وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

يافا في مواجهة صبرا في معركة المحو الثقافي والسياسي

يافا في مواجهة صبرا
يافا. المصدر: Instagram/خطيرة

دانا حوراني

أعاد فيلم “كابتن أمريكا: النظام العالمي الجديد”، الذي ستصدره شركة مارفل عام 2024، بعد ما يربو على أربعين عامًا، الحياة إلى “صبرا” عميلة الموساد الإسرائيلية والبطلة الخارقة في مجلة القصص المصورة مارفل عام 1981، المرتدية بدلة بلونيْ علم إسرائيل وتبرز نجمة داوود على صدرها.

وبعد إعلان مارفل المثير للجدل يوم 10 سبتمبر الماضي ضمن فعاليات مهرجان ديزني دي 23 إكسبو، ظهرت نماذج من المجلة المصورة في الثمانينات على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن هذه النماذج صورة البطلة الخارقة وبجوارها جثة طفل فلسطيني وإلى جانبها تعليق يقول: “لقد احتاجت إلى ‘هالك’ حتى ترى أن هذا الطفل العربي إنسان. لقد احتاجت إلى وحش يوقظ إنسانيتها”.

لذلك لجأ الفلسطينيون الذي تعرّضوا لسنوات لظلم الصورة النمطية الخاطئة، والقولبة العنصرية وغيرهم من المعلقين على الإنترنت إلى إظهار استيائهم وغضبهم من ترسيخ التحيز السياسي والخطاب العدائي في قصة تلك الشخصية.

وقالت أماندا أبو عبد الله، صانعة الأفلام وإحدى مؤسسات المنصة النسوية “خطيرة”، لفنك: “هذا تمجيد سافر للعنف ونزع لإنسانية الفلسطينيين والعرب بشكل عام. كان يمكن أن نعذر مارفل في الثمانينيات بحجة جهلها، لكن لا أعذار في عام 2022. إنه اعتداء وعنصرية وسيؤديان إلى مزيد من العنف ضد العرب”.

ولهذا السبب أطلق فريق خطيرة شخصية “يافا”، وهي بطلة فلسطينية خارقة، تتزعم مواجهة اعتداء مارفل الثقافي.

أين الخطأ؟

اسم صبرا مشتق من اسم يهودي وهو من يُولد في إسرائيل، ويعني الصبر (التين الشوكي) باللغة العبرية. لكن “صبرا” أيضًا اسم المذبحة المروّعة التي قامت بها الميليشيا المسيحية اليمينية اللبنانية في مخيم صبرا وشاتيلا تحت سمع وبصر وحماية القوات الإسرائيلية إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

وتُحيى ذكرى المذبحة التي راح ضحيتها بحسب التقديرات ثلاثة آلاف قتيل خلال ثلاثة أيام متواصلة يوم 16 سبتمبر من كل عام. ومما زاد الطين بلة أن ذكراها هذا العام قد جاءت بعد أيام من إعلان مارفل.

أما صبرا بطلة مارفل التي تجسد شخصيتها الممثلة الأمريكية شيرا هاس، فتكنّ كراهية شديدة للعرب بعد مقتل ابنها في هجوم لمنظمة التحرير الفلسطينية. وتظهر دائمًا في صراع مع “الفارس العربي” البطل الخارق الحقود الذي يرتدي عمامة ويتسلح بسيف وحيد. وكان دائمًا غاضبًا ومعاديًا للنساء والسامية، لكنه تحوّل إلى شخصية دبلوماسية ومتفهمة بعد لقائها.

ويرى وليد مهدي، مؤلف كتاب “الأمريكيون العرب في الأفلام: من الصور النمطية لهوليوود والسينما المصرية إلى التمثيل الذاتي”، أن نموذج الدعاية الأمريكية والإسرائيلية يتمثل في تصوير تحالفهم هو جيش الخير الذي يواجه “شر” العرب و”عنفهم” منذ الستينيات.

