحضري على حركة الناس من مكانٍ إلى آخر داخل المناطق الحضرية أو بينها. ويَصِفُ برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) التنقّل الحضري بأنّه “المحرّك الرئيسي للتحضُّر، والبنية التحتية الأساسية لتشكيل الواقع الحضري.
فالطابع المكاني ترسمه الطُرُق ونُظُم المواصلات والفراغات العامة والمباني”. والمواصلات العامة هي أحد أنماط التنقّل الحضري التي تساعد عامة الناس على تلبية احتياجاتهم في المدينة. ويجب أن يكون متوسّط المسافة التي يقطعونها بين أي شكل من أشكاله ما بين 400 و500 متر.
إتاحة المواصلات العامة في منطقة القاهرة الجديدة
ويتمثّل الهدف الأساسي من هذه الدراسة في بحث إتاحة المواصلات العامة في منطقة القاهرة الجديدة، من خلال رسم خارطة لأنواع التنقّل وخطوطه (الخطوط الرئيسية والفرعية).
أمّا الهدف الثانوي لها فهو بحث تأثير تصميم المواصلات العامة على سلامة المستخدمين وراحتهم وحالتهم الاقتصادية، وتحليل تداعيات ذلك على جودة حياتهم.
- ما هي أهمية التنقّل الحضري في حياة الناس؟
- كيف يمكن للتنقّل الحضري أن يؤثّر على الحياة اليومية للسكان والزائرين والعاملين في القاهرة الجديدة؟
يمكن القول أن بؤرة تركيز الدراسة هي بحث وسائل التنقّل الحضري في منطقة القاهرة الجديدة وتأثيرها على حياة الناس، علمًا بأن أنماط المواصلات العامة تنقسم إلى ثلاث فئات: الباص، والميني باص، والميكروباص. وثمّة محطات رسمية (الشكل رقم 3 و4) ومحطات غير رسمية (الشكل رقم 5 و6). وتقع محطة الميكروباص الرسمية في حي التجمّع الخامس بجوار مسجد الحمد. أمّا محطة الباص فتقع في شارع التسعين بجوار بارك مول (الشكل رقم 2).
ورغم توافر أنواع مختلفة من المواصلات العامة، فإن الوصول إليها ليس يسيرًا. إذْ يتطلّب ذلك السير 35 دقيقة للوصول إلى موقف الباص من أي وحدة سكنية. كما أن الشوارع تفتقر إلى أرصفةٍ آمنة للمشاة، والطُرُق مكشوفة من دون مظلّة للحماية من أشعة الشمس، أو ليست ملائمة للمشاة. وهي جميعها وسائل أساسية لحركة الناس (الشكل رقم 7 ورقم 8).
أُجْرِيت المقابلات مع ثلاثة أشخاص يمثّلون فئات مختلفة من المستخدمين في القاهرة الجديدة. الأوّل من سكان القاهرة الجديدة وهي وجهة أساسية في حياته اليومية، والثاني موظّف راتبه متوسّط، والثالثة عاملة محدودة الدخل، والأخيران يتنقّلان يوميًا إلى القاهرة الجديدة.
تركّز الحالة الأولى على شابٍ مقيمٍ في القاهرة الجديدة اسمه محمد، وهو طالب جامعي يستخدم خطوط الباص العامة يوميًا للذهاب إلى الجامعة. محمد من عائلات الطبقة الوسطى ذو دخل شهريّ متوسّط يبلغ 10 آلاف جنيه. وأمام محمد خياران ليصل إلى الطريق الرئيسية لركوب الباص. الأوّل هو استخدام تطبيق أوبر للوصول إلى أقرب محطة، والثاني هو المشي حوالي 35 دقيقة (2.95 كيلومتر).
ولكي يستخدم محمد أوبر مرتين في اليوم لمدّة خمسة أيام في الأسبوع طوال أربعة أسابيع في الشهر، سيحتاج إلى نحو 25 جنيه في المرة الواحدة. ما يعني نحو ألف جنيه شهريًا، ما يعادل 10% من ميزانية الأسرة لمجرّد الوصول إلى المحطة في رحلته اليومية إلى الجامعة. أمّا خياره الثاني فهو المشي مسافة 2.95 كيلومتر في نحو 35 دقيقة للوصول إلى المحطة. ويُظهِر الشكل رقم 9 رحلة محمد اليومية والمسافة التي يقطعها إلى المحطة.
أما الحالة الثانية فهي لموظّفٍ يعمل في بنك واسمه تامر. ولأنّه لا يملك سيارة، يستخدم تامر الميكروباص يوميًا، وأمامه عدّة خيارات للوصول إلى أقرب محطة من مقرّ عمله. الأوّل هو أن يركب تاكسي بتكلفة 20 جنيهًا للرحلة الواحدة.
