وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

من بطلة في المبارزة إلى ناشطة في مجال المساواة بين الجنسين: الكويتية بلسم الأيوب

“اختارني السيف عندما كنت في السادسة عشرة،” هذا ما قالته بلسم الأيوب، التي ولدت عام 1977، وتعتبر أول كويتية في عالم رياضة المبارزة بالسيوف وواحدة من قِلة من الرياضيين المحترفين في منطقة الخليج.

نشأت بلسم في كنف أسرة عاشقة للرياضة، فقد كان والديها من الرياضيين، إذ كان والدها لاعب كرة قدم وسبّاح على المستوى الوطني، في حين كانت والدتها تمارس رياضة الجمباز وكرة السلة، مما شجعها على ممارسة الرياضة في سنٍ مبكرة، أي في سن السادسة أو السابعة من عمرها. جذبتها الألعاب الفردية، مثل الفروسية وركوب الأمواج، مما ساهم في صقل شخصيتها وتملكها صفات غاية في الأهمية، مثل حب الاستقلال، والانضباط، والعزيمة، والتفكير التحليلي. انضمت إلى نادي الفتاة (النادي الرياضي الوحيد المخصص للفتيات آنذاك في الكويت)، عام 1995، عندما كانت تبلغ من العمر ستة عشر عاماً، وغادرته في عام 2004 لتدخل عالم الاحتراف في المبارزة بالسيوف. يوجد في الوقت الراهن، ناديين رياضيين آخرين للنساء؛ هما نادي العيون الرياضي، ونادي سلوى الصباح الرياضي. بعد تركها النادي الممول من قِبل الحكومة وتوقيعها مع القطاع الخاص للحصول على فرص الرعاية، قضت بلسم خمس سنوات بالمشاركة، بالمتوسط، بعشر إلى اثني عشرة بطولة سنوياً في جميع أنحاء أوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وفي عام 2015، أي بعد عشرين عاماً من ممارستها رياضة المبارزة بالسيوف، أسست بلسم لجنة الرياضة والمجتمع في نادي الكويت الرياضي، حيث تُدرب اليوم.

ناشطة في مجال الرياضة

لجنة الرياضة والمجتمع، التي تستخدم الاهتمام بالرياضة والنشاط البدني لتحسين المجتمع، مجرد واحد من العديد من المشاريع التي تقودها بلسم. ففي نوفمبر 2015، عقدت حلقة نقاش في جامعة الكويت ركزت على تأثير الرياضة على تغيير المجتمع. تحدثت بلسم، بالإضافة إلى أربعة رياضيين آخرين، عن الطرق التي تجاوزت من خلالها القيود الاجتماعية والشخصية. ومن بين المتحدثين كان هناك زيد الرفاعي، وهو القوة الرئيسية وراء مركز تسلق الجبال العربي ومدير نادي تسلق جبال الألب، وسامر أبو دقة، مدرب ومدير أكاديمية أي سي ميلان في الكويت، والجنوب افريقي ريتشارد بينيت، مؤسس جمعية خيرية تتخذ من بريطانيا مقراً لها “Bhubesi Pride Foundation“، التي تعمل في تسعة بلدان افريقية، وسوزان الهوبي من فلسطين، أول إمرأة عربية تتسلق قمة ايفرست. وبعد شهر، نظمت بلسم مشروع “كوني قوية” الذي يُعنى بتعزيز الوعي الرياضي والثقافي، حيث انطلق بتدشين حملة لإنهاء العنف ضد المرأة من خلال تعليم النساء الدفاع عن أنفسهنّ ضد أي هجوم. شاركت أعداد هائلة من النساء، بلغنّ 382 امرأة من 30 دولة مختلفة، بما في ذلك نساء من ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاء على حد سواء.

وقد تم اختيار بلسم للحصول على زمالة “آشوكا” في عام 2009، وهي أكبر شبكة تُعنى بتعزيز ريادة الأعمال الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، إذ يقوم ما يقرب من 3000 من زملاء آشوكا في 70 بلداً بتنفيذ أفكارهم المتعلقة بتغيير الأنظمة على نطاقٍ عالمي. كما تم اختيار بلسم من بين 50 شخصية شابة بارزة في أوروبا والدول العربية في عام 2010، فضلاً عن ترشيحها لجائزة السلام والرياضة عام 2011. بالإضافة إلى ذلك، حازت بلسم على ميداليات لا تعد ولا تحصى في عالم رياضة المبارزة منذ عام 1995، ولا تزال معروفة بمشاريعها الاجتماعية والاقتصادية والدبلوماسية. وتتراوح هذه المشاريع ما بين مساعدة طلاب الجامعات، من ذوي الخبرات المحددة، إنجاز مشاريع التنمية الاجتماعية من خلال “مختبر الشباب،” وهي منظمة تهدف إلى إحياء أفكار الشباب، وصولاً إلى تصميم ملابس رياضية محافظة للنساء والفتيات.

وكما هو معروفٌ عن بلسم، تتمتع بإرادة صلبة وبذلها جهوداً جبارة للتغلب على العقبات، والذي بلا شك، نتاج تربيتها الرياضية. فبعد إنهائها الثانوية، حاولت بلسم الالتحاق بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب للحصول على شهادة في التربية البدنية، مثل والدتها، إلا أنه تم رفضها مرتين بسبب تدني درجاتها، فلطالما واجهت بلسم مشكلة في الدراسة.

