وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحرب الأهلية اللبنانية: السنوات الضائعة (1975-1990)

الدمار في بيروت
الدمار في بيروت

المقدمة

خلال السنوات التالية، ازدادت حدة التوترات – كما في عامي 1840 و 1860 – إلى حد أن أي حدث صغير قد يشعل نار الحرب. وفي 13 أبريل/نيسان 1975، وقعت حادثتان خطيرتان بين الفلسطينيين والكتائب (الموارنة) في الضاحية الشرقية لبيروت، المنطقة المسيحية تقليدياً. فقد هاجم فلسطينيون إحدى الكنائس، ورداً على ذلك قامت الكتائب بقيادة بيير الجميِّل بمهاجمة إحدى الحافلات الفلسطينية، ما أسفر عن مقتل 27 شخصاً.

كانت هذه شرارة البدء، في البداية بين الكتائب والحركة الوطنية اللبنانية بقيادة زعيم الدروز كمال جنبلاط، والتي جمعت حولها جماعات يسارية مختلفة، معظمها من المسلمين، متحالفة جميعها مع منظمة التحرير الفلسطينية. وبعد اندلاع الحرب الأهلية بوقت قصير، بدا وكأن لكل طائفة دينية في لبنان ميليشيا خاصة بها.

لم تكن الحرب الأهلية بين مسلمين ومسيحيين على وجه التحديد، على الأقل ليس على الدوام، رغم أن بدايتها كانت توحي بذلك. إنما كانت على الأكثر حرباً بين اليسار واليمين – “اليسار” الذي يؤيد بشدة إعادة توزيع السلطة وفق العلاقات القائمة من جهة، و “اليمين” الذي كان يعارض مثل هذا التوزيع. وكانت التحالفات بين المجموعات اللبنانية تتغير في بعض الحالات، كما الدعم الخارجي. ومثال على ذلك: بادئ الأمر تحالفت الكتائب (المارونية) وميليشياتها والقوات اللبنانية مع إسرائيل ضد سوريا التي كانت تدعم “اليسار”.

ولكن لاحقاً سعت إلى تأييد سوريا عندما بات نصر “اليسار” وشيكاً. كما غيّر زعيم الدروز كمال جنبلاط ولاءه، كما فعل ميشيل عون الماروني القائد السابق للجيش اللبناني. قامت الدول الخارجية بدعم وتسليح جهة ما، ومن ثم أخرى. في البداية، كانت سوريا إلى جانب الفلسطينيين، ثم انقلبت ضدهم. وكلما استمرت الحرب، كلما كثر عدد الميليشيات. وفي بعض الأحيان، كانت الأحياء تتقاتل مع بعضها. وأصبحت الحرب الأهلية حلقة مفرغة، حيث العنف يقود دائماً إلى عنف أكثر. وبدأت الميليشيات تدفع لمسلحيها و “موظفيها” الآخرين، ومعظمهم فقد وسائل العيش الأخرى.

آثار الحرب

رغم أن الاقتصاد اللبناني ظل ثابتاً لعدة سنوات، نتيجة وجود أموال النفط إلى حد كبير، إلا أنه انهار في نهاية المطاف – وخاصة بعد تدمير البنوك. وانخفضت الليرة اللبنانية انخفاضاً حاداً، والأسعار ارتفعت. بالنسبة للكثيرين، كان السبيل الوحيد لكسب المال هو الانخراط في الميليشيات. وكانت الميليشيات تمول عملياتها العسكرية من تهريب المخدرات والأنشطة الإجرامية الأخرى. وغالباً بالتعاون الضمني فيما بينها: في حالة “تعادل القوى”. وهكذا استمرت الحرب. وتعرض المئات للاختطاف – من بينهم بضع عشرات من الأجانب – للحصول على المال أو لأغراض أخرى، وأحياناً لإبقائهم محتجزين لشهور وربما لسنوات، وغالباً ما كان هؤلاء الأسرى يُقتلون في نهاية المطاف. هذا وقد تجاوز إجمالي عدد الذين قتلوا في تلك الحرب الأهلية 100,000.

المذابح

تدخلت العديد من الدول، إما بشكل علني (إسرائيل وسوريا) أو سراً (إيران والعراق والأردن ومصر وليبيا)، أو على المستويين أحياناً (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا). أرسلت سوريا قواتها، بموافقة الولايات المتحدة ودول جامعة الدول العربية، على رأس قوة عربية متعددة الجنسيات، والتي لم تتمكن من إنهاء الحرب الأهلية. لكن القوات السورية بقيت بينما رحلت القوات الأخرى. وفي 1978 و 1982، اجتاحت القوات الإسرائيلية البلاد. عام 1982 غض قادة الجيش الإسرائيلي الطرف عندما قامت ميليشيا الكتائب (المارونية) بارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا، وذلك إثر اغتيال “رئيسهم” المنتخب بشير الجميِّل. تم ذبح قرى بأكملها – في بعض الأحيان ليس لسبب آخر إلا لأن أحد رجال السياسة الذي يعد “عدواً” ولد فيها، أو أن عائلته تعيش هناك. فقد ذبح الفلسطينيون والدروز قرى مسيحية، وهاجمت الميليشيات المسيحية المخيمات الفلسطينية (مثل تل الزعتر في أيلول/سبتمبر 1976) وذبحت قرى الدروز والشيعة. كما هوجمت المخيمات الفلسطينية من قبل القوات السورية، ولاحقاً من قبل قوات حركة أمل، خلال ما يسمى بـ “حرب المخيمات”.

مراراً وتكراراً لم تكتفِ القوى الشرق أوسطية والغربية فقط بتسليح المتحاربين (أو محاربتهم)، وإنما أيضاً كانت تحاول جمعهم على طاولة التفاوض من أجل عملية السلام. وعقدت المؤتمرات في كل من بيت الدين (عام 1978)، وجنيف ولوزان (تشرين الثاني/نوفمبر 1983 – آذار/مارس 1984)، بل وتم التوقيع على اتفاق في دمشق (1985) بين المسيحيين والدروز والشيعة، تحت رعاية سوريا. وأخيراً أدي اتفاق الطائف (1989) إلى نهاية الحرب الأهلية في لبنان، ولكن القتال استمر عاماً آخر.

Advertisement
Fanack Water Palestine