زار الفلسطينيون من جميع شرائح المجتمع مدينة الخليل في وقتٍ ما من حياتهم، أو يألفون واحدة من أهم المدن التي تحتلها اسرائيل في الضفة الغربية. فالسكان المحليون والسياح على حد سواء يزورون ما يُعرف بالحرم الإبراهيمي لدى المسلمين أو كهف البطاركة (مغارة المخبيلا) لدى اليهود، حيث يُدفن النبي إبراهيم وعائلته. يتم إخبار الزوار كيف أن إبراهيم، أبو الديانات التوحيدية الثلاث، أطاع أوامر الله، حتى عندما تعلق الأمر بالتضحية بابنه.
وفي 7 يوليو 2017، صوتت اليونسكو، وهي هيئة ثقافية تابعة للأمم المتحدة، بـ12 صوت مقابل ثلاثة أصوات معارضة في تصويتٍ سري بإدراج مدينة الخليل القديمة على لائحة مواقع التراث العالمي. عارضت إسرائيل التصويت، الذي يُشير إلى أن المدينة إسلامية، قائلةً أن القرار يتنكر للوجود اليهودي في المدينة منذ آلاف السنين.
ووصف متحدثٌ باسم المستوطنين اليهود في الخليل، الذين يعيشون في مقاطعة محصنة بالقرب من المسجد، القرار بـ”السخيف” و”المعادي للسامية” و”الأمر الطبيعي من مجموعةٍ من الجهلة في اليونسكو ممن تملؤهم الكراهية.”
من جهةٍ أخرى، يُمنع سكان الخليل من الوصول إلى العديد من المناطق في المدينة القديمة، بما في ذلك شارع الشهداء. فالشارع الذي كان يوماً ما سوقاً وطريقاً عاماً مزدهراً، أغلق بوجه الفلسطينيين منذ أن أقدم مستوطن إسرائيلي على قتل 29 مصلٍ فلسطيني داخل الحرب الإبراهيمي عام 1994 فيما يُعرف بمذبحة الحرم الإبراهيمي. بل إن الحرم الإبراهيمي نفسه يخضع لحراسةٍ شديدة من قِبل الجنود الإسرائيليين.
ويعتبر القرار انتصاراً للدبلوماسية الفلسطينية، إلا أن اسرائيل اعتبرته مثالاً آخر على ما تعتبره تحيّز الأمم المتحدة المناهض لإسرائيل. وحتى قبل التصويت، الذي تم تسريعه على أساس أن الموقع معرضٌ للخطر، قام مسؤولون إسرائيليون بمنع وفد اليونسكو من زيارة الخليل.
وفي منشورٍ له على الفيسبوك، وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتياهو القرار بـ”الوهمي” مضيفاً “هذه المرة قررت اليونسكو أن مغارة المخبيلا (الاسم اليهودي للحرم الإبراهيمي) هي عبارة عن موقع فلسطيني أي غير يهودي.”
وعليه، صححته صحيفة تلغراف اليهودية التي تتخذ من لوس أنجلوس مقراً لها، مشيرةً إلى أن القرار “لم يذكر [مغارة المخبيلا]، ولم يُسمي الموقع على أنه فلسطيني.”
كما تناول كريس دويل، مدير مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني الذي يتخذ من لندن مقراً له، تصريحات نتنياهو، موضحاً الفرق بين الصلات الدينية والسيادة، حيث أضاف “إن كون مدينة الخليل فلسطينية لا يُبطل الرابط اليهودي أكثر من كون وجود الناصرة في اسرائيل يعني أن الارتباط المسيحي مقطوع. توجد مواقع هامة لليهود واليهودية في جميع أنحاء العالم، مثل كنيس الغريبة في تونس، ولكن هذا لا يعني أن إسرائيل تمتلك مطالبةً سيادية بها. يوجد في الخليل روابط وتاريخ يهودي؛ لا أحد في اليونسكو ذكر خلاف ذلك.”
وفى خطابٍ القاه عقب التصويت، لخص سفير اسرائيل لدى اليونسكو وجهات النظر تجاه التصويت في بلاده. ولم يركز كرمل شاما هكوهين فقط على القرار، بل هاجم أيضاً لجنة التراث العالمي، قائلاً إنها لم تبذل ما يكفي للحفاظ على سرية التصويت.
ووفقاً لصحيفة تايمز أوف اسرائيل، قوطع السفير عدة مراتٍ بسبب رنين هاتفه. وباختتام كلمته الغاضبة، أوضح أن السباك كان يحاول التواصل معه بسبب مشكلةٍ عاجلة في مرحاض شقته في باريس. وقال شاما هكوهين أن مرحاضه “أكثر أهمية بكثير من القرار الذي أجزتوه.“
في حين كان محافظ الخليل، كامل حميد، أكثر اعتدالاً في رده، إذ قال” إن هذا القرار الأممي هو دليل قطعي على أن خليل الرحمن بموروثها الثقافي والإنساني تهم الإنسانية جمعاء وليس الفلسطينيون وحدهم.”
فقد رددت كلماته صدى الموقف الذي اتخذته اليونسكو، الذي ينص على موقعها على الإنترنت أن “مواقع التراث العالمي تنتمي إلى جميع شعوب العالم، بصرف النظر عن الأرض التي توجد فيها.”
كما رحبت حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، بالقرار، وقالت لصحيفة عرب نيوز اليومية السعودية إنها سعيدة “بالقرار الهام الذي يشكل جزءاً من الجهود الإضافية الرامية إلى كبح محاولات السرقة الإسرائيلية وتدمير مواقعنا، والطابع المشترك لفلسطين.” وأضافت أن اسرائيل تحاول “فرض واقعٍ موّحد على فلسطين التاريخية.”
وقالت رولا معايعة، وزيرة السياحة الفلسطينية، للصحيفة نفسها إن التصويت تم على الرغم من الضغط الشديد على الدول الأعضاء. واضافت “تُظهر حقيقة تمريره بأغلبية ساحقة، على الرغم من سريته، مدى عمق الإرادة الدولية في هذه القضية.”
وأضافت أن القرار سيحسن من معنويات الفلسطينيين، إذ قالت “اليوم، نشعر أننا لسنا وحدنا، وأن هناك هيئة دولية تهتم ايضاً بالحفاظ على هذا الموقع التاريخي.”
كما أعرب خالد القواسمي، العضو المنتخب في مجلس بلدية مدينة الخليل، عن أمله في أن تقوم بلدية الخليل ولجنة إعادة إعمار الخليل “برعاية هذا التراث والعمل بطريقة موحدة لضمان الحفاظ عليه من أجل أجيال المستقبل.”
وقد وصف نايف هشلمون، رئيس مركز الوطن، وهي منظمة غير ربحية تخدم الأفراد والجماعات ومكرسة لحل النزاع سلمياً، هذه المبادرة بأنها “إشارة” على الدعم العالمي للشعب الفلسطيني. وأضاف “هذا قرار عادل وإنساني يؤكد على الهوية العربية في الخليل مع تراثها وثقافتها وبنائها وتاريخها. إن إدراج الخليل على قائمة مواقع التراث العالمي المهددة بالانقراض يدعم السلام ويعارض العنف والارهاب.”
كانت الخليل وستبقى مدينةً تضم ضمن حدودها مواقع مقدسة لجميع الأديان، فقد أعلن تصويت اليونسكو بكل بساطة أن هذا الموقع الهام معرضٌ للخطر ويجب حمايته، بغض النظر عن السياسة المحلية.