أدى تدهور الوضع الاقتصادي في تونس بعد ثورة 2011 إلى تثبيط تطور سوقٍ أدبي نابضٍ بالحياة، فبعد سقوط الديكتاتور زين العابدين بن علي، لم تعد الرقابة الشديدة ما تُشجع المؤلفين على نشر مؤلفاتهم في مكانٍ آخر، بل الانخفاض السريع في القوة الشرائية للتونسيين.
“يدرك العديد من المؤلفين أن إنفاق ما بين 30 و65 ديناراً تونسياً [10,45 دولار و22,62 دولار] للكتاب الواحد بالنسبة للمواطن التونسي العادي براتب شهري يصل إلى حوالي 600 دينار، تكلفة لا يستطيع تحمّلها،” بحسب ما قاله لطفي الجلولي من مكتبة “المكتبة” في العاصمة تونس لفَنَك. ونتيجةً لذلك، اختار كتاب رفيعو المستوى مثل فوزية الزواري، مؤلفة رواية جسد أمي (Le corps de ma mère) الحائزة على جائزة، وحبيب السالمي، نشر كتبهم في فرنسا ولبنان على التوالي.
وقال الجلولي “لدى الناشرين التونسيين ميزانية محدودة للغاية لخدمات تسويق الكتب،” وتابع، “يجد المؤلفون الذين ينشرون من خلال ناشرين تونسيين طرقاً جديدة للاستفادة من السوق والوصول إلى المزيد من القراء. نحن نرى عدداً متزايداً من أندية القراءة التي تنمو بشكل أساسي عبر الفيسبوك.”
ومع ذلك، لا يزال السوق مقيداً. “تعتبر الكتب مواد مدرسية، التي سرعان ما تُنسى بمجرد انتهاء فترة المدرسة،” قالت سلمى جباس، مالكة مكتبة الكتاب، في مقابلةٍ مع ActuaLitté. وأضافت “يقتصر عملاؤنا على المثقفين الذين يحبون الكتب. لطالما اعتبر الكتاب منتجاً خطيراً وقد عانى من الرقابة لمدة 50 عاماً.”
ووفقاً للأرقام الصادرة عن وزارة الشؤون الثقافية، فإن التونسيين يقرأون ما معدله 0,58 كتاب في المتوسط سنوياً، مقارنة بـ35 كتاب في أوروبا سنوياً. بيد أنه لا يعتبر الاقتصاد السبب الوحيد لهذا الرقم المنخفض، إذ قال الياس ربحي، رئيس قسم القراءة العامة بالوزارة ان الكتب فقدت دورها أمام السينما والمساجد والنوادي الرياضية كوسيلةٍ لقضاء وقت الفراغ.
بعد انتهاء الرقابة بعد عام 2011، أصبحت الكتب التي تم حظرها سابقاً الكتب المفضلة على الفور. فقد تم الإفتراض أنه بسبب التغيرات السياسية والاجتماعية السريعة، أصبح التونسيون مهتمون بشكلٍ متزايد بتاريخهم المهمل وعلم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس.
من جهةٍ أخرى، تعدّ أوقات التغيير والاضطرابات مشوقةً لأي كاتب، فقد كان السياسيون السابقون وعلماء الاجتماع وعلماء السياسة حريصين جميعاً على توثيق وشرح ما يسمى بـ “الاستثناء التونسي” ذلك أن بلداناً أخرى في المنطقة انحدرت إلى العنف. كما وفر الدين والتاريخ المعاصر والشخصيات التاريخية مصدراً غنياً للإلهام، وتم نشر العديد من الكتب عن الحبيب بورقيبة (1903-2000)، أول رئيس بعد الاستقلال عن فرنسا والشخصية الرمزية للغاية. كما ظهر كتاب النساء والإرهاب، الذي نُشر في عام 2017، ككتاب يجب قراءته للأشخاص المهتمين بالجندرية والإرهاب في تونس ما بعد الثورة.
كما يمكن القول إن الكتاب الشباب استفادوا أكثر من حرية التعبير الجديدة، إذ أنهم تطرقوا لموضوعاتٍ محرمة سابقاً مثل الشذوذ الجنسي، والحياة الجنسية للأنثى، وكراهية النساء والتاريخ المهمّل. فقد نشر أيمن الدبوسي (1982) كتابين مثيرين للجدل حتى الآن. يستكشف كتابه الأول “انتصاب أسود” (2015) التجارب الجنسية لمجموعة شباب في تونس ما بعد الثورة. والثاني أخبار الرازي (2017)، وهو سرد ملهم للرعاية النفسية المقدمة في مستشفى الرازي في تونس.
بينما كتبت خولة حمدي (1984)، إحدى معاصرات الدبوسي، رواية في قلبي أنثى عبرية، أكثر الكتب مبيعاً في عام 2012، عن فتاة يتيمة مسلمة أخذتها عائلة يهودية في جزيرة جربة التونسية. تم قراءة الكتاب على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم الناطق بالعربية، فضلاً عن ترجمته إلى اللغة الفارسية وتحويله إلى عملٍ درامي.
من الواضح أنه لا يوجد نقصٌ في القصص الآسرة لإلهام الكتاب التونسيين، إلا أن قدرتهم على إلهام التونسيين دفع الأموال لشراء هذه الكتب أقل وضوحاً.