وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مشروع ليلى، الفرقة اللبنانية التي تُغيّر نغم موسيقى البوب العربية

قبل حوالي تسعة أعوام، أي في شتاء عام 2008، اجتمعت مجموعة من طلاب الجامعة الأمريكية في بيروت لإحياء حفلٍ موسيقي صاخبٍ مرتجلٍ بسيط، إذ لم يكونوا يعرفوا آنذاك أن هذه ستكون انطلاقة قوةٍ موسيقية ستواصل تحدي المحرمات السياسية والاجتماعية في منطقةٍ مثقلةٍ بالتقاليد.

كانت هذه الحفلة المرتجلة من بنات أفكار أندريه شديد، عازف الجيتار، وأمية ملاعب، عازفة الأورغ، وعازف الكمان هايغ بابازيان اللذين نشروا دعوة مفتوحة للطلاب/ الموسيقيين الآخرين للانضمام إليهم للتنفيس موسيقياً عن االاحباطات السياسية والاجتماعية التي يعيشونها.

ففي بلدٍ عالقٍ بمأزقٍ سياسي وفراغٍ رئاسي واحتجاجاتٍ متواصلة تنظمها جماعات المعارضة ضد الحكومة، بدّت بيروت وكأنها قنبلة موقوتة على وشك الانفجار. ومع ذلك، من أصل 12 شخصاً استجابوا للدعوة المفتوحة، لم يتبقى سوى سبعة أفرادٍ شكلوا معاً مشروع ليلى، وهي فرقةٌ موسيقية في مهمة.

تذوقت فرقة مشروع ليلى أول طعمٍ للنجاح في الحفل السنوي الخارجي للجامعة الأمريكية في بيروت. جذب الحفل الذي أقيم في حرم الجامعة المطلة على البحر المتوسط، أناساً من جميع أنحاء البلاد الذين حضروا للاستمتاع بالأطعمة والألعاب التي نظمها طلاب الجامعة أنفسهم، فضلاً عن الاستمتاع بالعرض المباشر المُقام مساءً. كانت مشروع ليلى الفرقة الوحيدة في العرض المباشر التي أدّت أغانٍ خاصة بهم ومن تأليفهم. وبعد العرض، قبلت الفرقة تقديم بعض الحفلات قبل أن تظهر أخيراً على الساحة الموسيقية اللبنانية في عيد الموسيقى 2008 (Fête de la Musique) في بيروت، مما أثار الجدل بسبب أغانيهم الجريئة عن الحب والجنس والسياسة.

ومع ذلك، جاءت أكبر إنجازات الفرقة عندما حصلت على كلٍ من جائزة لجنة التحكيم والجمهور، في مسابقة الموسيقى الحديثة التي نظمتها إذاعة راديو لبنان في مارس 2009، وذلك عن أغنيتهم رقصة ليلى، حيث كانت الجائزة الأولى عقد لإنتاج اسطوانة.

مشروع ليلى.
مشروع ليلى. Photo Wikimedia Commons

يكمن المحفز لقاعدة معجبي الفرقة في كلماتهم القوية ونهجهم المميز في رواية القصص والتوزيع الموسيقي. وعلاوة على ذلك، في بلدٍ أعمته صدمة الحرب الأهلية، والاقتصاد الراكد، والفساد، ونظام المحسوبية الذي ينخر بالمجتمع بعمق، وجد الجيل الشاب السلوان في محاولات الفرقة معالجة المشاكل الاجتماعية المتعلقة بالحياة اليومية في بيروت. فالفرقة تؤلف أغانٍ عن حقوق المثليين والحريات السياسية، والعرق، والدين، والهوية العربية الحديثة.

فقد أصدرت الفرقة ألبومها الرابع والأخير والذي حمل عنوان ابن الليل في 20 نوفمبر 2008 من مركز باربيكان في لندن، حيث بثت قناة MTV اللبنانية الحفل بشكلٍ مباشر للعالم أجمع. ووفقاً للصحفية مادي كوستا التي غطت الحدث، كتبت في صحيفة الجارديان، “في السنوات السبع منذ تأسيس فرقة مشروع ليلى في الجامعة الأمريكية في بيروت، نجحت الفرقة الخماسية بمقارنتها بجميع الفرق الأخرى، بدءاً من فرقة أركتك مونكيز وراديوهيد إلى روكسي ميوزك ووايلد بيستس.”

واحدة من أغانيهم البارزة في الألبوم هي أغنية بعنوان “مغاوير،” وهو لقبٌ يُطلق على القوات الخاصة في الجيش اللبناني. فقد تم تأليف الأغنية كرد فعلٍ على حادثتي إطلاق نارٍ في لبنان في وقتٍ سابقٍ من ذلك العام، مما أسفر عن مقتل شخصين، كلاهما كانا يحتفلان بأعياد ميلادهما.

فإلى جانب انتقاد العنف وحيازة الأسلحة في البلاد، تعالج الأغنية أيضاً قضية المساواة بين الجنسين. فالرجال اللبنانيون يتعلمون الالتزام بعادات قومهم بعمرٍ صغير، والاتحاد مع رجولتهم التي تحمل الطابع العسكري بقائمةٍ من الأحكام التي تنحاز لجنسهم من أجل الحفاظ على ما يُسمى بـ”شرف الرجال.” وكما تُشير الأغنية، قُتل الرجلين انتقاماً لتفكير المهاجمين أنّ كبريائهم ورجولتهم انتقصت علناً عندما تقرّب غريبٌ من صديقاتهم في ملهى ليلي.

وكما ذكرنا سابقاً، فإن مشروع ليلى فرقة لديها مهمة تشجيع التغيير، حيث أنّ مغنيها الرئيسي مثليّ علناً وأغانيهم تعالج المحرمات التي سُلط عليها الضوء من قِبل القليل جداً من الموسيقيين العرب. واجهت الفرقة أولى عقوباتها في أبريل 2016، عندما منع مسؤولون أردنيون الفرقة من تقديم حفلٍ على المدرج الروماني في عمّان. ولم يتم إبلاغ الفرقة رسمياً بعدم السماح لهم قط بتقديم أي عروضٍ في أي مكانٍ في الأردن بسبب معتقداتهم السياسية والدينية، وتأيديهم للمساواة بين الجنسين والحرية الجنسية.

وبما أن الأردن يعتبر دولة متحررة نسبياً، أثار منع الفرقة العديد من التساؤلات حول تقليص الأماكن التي تستطيع الفرقة تقديم عروضها عليها في المستقبل. ومع ذلك، يعتبر هذا بمثابة الاعتراف بعملهم، الذي من الواضح أنه يتحدى الأعراف الاجتماعية في جميع أنحاءالمنطقة.

ففي مثل هذه الأوقات المضطربة، يبقى أمثال مشروع ليلى، بموسيقاهم وكلماتهم، مهرباً صحياً للعديد من الحالمين بالتسامح والقبول في العالم العربي.