وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

جدارية عمرها 2700 عام عندما كانت نينوى أبدع مدن العالم

تتضمن الجداريات مشاهد من معارك وصوراً للأشجار. وتنضم الجداريات الجديدة إلى الجداريات التفصيلية التي اكتُشفت منذ أربعينيات القرن التاسع عشر.

نينوى
صورة تم التقاطها يوم 19 أكتوبر 2022 لعامل عراقي أثناء أعمال التنقيب التي جرت على نقشٍ محفور على الصخور تم العثور عليه في بوابة المسقى، وهي إحدى البوابات الأثرية لمدينة نينوى الآشورية. المصدر: Zaid AL-OBEIDI / AFP.

نشر موقع the Conversation مقالاً سلّط الضوء على اكتشاف جداريات آشورية في شمال العراق وبالتحديد في مدينة نينوى. وفي سياق هذه المقالة، يتناول مارتن ورثينغتون، عالم الآثار في ترينتي كولدج بدبلن، تاريخ مدينة نينوى التي بناها الملك سنحاريب وأصبحت عاصمة الآشوريين.

وشهدت الآونة الأخيرة اكتشاف علماء الآثار لجداريات آشورية يبلغ عمرها 2700 عام. وجاء هذا الاكتشاف أثناء عمل هؤلاء العلماء عند بوابتي المسقى وأدد في الموصل شمالي العراق بعد تدميرهما على يد تنظيم الدولة الإسلامية عام 2016. وتتضمن الجداريات مشاهد من معارك وصوراً للأشجار. وتنضم الجداريات الجديدة إلى الجداريات التفصيلية التي اكتُشفت منذ أربعينيات القرن التاسع عشر وغالبها معروض الآن في المتحف البريطاني. وتعود جميع هذه الجداريات إلى مدينة نينوى القديمة التي كانت في وقتها أبدع مدن العالم.

ثمة دليل على أن مكان الاكتشاف كان مأهولاً عام 3,000 قبل الميلاد، وهي الفترة المعروفة بفترة الأوروك الحديثة. لكن في عهد الملك سنحاريب (705-681 ق.م)، ابن الملك سرجون وجدّ الملك آشور بانيبال، أصبحت نينوى عاصمة آشور والقوة العظمى في ذلك الوقت.

ولم يكن نقل العاصمة أمراً جديداً، فقد كانت آشور العاصمة التقليدية للآشوريين (ومنها اشتق الاسم “آشور”)، لكن في مطلع القرن 800 ق.م، انتقلت العاصمة السياسية إلى مدينة كالح (نمرود). وبعد ذلك، بنى الملك سرجون عاصمة جديدة لنفسه وهي دور شروكين.

وأظهرت هذه الانتقالات سلطة الملوك، مؤكدين تغيّر نظام الحكم. كما أرادوا بها نقل مركز الحكم بعيداً عن عائلات النخب التي تزايد نفوذها مع الزمن.

لكن كانت لهذه التنقلات عواقبها الوخيمة. فقد مات سرجون في ساحة إحدى المعارك ولم يُعثر على جثمانه. وكان لهذه الكارثة الوطنية عامل كبير في إهمال خليفته سنحاريب مدينة والده وإظهار مجده في مكان آخر.

ومن هنا، ترادفت عظمة الآشوريين مع مدينة نينوى. وعندما هزمها تحالف البابليين والميديين عام 612 ق.م وسقطت في أيديهم، لم تسع الفرحة أنبياء بني إسرائيل الذين عانوا تحت حكم الآشوريين.

سقوط نينوى

يحتوى سفر ناحوم في العهد القديم على نبوءة مطوّلة عن سقوط نينوى (رغم كتابته بعد الحدث). أما سفر يونان، فيذكر أن يونان أُرسل إلى المدينة لينذرهم عاقبة فسادهم.

لكن سنحاريب كان يجهل ذلك، إذ كان مشغولاً ببناء مدينة عظيمة وإحاطتها بسور ضخم نراه من السماء حتى اليوم. وإذا توخينا الدقة، فقد سُوّرت المدينة بسورين، سور داخلي وآخر خارجي يحوّطان مساحة تزيد عن سبعة كيلومتر مربع.

