“وسيلةٌ لإيصال حرية التعبير،” هكذا وصفت صحيفة ديلي ستار اللبنانية الهيب هوب اللبناني في عام 2010. ومنذ ذلك الحين، قام العديد من الفنانيين، الذين غنوا بالبداية باللغة الانجليزية وبشكلٍ متزايد باللغة العربية، بتنمية مشهد الهيب هوب المميز واتخاذ مواقف ضد القضايا الاجتماعية والسياسية اليومية التي واجهوها.
وفي أبريل 2016، أصدر الصحفي والفنان سليم صعب، فيلماً وثائقياً بعنوان “شوارع بيروت.” يتناول الفيلم الذي يمزج بين الهيب هوب والراب والرقص وفن الجرافيتي وجداريات الشوارع، ويضم فنانين معروفين أمثال ريس بيك، وإد عباس، وإف زي، وسباز، وأسلوب، والراس، وفيش، ودابيل أي، وليثال سكيلز، مسألة حرية التعبير في لبنان. وقال ريس بيك في الفيلم الوثائقي عن مجتمع الهيب هوب الصريح في المدينة “إنها طبيعة الإنسان الهمجي، إنها الشعر، إنها نقد اجتماعي، إنها شيء نحتاج إليه حقاً في مدينة بيروت لأننا العاصمة ومركز الشجاعة.” إن ما يجعل بيروت مختلفة هو امتلاكها لمشهدها الفني الخاص الذي يتضمن الهيب هوب والراب.
وقالت راية الزين، باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة بنسلفانيا، لـFanack “في بيروت، كما هو الحال في عمّان [الأردن]، يجري تطوير صناعة الفن.” وأضافت “الراب جزءٌ متزايد من هذه الصناعة، والطريقة التي يُمركز الفنانون أنفسهم فيها أيضاً خيارٌ سياسي. هناك اختلاف في النهج عندما تتحدث لمجتمعك أو للمغتربين أو المجتمع الدولي. في لبنان، يغني بعض الفنانين باللغة الإنجليزية بدلاً من العربية، على سبيل المثال.” وبالنسبة إلى الزين، “جميع الأنماط الموسيقية سياسية. ففي الغرب، هناك ميل إلى الاعتقاد بأن الراب العربي يأخذ منحى سياسي أكثر من غيره. ومن الخطأ ربط هذا التطور بالربيع العربي لأنه كان موجوداً قبل ذلك بوقتٍ طويل.”
فقد كانت فرقة عكس السير أول فرقةٍ أدخلت الهيب هوب إلى لبنان بشكلٍ رئيسي في منتصف التسعينات. وقال فنان الجرافيتي والهيب هوب، عمر أشكمان لـFanack “كان مجتمع الراب صغيراً آنذاك، إلا أني أعتقد أنه بدأ قبل ذلك بكثير من خلال المناظرات الشعرية مثل الزجل وأول أشكال رقص الشوارع، الدبكة.” وأضاف “أتاحت لنا ثقافتنا تبني الهيب هوب والراب. فالجيل الجديد طوّر كل شيء من خلال الموسيقى وفن الجرافيتي.”
وحددت أوليفيا (التي لم ترغب في الكشف عن اسم عائلتها)، التي تمتلك شغفاً تجاه الراب وبدأت مشروعاً ثقافياً يحمل اسم Nashara لجعل ثقافة الراب أكثر انتشاراً في فرنسا، مشهدين من مشاهد الراب اللبنانية المميزة: “أحدهما متأثر جداً بالراب الأمريكي، حيث يغني الفنانون باللغة الإنجليزية مثل Chyno [مغني الراب الفلبيني السوري الذي يعيش في بيروت]، ويمتاز بالإنتاج ذو الطابع الأمريكي إلى حدٍ كبير. والآخر عربي أكثر، إذ يغنون باللغة العربية ويلائمون الراب باعتباره موضوع خاص بهم. ففي مقابلةٍ أجريتها مع الراس، أخبرني أنه في مرحلةٍ انتقلنا من الراب بالعربية إلى الراب العربي. كما كان لبنان من أوائل الدول في المنطقة التي تمكنت من الوصول إلى الراب لأن الكاسيتات الصوتية وصلت إلى السوق المحلية من الولايات المتحدة والخليج وأوروبا.”
وبالنسبة لأوليفيا، تكمن خصوصية مشهد الراب اللبناني في وجود “مسألة الهويات واللغات، والتأثيرات المختلفة التي تتطور بالتوازي معها إلا أنها لا تتقاطع معها بالضرورة. فقد كان هناك تجديد عام لهذا المشهد مع وصول الفنانيين السوريين، الذين أثروا على الفن في لبنان بشكلٍ عام. حدث شيء قوي، وبات هناك المزيد والمزيد من التعاون بين الفنانيين في المنطقة، الذين يغذون ويؤثرون على بعضهم البعض.”
وحول كونه سياسي، قالت “لا يعتبرون أنفسهم مغنو راب سياسي، فهم أخبروني أن كل شيء هنا سياسي، فهم ينقلون ما يحصل معهم، إلى بلادهم وإلى المنطقة، مع التطرق إلى مواضيع متكررة مثل القضية الفلسطينية، والدين، والعلمانية، والفساد.” وكونها تتمتع بقدرٍ كبيرٍ نسبياً من حرية التعبير، يعالج الفنانون اللبنانيون القضايا اليومية وحتى أنهم يواجهون الآراء المعارضة، تماماً كما فعل الراس وحمورابي حول سوريا.
وقال أشكمان “بشكلٍ عام، يعتبر الراب والهيب هوب مرآة المجتمع، وعليه، نحن الفنانون نفعل كل ما يمكن لنعكس هذا المجتمع وما يحصل به، مثل القصف أو الحرب في المنطقة.” وأضاف “نتحدث عن الظلم والقضايا الاجتماعية والسياسية، والفساد… الأمور التي تأثر علينا. ولدت أنا وأخي في عام 1983، حيث اعتدنا البقاء في الملاجىء تحت الأرض خلال الحرب الأهلية. نحن نتذكر الميليشيات على الأخبار، مما أثر علينا كبالغين. نستخدم هذه الوسيلة كمذكراتٍ لما حدث وما يحدث من حولنا. الراب له تأثير لأنه يساعد على تسليط الضوء على المواضيع، ومعالجة القضايا، وهنا، هناك دائما شيء للحديث عنه، أمورٌ تحظى بأهمية.”
ليس جميع مغنو الراب في لبنان لبنانيون. فعلى سبيل المثال، الفرقة الفلسطينية TNT، نتاج أحد مخيمات اللاجئين في ضواحي بيروت. وبالنسبة لهم، قدرتهم على غناء الراب حول أوضاعهم له مغزى مختلف تماماً، إذ قال أحد مغنيّ الفرقة “الفلسطينيون فخورون جداً بمغني الراب الفلسطينيين. عندما أعود إلى هنا من أوروبا، حتى وإن كان موعد الرحلة على الساعة الـ4 صباحاً، يكون الناس في انتظاري. أنا بمثابة سفير.”