كانت جهودها “ماراثونية،” حيث تخرجت بلسم في عشر سنوات، بعد أن تم إيقافها عن الدراسة ست مرات.

نقط التحول

جاءت نقطة التحول الأولى في حياة بلسم عندما فشلت في أحد امتحاناتها في الكلية. كان سؤال الامتحان معنياً بالطرق التي يمكن للمرء من خلالها تنظيم منافسة رياضية. وعلى اعتبار أنها أجابت بطريقة إبداعية، طلبت بلسم من أستاذها شرح سبب تدني درجتها، حيث وضّح أستاذها بصراحة أنّ ذلك لأن إجابتها كانت جديدة وليست تلك المنصوص عليها في كتابه (الكتاب الذي ألفه أستاذها)، وبالتالي تستحق بلسم الرسوب. أدركت بلسم في تلك المرحلة أن هناك نوعين من الناس، أولئك الذين يؤمنون بحتمية الوضع الراهن، وأولئك الذين يولدون لتحديه. برزت بلسم بين أفراد الفئة الثانية، عندها اتخذت قراراً واعياً بعدم نسخ الاجابات أو مجرد اتباع الأوامر وتأدية التوقعات الاجتماعية. وتقول بلسم “إن لم تنجح الخطة (A)، فأنا أدرك تماماً أن هناك 25 حرفاً آخر في الأبجدية، وسأجرب كلاً منها إلى أن أحقق غايتي.” فبعد ثلاث محاولات لدخول الكلية، وعشر سنوات مرهقة، وإيقافها عن الدراسة ست مرات، اعترف قسمها أخيراً بمساهماتها في المجتمع في مجال الرياضة. بعد التخرج، تم تكريمها بين مجموعة من الطلبة المتميزين؛ إذ كانت بلسم الأنثى الوحيدة من بين 19 رجلاً.

تعلمت بلسم مصطلحيّ “المساواة بين الجنسين،” و”التمكين،” في عام 2009 فقط، بعد سماعها رسالة من قِبل موظفي “آشوكا” حول الزمالة التي كسبتها، إلا أنها أمضت حياتها المهنية بأكملها في نُصرة المرأة، داخل وخارج المجال الرياضي. عندما انضمت إلى نادي الفتاة، كانت بلسم تتدرب بشكل منفرد، إذ لم يكن هناك أي فرصٍ حقيقية للنمو في رياضة المبارزة بالسيوف في الكويت.

حدثت نقطة تحوّل أخرى في مشوار بلسم المهني، عندما كانت تقرأ احدى المجلات في يومٍ ما، ورأت أنّ أحد لاعبي التنس العالميين ترعاه إحدى شركات الساعات. حتى ذلك الوقت، كانت بلسم تفترض أن مصطلح “رياضي محترف،” يُشير فحسب للاعبي كرة القدم الذين وقعوّا عقوداً مع أندية عالمية، إذ لم يخطر ببالها أنّ الشركات قد تدعم الرياضيين الآخرين.

وفي ضوء ذلك،قامت بجمع وتدريب مجموعة مكونة من 16 فتاة ومن ثم تواصلت مع شركة الاتصالات الرائدة في البلاد، إم تي سي. طلبت بلسم من شركة إم تي سي، رعاية أول بطولة وطنية للمبارزة في الكويت، وبعد النجاح الكبير لهذا الحدث الرياضي، تواصلت بلسم مع الاتحاد الرياضي وطلبت مشاركة أفضل ست مبارزين في البطولة العالمية المقبلة، التي كان من المقرر أن تستضيفها جمهورية التشيك. تدربت بلسم وفريقها على مدى ثلاثة أسابيع، حيث قام قائد الفريق بشراء عدّة مبارزة احترافية قبل ساعاتٍ فقط من انطلاق المنافسات، حيث سافر إلى المجر وعاد في نفس اليوم. غيّرت الفتيات التاريخ الوطني بأنّ أصبحنّ أول كويتيات محترفات في رياضة المبارزة بالسيوف ينافسنّ على مستوى عالمي.

تأثير

أدركت بلسم في وقتٍ مبكر أنّ التقدم الذي حققته في المجال الرياضي أثرّ على الخطاب المتمحور حول دور المرأة وحقوقها في المجتمع، كما أثر نجاحها كبطلة رياضية على النقاش الدائر حول قدرات المرأة تبوّأ مناصب إدارية والتغلب على ما يُسمى “النزعة العاطفية” لدى المرأة من خلال تعلّم الانضباط والتركيز ومعالجة المهام بإصرار، على الرغم من العديد من العقبات التي قد يواجهنها. وعلاوة على ذلك، تحدى جدولها المزدحم والعالمي، الآراء القبلية حول المكان الطبيعي للمرأة العربية. بلسم، التي تعيش حياة زوجية سعيدة والأم لطفل، وهو بطلٌ في السباحة بجدارته الشخصية، كرست حياتها لقضية أكبر من كيانها فحسب، وتمكنت من خلال نجاحاتها، من قضاء عقودٍ في تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، على الرغم من أنها بدأت، مؤخراً فقط، استخدام هذه المصطلحات.