وكان لكل سور اسم بالسومرية: “السور المرهب للعدو” و”السور المرعب للشر”. وكانت لهما 18 بوابة ضخمة من بينهم بوابة المسقى وبوابة أدد. وفي أواخر أيام المدينة، نحو 612 ق.م، جرى تضييق هذه البوابات بسرعة حتى يسهل الدفاع عنها. وقد استهدف تنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2014 الأسوار والبوابات لأنها رموز المدينة القديمة التاريخية.

وفي العصور القديمة، غطت معالم المدينة تلال كيونجيك (الاسم مأخوذ من الحقبة العثمانية من الكلمة التركية koyuncuk التي تعني “الحمل”) البالغ ارتفاعها 30 متراً. وكانت موطناً لقصور الآشوريين القدماء ومعابدهم. كما شيّد آشور بانيبال عليها مكتبة الألواح المسمارية التي اكتُشفت بين أربعينيات القرن التاسع عشر وثلاثينيات القرن العشرين. وهي تُعد من أهم المصادر لفهم ثقافة بلاد ما بين النهرين. وهي الآن تضمّ ضريح النبي يونس (حسب رواية المسلمين).

وتتفاخر نقوش سنحاريب على الألواح الطينية بما أنجزه من تجميل المدينة وتزيينها بالحدائق. وترى عالمة الآشوريات ستيفاني دالي في كتابها الصادر عام 2015 “لغز حدائق بابل المعلقة” أن هذه الألواح هي المصادر الحقيقة لأخبار حدائق بابل المعلقة وأن الإغريق خلطوا بين بلاد ما بين النهرين المختلفة.

وكان بإمكان المواطنين الأثرياء وقتها امتلاك حدائق داخل المدينة، علماً بأن جميعها كان يستفيد من نظام الري الذي بناه سنحاريب لتحويل مياه نهر الكومل إلى نهر الخوصر. وهو البناء الوحيد المعروف من هذا النوع من عصور ما قبل الرومان.

وكان يمكن للأساليب البدائية لعمليات التنقيب المبكرة في نينوى، كعمليات المغامر البريطاني أوستن هنري لايارد، أن تكشف عن مناطق شاسعة، لولا أنها ركزت كلّ اهتمامها على المباني الأثرية البارزة. كما كانت عمليات التنقيب هذه أقرب إلى عمليات البحث عن الكنوز دون سجلات تفصيلية، فنتج عنها إتلاف المعلومات القيّمة إلى الأبد.

أما عمليات التنقيب المعاصرة، فهي أحذر وأدق، وهو ما يجعلها أبطأ. وترتب على ذلك بقاء معظم مناطق نينوى دون تنقيب. لا سيما “المدينة السفلية” الواقعة أسفل التلين حيث عاش الناس العاديون. ويقع أغلبها تحت مدينة الموصل الحديثة، فلا نعرف إلا النزر اليسير عنها وما زال هناك كثير يُكتشف.

ولكن المصادر المكتوبة تعطي لمحات عن ازدهار المكان وتطوره. ويقدّر المؤرخ ماريو ليفيراني في كتابه الصادر عام 2013 بعنوان “الشرق الأدنى القديم” عدد سكان المدينة في عهد سنحاريب بما يقارب 100 ألف نسمة.

بالإضافة إلى ذلك، لطالما ركزت نقوش الآشوريين الملكية على جوانب الامبراطورية العنيفة. فعلى سبيل المثال، سجّل آشور بانيبال أنه سلسل متمرد في قلعة نينوى مع دب وكلب (ولحسن الحظ لم يفصّل أكثر من ذلك). لكن مثلما كان العنف موجوداً، كانت هناك الأسواق والاحتفالات والحرفيون والعرافون.

وكانت هذه سمعة المدينة القديمة عندما وجد مكتشفو القرن التاسع عشر بقايا المدن العريقة بالقرب من الموصل التي نعرف اليوم أنها دور شركين وكالح. فنشروا اكتشافاتهم تحت عنوان “آثار نينوى” و”نينوى وبقاياها” ظناً منهم أنها نينوى، ولم تكن هي.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/global في 22 ديسمبر 2022