نشر الصحفي المعروف جيمس دورسي مقالة على مدونته الإلكترونية سلط فيها الضوء على الإشكالية التي تواجهها كرة القدم الإيرانية في ضوء تداخل هذه الرياضة المتكرر مع عالم السياسة. ويتناول دورسي، وهو باحث بارز في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، قرار اتحاد كرة القدم الأسيوي الأخير بطرد أندية إيرانية لعدم تطبيقها المعايير، لافتاً إلى ضرورة التدخل لفك علاقة السياسة بالرياضة على المستوى الدولي.
ويبدأ دورسي مقالة بالإشارة إلى تحقيق إيران لإنجازين على مستوى كرة القدم، إذ شهد الأسبوع الماضي احتفال الإيرانيين بتأهل منتخب بلادهم إلى كأس العالم للمرة الثالثة على التوالي، وذلك في أعقاب الفوز على منتخب العراق. وبحسب دورسي، فإن النجاح الثاني يكمن في الاحتفال بحد ذاته. ولم يكن الاحتفال حكراً على الرجال، إذ اختلط الرجال والنساء بحريّة في أحد ميادين العاصمة طهران. وجاء هذا الاحتفال بعد تشجيع الرجال والنساء بشكلٍ منفصل لمنتخب بلادهم في ملعب آزادي.
وعلى الرغم من حظر حضور النساء لمباريات كرة القدم المحلية للرجال، إلا أن وجود النساء في التصفيات المؤهلة لكأس العالم يعد دليلاً على أن ممارسة بعض الضغط على إيران قد يؤتي أكله، على الأقل عندما يتماشى هذا الضغط مع المطالب المحلية الشعبية.
كل هذا يبدو وكأنه أخبار جيدة. لكن هناك أخبار سيئة أيضًا، وقد تكون أكثر أهمية وتحتوي على ملاحظة تحذيرية للرياضات الإيرانية والرياضة على مستوى العالم، لاسيما في أرض يحكمها المستبدون والسلطويون.
بالنسبة لإيران، كانت الأخبار السيئة هي القرار الذي اتخذه الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الشهر الماضي بطرد ثلاثة أندية إيرانية كبرى – برسبوليس، واستقلال طهران، وجول جوهر سيرجان – من دوري أبطال آسيا 2022، وهي بطولة الأندية الكبرى في القارة. وتجدر الإشارة إلى أن تمتع ناديي برسبوليس واستقلال طهران بشعبية تعد من بين الأكبر تاريخياً في آسيا.
وعاقب الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الأندية لفشلهما في تلبية معايير الاتحاد الخاصة بالنواحي الإدارية والبنية التحتية وقواعد ملكيتهما، علماً بأن ملكية اثنين من هذين الأندية تعود إلى وزارة الشباب والرياضة الإيرانية.
ويلفت دورسي النظر إلى أن هذا الأمر لا ينطبق على برسبوليس واستقلال طهران وجول جوهر سيرجان فحسب، بل على شريحة واسعة من الأندية الإيرانية التي لا تلبي ما يطبقه اتحاد كرة القدم الآسيوي من معايير. وفي الوقت الذي تمتلك فيه الدولة الكثير من الأندية الإيرانية، يشغل فيه ممثلون عن الحرس الثوري الإسلامي مقاعد في بعض مجالس إدارة هذه الأندية.
ولاستيفاء معايير الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، يتعين على الأندية الإيرانية تطوير أكاديميات للشباب، والترويج لكرة القدم النسائية، وإنشاء أقسام تسويق للمساعدة في استدامتهم تجارياً. ويتطلب هذا الأمر اللجوء إلى الخصخصة، وهي مخاطرة سياسية كانت ولا تزال حتى الآن خطوة بعيدة للغاية بالنسبة للقادة الإيرانيين.
وتعد كرة القدم في إيران في كثيرٍ من الأحيان مكاناً للتنفيس عن الغضب والإحباط المكبوتين، لتحاكي بذلك عموم منطقة الشرق الأوسط المسحورة بكرة القدم.
وبحسب دورسي، فإن الملاعب المماثلة لملعب آزادي بطهران وملعب يادغار إمام في مدينة تبريز أو ملعب سهند، تحولت في بعض الأحيان من المكان الذي يحصل فيه الناس على ما وصفه بـ “أفيون الكرة” إلى أماكن للاحتجاج. ويحاكي دورسي في وصفه لكرة القدم مقولة كارل ماركس الشهيرة عن الدين، سيّما وقد باتت هذه اللعبة من الأشياء القليلة التي تثير المشاعر المتجذرة مثل الدين. ومن هذا المنطلق، يشعر القادة المستبدين في المنطقة بضرورة السيطرة على هذه الرياضة.
بيد أن لبّ المشكلة يكمن في الحفاظ على هذه السيطرة، إذ تُصعّب العقوبات الأمريكية القاسية على الحكومة من الاستثمار في الأندية التي صعّبت ديونها من خصخصتها، حتى ولو كان النظام على استعداد لتحمل المخاطر السياسية الناجمة عن تخليه عن السيطرة.
وشهدت الآونة الأخيرة تناول هذا الموضوع تحت قبّة البرلمان الإيراني، إذ أصر عضو البرلمان الإيراني المحافظ أحمد رستينة على “استحالة” منح اتحاد كرة القدم الإيراني لاستقلاليته، وهو الهيئة الناظمة لكرة القدم في البلاد.