كما قالت كريستينا عتيق، الفنانة والمصممة في منصة “خطيرة”، لفنك: “رغم الإحباط الذي أثاره الإعلان عن “صبرا” فهو ليس بصادم؛ فالمجلات المصورة الأمريكية مليئة بالدعاية التي تروّج للأفكار القومية على حساب الدول الأخرى. وقد يعزز هذا نمو القوالب النمطية عن الدول غير الحليفة للولايات المتحدة”.

كما أشارت نايرة أنطون، الكاتبة في المنصة التعليمية والموقع الإخباري الفلسطيني الانتفاضة الإلكترونية، في إعادتها فيلم “فالس مع بشير” أن قصة الفيلم تُظهر صورة ظالمة للتجربة الفلسطينية مقارنة بالإسرائيلية. فالفيلم يُظهر سعي المخرج الإسرائيلي إلى ترميم الذاكرة المفقودة عن صبرا وشاتيلا، لكنه يطمس قصص الضحايا الفلسطينيين.

وقالت في إعادتها الفيلم: “نجد تعابير وجهنا تتغير بين التجهم والدهشة ونحن نرى المصائب والمحن التي عاشها الجنود الإسرائيليّون الشباب وبقيت تؤلمهم بعد أن كبروا. لكننا لا نرى أيّة تعابير على الوجوه الفلسطينية. فقد ظهروا إما موتى أو مجهولين. ففي الفيلم لا نرى الفلسطينيين أناسًا مكتملين، على عكس الإسرائيليين الذين يُظهر الفيلم طبيعتهم الإنسانية”.

كما علّقت أبو عبد الله على الفيلم قائلةً: “نجد أبطال القصة الإسرائيليين تتفكر وتتطور شخصياتها، لذلك يظهرون بشخصية جديدة في النهاية. أما الفلسطينيون، فهم منزوعو الإنسانية ومعزولون”.

يافا: بطلة فلسطين الخارقة

أشارت عتيق إلى دأب الإنتاج الغربي على إظهار المرأة العربية في صورة الكائنات الضعيفة، غير المحصّنة جنسيًا والتي تحتاج إلى البطل الذكر، الذي غالبًا ما يكون غربيًا، لحمايتهن من البيئة المستبدة. أما يافا، فقد وُجدت لتحمي وتدافع وتحطم صورة المرأة العربية الضعيفة المحتاجة إلى المساعدة.

ولطالما تعرضت القضية الفلسطينية للتشويه في الإعلام الغربي الإخباري والترفيهي. لكن في خطوة غير مسبوقة نجح مسلسل “مو” من إنتاج نتفلكس في عرض تجربة الشتات الفلسطيني على الشاشة الصغيرة للجمهور الغربي.

لكن في حالة المجلات المصورة، اكتشفت أبو عبد الله أن الأبطال عادة ما يُستوردون من الغرب، ولم يصدّرهم الشرق الأوسط قط.

وأضافت أبو عبد الله في حديثها لفنك: “لذلك أنتجنا شخصية يافا. فلا نريد أن نكون مجرد متفرجين في هذه الحرب الثقافية التي تمحو تواريخنا وأممنا من السردية السائدة. وأردنا أن يكون لنا دور فعال ونتصدر الصفوف في هذه المعركة”.

ويتكون فريق “خطيرة” من ست نساء من خلفيات مختلفة في الشرق الأوسط، ويواجه إنتاجهن التمييز الجنسي المتفشي، ويسعى إلى تغيير مفاهيم الناس عن المساواة الجندرية والمعايير الاجتماعية. وقد أشارت أبو عبد الله إلى أن شخصية يافا مستوحاة من مواجهة المرأة في الشرق الأوسط الاضطهاد والمحو الثقافي.

وأكدت عتيق أنهن صممن البطلة الخارقة بشكل يُظهر تجانسًا كبيرًا مع فلسطين. فتظهر صورتها على الإنستغرام ببشرة زيتونية وشعرًا مجعدًا وعينين بنّيتين، وترتدي زِيًّا فلسطينيًا تقليديًا، وتحمل أغصان زيتون في يدها، حيثُ تقول أبو عبد الله أنها تمنحها قوة حفر الأنفاق والهروب من الحواجز الإسرائيلية.

