المقدمة
تحتل أرض العراق إلى حد كبير نفس مكانة نهري دجلة والفرات. ومنذ العصور القديمة أطلق على هذه المنطقة التسمية الإغريقية “بلاد ما بين النهرين”. على مرّ القرون، سيطرت العديد من الحضارات على المنطقة أو كان لها نفوذ عليها، ومن بينها السومرية والآشورية والبابلية والفرس والعرب والأتراك. كانت الزراعة القاعدة الاقتصادية لحضارات بلاد ما بين النهرين الأولى، والتي ساعد الري على ازدهارها، وفي وقت لاحق أصبحت التجارة أيضاً هي المفضّلة بسبب موقع البلاد على مفترق الطرق التجارية.
قبل العصر المسيحي بحوالي عشرة آلاف سنة، تحولت مجتمعات ما بين النهرين من الصيد إلى الزراعة. وساعد على ذلك وفرة المياه والتربة الخصبة. وصلت أقدم حضارات بلاد ما بين النهرين، الحضارة السومرية، إلى ذروتها حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل العصر المسيحي. وبفضل الزراعة الناجحة، تمكنت من تحقيق درجة من التنظيم الاجتماعي أعلى من المجتمعات التي سبقتها، وذلك على شكل سلسلة من الدويلات. وتعتبر مدينتا أور (حيث يقال بأن إبراهيم قد ولد) وأورك أولى المدن في تاريخ البشرية. وكانتا تقعان على ساحل الخليج الفارسي، ولكن نتيجة لانخفاض مستوى البحر، تقعان الآن على بعد 250 كم نحو الداخل وراء الأهوار الواسعة في جنوب العراق. طوّر السومريون الأبجدية الأولى، المسمارية، التي كانت تكتب على ألواح الطين وساعدت الناس على تبادل المعلومات فيما بينهم ونقلت المعرفة والخبرة للأجيال القادمة. وبهذه الطريقة وصلت ملحمة جلجامش إلينا.
الحضارتان البابلية والآشورية
منذ حوالي أربعة آلاف سنة، نشأت الحضارة البابلية من خليط من المملكتين السومرية والأكادية. تقع عاصمتها، بابل، جنوب بغداد، على مقربة من نهر الفرات. تم إنشاء إدارة منظمة تنظيماً جيداً في عهد حمورابي، وتحسين شبكة الطرق لتسهيل هذه الإدارة، الأمر الذي شجّع على التجارة أيضاً. يذكر التاريخ حمورابي بشكل رئيسي كأول حاكم يضع شريعة. كان هدفه خلق نظام قانوني من شأنه مكافحة الشر ومنع هيمنة القوي على الضعيف.
بعد حوالي 800 سنة من انحطاط مملكة حمورابي، ازدهرت الحضارة البابلية مرة ثانية عندما بسط الحكام البابليون سيطرتهم على بلاد ما وراء النهرين. وفي عهد الملك نبوخذ نصر الثاني، نمت العاصمة بابل لتصبح مدينة يسكنها مئة ألف نسمة. كان من بين المباني العديدة القصر الملكي بحدائقه المعلقة الأسطورية، والتي أحصيت كواحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم.
حوالي عام 1400 قبل الميلاد، انحطت مملكة حمورابي وخلفتها الإمبراطورية الآشورية التي كانت قوية عسكرياً واستمرت مدة 800 عام. كان للإمبراطورية الآشورية، التي امتدت مرة أخرى إلى ما وراء بلاد ما بين النهرين، عواصم عدة خلال تاريخها: آشور ونمرود ونينوى، وجميعها كانت تقع على مقربة من نهر دجلة قرب مدينة الموصل حالياً.
الفرس والإغريق والعرب
أعقب سقوط الإمبراطورية الآشورية نحو ألف سنة من سيطرة الفرس والبيزنطيين. كان من بين مساهماتهم المدن التي بنيت على الطراز البيزنطي – الروماني والفارسي، مثل الحضر وقطسيفون. وأخيراً سقطت بلاد ما بين النهرين في أيدي الفاتحين العرب عام 632 م. وبعد ذلك، وحتى عام 1920، كانت جزءً من الأنظمة السياسية التركية والعربية المتعاقبة.
ازدهرت العمارة والعلوم في المنطقة ولاسيما في ظل الخلافة العباسية (750-1258م)، وكانت بغداد مركز العالم. ولم يتبقّ من بغداد الشهيرة تلك سوى القليل اليوم. لا يمكن مقارنة بغداد، من حيث الجمال الحضري، مع القدس أو القاهرة أو دمشق.
المتحف الوطني
في بداية القرن التاسع عشر، بحث علماء الآثار الغربيون عن بقايا الحضارات السومرية والبابلية والآشورية وغيرها من الحضارات الأخرى. وكما كانت العادة في ذلك الزمن، انتهى المطاف بالكثير من القطع الأثرية التي تم اكتشافها في المتاحف الغربية، بشكل خاص في لندن وبرلين. وتم وضع ما تم اكتشافه لاحقاً في المتحف الوطني العراقي في بغداد الذي اشتهر عالمياً لاحتوائه على أكثر من 170,000 قطعة أثرية. لكن في الأسابيع الثلاثة الأولى من الفوضى التي حلت بعد سقوط نظام صدام حسين، اقتحم ناهبون ولصوص المتحف وسرقوا الكثير من القطع الأثرية – ذكرت تقارير بأن بعضهم يعملون لصالح عصابات القطع الأثرية الدولية. و مما أثار غضب العديد من العراقيين والمجتمع الدولي للآثار ، أن قوات الاحتلال الأمريكية لم تفعل شيئًا لوقف الكارثة.
تمت سرقة ما يقدر بـ 15,000 قطعة؛ والقطع التي لم يتمكنوا من أخذها تضررت بشكل غير قابل للإصلاح. وبعد مناشدات من جهات مختلفة، بما في ذلك السلطات الدينية، تم إعادة أو إيجاد ثلثي القطع المفقودة. ولم يتم أبداً العثور على عدد من أهم القطع، رغم الجهود التي بذلتها منظمة اليونسكو والانتربول ومكتب التحقيقات الفدرالي FBI.