وكان رستينة يرد على مطالب الاتحاد الآسيوي لكرة القدم التي تريد من إيران الشروع بخصخصة الأندية، بالتزامن مع رفع الحظر المفروض على حضور النساء لمباريات كرة القدم المحلية وإنهاء تدخّل الحكومة في الرياضة.
ويرى دورسي أن مطالب الاتحاد الآسيوي لكرة القدم تشير إلى مدى خطورة الوضع في إيران، سيّما وأن هذا الاتحاد أحد أهم أعمدة الدعم الفعلي للاستبداد في منطقة الشرق الأوسط، شأنه في ذلك شأن الاتحاد الدولي لكرة القدم. ويبرّر دورسي وجهة نظره هذه بالإشارة إلى إذعان الاتحاد الآسيوي الدائم لتدخل السياسة في الرياضة في جميع أنحاء المنطقة.
في المقابل، فإن مطالب الاتحاد الآسيوي شجعت منتقدي سيطرة الحكومة على الخروج من مخابئهم. وقال داريوش مصطفوي، الذي سبق له تولي رئاسة الاتحاد الإيراني لكرة القدم في التسعينات: “المشكلة برمتها اليوم هي وجود السياسة في كرة القدم”. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن تصريحات مصطفوي كانت للتلفزيون الحكومي.
ويبدو أن الكثيرين يشاركون مصطفوي إحباطاته في كرة القدم، ومن بين هؤلاء، ولو ضمنياً، القيادة الحالية للاتحاد. وقال أفشين جوتبي، وهو مدرب إيراني أمريكي عمل مع فريق برسبوليس ومع المنتخب القومي الإيراني: “إذا تحسن الهيكل الإداري لكرة القدم، ستكون إيران من بين العشرة الأوائل في العالم بالتأكيد. الجيل الحالي من اللاعبين هو الأفضل حتى الآن، لكن ليس لديهم الأجواء في إيران لتطوير أنفسهم بقدر إمكاناتهم”.
وفي خطوة لافتة، اندفع الأمين العام للاتحاد الإيراني حسن قمرانيفار لدعم مهدي مهدفيكيا، قائد المنتخب الوطني السابق، الذي أثار ضجة لارتدائه قميصٍ عليه أعلام جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا“، بما في ذلك علم إسرائيل، خلال مباراة ودية في قطر. وعوقب الرياضيون الإيرانيون في الماضي لرفضهم التنافس ضد إسرائيليين في الفعاليات الدولية في انتهاك لقواعد الحوكمة الرياضية المقبولة عالمياً.
وفي بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للاتحاد، قال قمرانيفار إن مهدفيكيا “أحد عظماء كرة القدم الإيرانية” و”رمز فخر للجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
ويمثل طرد الأندية الإيرانية وسياسة كرة القدم الإيرانية ذروة مشكلة عالمية بدلاً من كونها محلية: إنه علاقة سفاح المحارم بين الرياضة والسياسة التي لا ينفصلان فيها عن بعضهما البعض، وإصرار هيئات الرياضة الدولية على بدعة وجود خط فاصل كبير بين الاثنين.
ويرى دورسي أن رفض الاعتراف بهذه العلاقة وإنشاء نظام رقابة يحكمها بشكل صحيح يخدم أغراض الحكومات الاستبدادية وقادة الاتحادات الرياضية الدولية.
وتتماشى الانتقادات، التي أعرب عنها الاتحاد الإيراني لكرة القدم ومصطفوي، مع التوجه الناشئ بين بعض الرياضيين وبعض مديري الأندية للدفاع عن مختلف الحقوق، بما في ذلك حقوق مجتمع الميم، وحقوق العمال في قطر، التي تستضيف كأس العالم هذا العام.
وارتدى لويس هاميلتون، بطل العالم سبع مرات في سباق السيارات الفورمولا 1، خوذة تحمل ألوان علم قوس قزح الخاص بمجتمع الميم خلال سباقات غراند بركس الأخيرة في قطر والسعودية، وذلك في إشارة تحدي لرفض الدولتين الخليجيتين الاعتراف بحقوق الأقليات الجنسية.
وبالمثل، أعلن الاتحاد الدنماركي لكرة القدم، الهيئة الحاكمة لكرة القدم في الدنمارك، أن رعاته التجاريين وافقوا على التنازل عن مساحة بأدوات التدريب للسماح لطباعة رسائل تنتقد معاملة قطر للعمال المهاجرين.
وقال الاتحاد إنه سيقلل أيضًا عدد رحلات الفريق الدنماركي، الذي تأهل بالفعل لكأس العالم 2022، إلى قطر لتجنب الأنشطة التجارية التي تروج لفعاليات مضيفي كأس العالم.
وبضغط من جماعات حقوق الإنسان والنقابات العمالية، حسّنت قطر بشكل ملحوظ من نظام العمل بها منذ منحها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في عام 2010 لحقوق استضافة كأس العالم 2022. ومع ذلك، يجادل الكثيرون بأن قطر بحاجة إلى ضمان تنفيذ الإصلاحات المعتمدة بشكل صحيح.
وعلى عكس قضية حقوق مجتمع الميم والتي أثارت جدلاً حادًا في الخليج، يبدو أن مطالب الاتحاد الآسيوي لكرة القدم تلقى صدى لدى الإيرانيين.
وفي هذا السياق، قال الصحفي الرياضي الإيراني بهنام جعفرزاده: “معظم الناس يتفقون مع قرار الاتحاد الآسيوي ويقولون إنهم يتمنون لو فعلوا ذلك في وقت سابق”.
ملاحظة
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.
ملاحظة
تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://jamesmdorsey.substack.com/ في 01 فبراير 2022