فإذا استخدم هذا الخيار مرّتين في اليوم لمدّة خمسة أيام في الأسبوع طوال أربعة أسابيع في الشهر، سيحتاج إلى نحو 800 جنيهًا شهريًا. وإذا كان متوسّط راتب تامر 7,000 جنيهًا شهريًا، فبالتالي سيُنفق 11.4% من راتبه للوصول إلى المواصلات العامة. أما خياره الثاني فهو المشي مسافة 1.8 كيلومتر من مقرّ عمله في نحو 25 دقيقة في كل رحلة، كما يَظهر في الشكل رقم 10.
أما الحالة الأخيرة فهي عاملة منزل اسمها زكية. تعمل في القاهرة الجديدة خمسة أيام في الأسبوع. وتركب زكية ذهابًا ميني باص من محطة غير رسمية، وفي طريق العودة تحتاج إلى المشي مسافة 3.6 كيلومتر أو 4.7 كيلومتر لتصل إلى محطة قريبة من عملها (الشكل رقم 11).
ويكلفها الميني باص (التمناية) 10 جنيهات في الرحلة الواحدة. فإذا استخدمت هذه الوسيلة مرّة يوميًا لمدة خمسة أيام في الأسبوع طوال أربعة أسابيع في الشهر، فستحتاج إلى نحو 200 جنيهًا شهريًا. أمّا الرجال فلديهم خيارات أخرى مثل ركوب الدراجات النارية (الشكل رقم 12).
كما أظهرت مقابلات أخرى أن العديد من الأفراد يستخدمون سياراتهم للوصول إلى المحطات ويتركونها هناك، لكن أماكن ركن السيارات غير آمنة. واضطر آخرون إلى ركوب المواصلات العامة حتى لو أثّر ذلك على دخلهم. والجدير بالذكر أن أغلب ركاب المواصلات العامة هم من متوسّطي أو محدودي الدخل. وأولئك أمامهم خياران للوصول إليها، إما المشي لمدة 45 دقيقة في المتوسّط يوميًا أو استخدام وسائل أخرى مثل الدراجات النارية أو سيارات الأجرة أو الميني باص أو أوبر.
كما أكّد من قابلتهم على سوء الظروف البيئية في الشوارع؛ فالأرصفة تكون شديدة الحرارة خلال الصيف لعدم وجود مظلات، أو شديدة البرودة في شهري ديسمبر ويناير. كما يندر وجود أرصفة مريحة وآمنة. علاوةً على ذلك، أشار العديد منهم إلى أن المحطات غير الرسمية ليس لها جدول زمني ثابت، وأماكنها عُرضةً للتغيّر دائمًا نظرًا لطبيعتها غير الرسمية وتدخّلات الشرطة.
الخلاصة
يؤدّي ضعف الروابط بين محطات الركوب في الشوارع الرئيسية والفرعية إلى انخفاض استخدام المواصلات العامة في القاهرة الجديدة، وهو ما يؤثر سلبًا على جودة حياة سكان المنطقة والعاملين فيها وزوّارها.
ومن المقابلات نخلص إلى أن المشكلة الأساسية هي صعوبة وصول الأفراد إلى المواصلات العامة، الأمر الذي يؤثّر على نمط حياتهم في القاهرة الجديدة. كما أن عدم وجود محطات ركاب ثانوية يؤثّر على صحة الناس وميزانياتهم وتأقلمهم في المنطقة. ويواجه الأفراد مثل محمد وتامر وزكية عقبات عديدة أثناء استخدام المواصلات العامة.
من بينها هدر الوقت، والزحام المروري نتيجة الاستخدام اليومي للسيارات الخاصة، وسوء أحوال الأرصفة، وطول مدة السير، ووجود وسائل نقل غير رسمية مثل الدراجات والميني باص. زِدْ على ذلك أن الطبيعة العشوائية للتنقّل الحضري تؤثّر سلبًا على الظروف الاقتصادية وتؤدي إلى تفاقم مشاكلها.
وستزداد المشاكل الحالية نتيجة تقاعس الحكومة عن توفير المواصلات العامة في الطُرُق الفرعية، وتقليل مسافات المشي إلى أقرب محطة ركاب خاصةً في ظل زيادة سكان القاهرة الجديدة. وترى الكاتبة ضرورة تحسين جودة المواصلات العامة في القاهرة الجديدة . لذلك، يجب تصميم محطات رسمية لوصل الطُرُق الرئيسية بتلك الفرعية،
وتقليل مسافات المشي للوصول إلى المحطة لتكون 500 متر في أقصى تقدير. كما يجب توفير مظلّات على الأرصفة وتحسين رصف الشوارع حتى يسهل استخدامها وتصبح مريحة. بالإضافة إلى ذلك، يجب نقل المحطات غير الرسمية إلى الأماكن الرسمية وضبط الجداول الزمنية لجميع وسائل المواصلات.