وأضافت عتيق: “أردناها ممثلة لنا، فقد اعتدنا على ملامح الغرب ورؤيته وطريقته في السرد حتى كبرنا على كراهية هوياتنا والخجل منها”.

بدء المعركة

قالت أبو عبد الله إن يافا وُلدت يتيمة بعد مقتل أمها أثناء ولادتها على يد “غبرة”. عدوتها المجندة في جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تمثّل اعتداءات القوات الإسرائيلية على أرض الواقع.

فقد ذكر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في تقرير له أنه: “منذ بداية العام، أسفرت اعتداءات قوات الاحتلال عن مقتل 111 مواطنَا، بينهم 80 مدنيًا منهم 24 طفلًا و8 نساء، ومواطنان قتلهما مستوطنون، والبقية ناشطون، منهم 15 قضوا في عمليات اغتيال”.

أما الخلفية المأساوية لشخصية يافا فتقول عنها أبو عبد الله: “تشيع البدايات الدرامية في القصص المصورة لأن نموذج الأبطال الخارقين ينطوي على ثأر قديم، وعدو لدود تجب هزيمته”.

وأكدت على بقاء يافا في الجانب الدفاعي، فهي لا تهاجم إلا من يهدد أرضها وشعبها.

وقد لاحظت عتيق وأبو عبد الله أن هيمنة القصص اليابانية أو المانغا وقصص الأبطال الخارقين الأمريكية، على سوق القصص المصورة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اليوم، أظهرت بوضوح ضعف القصص النابعة من المنطقة.

وقالت أبو عبد الله: “بمجرد إعلاننا عن يافا، أفاض علينا الأباء في وسائل التواصل الاجتماعي بسيل من المقاطع المصورة لأبنائهم، لا سيما الفتيات اللاتي أبهجهن وجود نموذج يُحتذى به يعزز قيم المنطقة ورموزها”.

عصية على الإسكات

تلفت عتيق الانتباه إلى أن يافا بتجذرها في أرضها تتحدى القواعد التي تفرضها حكومات المنطقة لتجريد المرأة من حقوقها وتقويض دورها في التغيير الاجتماعي.

وقالت: “تتميز القصص المصورة بأنها وسيلة تناسب جميع الأعمار. وسنظهر لمارفل أننا أرباب حكاياتنا. ونحن على أمل أن يشعر الناس في المنطقة بأنهم مقدرون وصوتهم مسموع عندما يرون حكاياتهم تتجاوز عدسة علاء الدين المشوهة وغيرها من المنتجات الإشكالية”.

بدورها صرّحت مارفل في بيان أصدرته مؤخرًا لموقع فاريتي: “نحن نستقي شخصياتنا وقصصنا من القصص المصورة ونعيد تصورها وتقديمها لجمهور اليوم. ولذلك يسلك صناع الفيلم طريقًا جديدًا في عرض شخصية صبرا التي ظهرت للمرة الأولى في القصص المصورة منذ أكثر من 40 عامًا”.

لكن رغم غموض القصة الجديدة، تخشى أبو عبد الله أن تعزز رواية إسرائيل التي تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وتتغافل عن عرض معاناتهم.

وقالت: “لا تقتصر المقاومة على السلاح. إذ يمكننا أن نقاوم ثقافيًا ونظهر لهم أننا لن نترك الساحة الرقمية. فنحن ما زلنا هنا، وتستحق حكاياتنا الانتباه والاعتراف”.

ولم تحدد منصة “خطيرة” موعد إطلاق القصة المصورة بعد، لكنهم يأملون أن يحرزوا تقدمًا خلال شهر. وفي كل الأحوال، يهدف الفريق إلى تحويل القصة المصورة إلى كتاب، وقد يحولونها إلى فيلم كذلك في المستقبل.