“المنتجات متوفرة، لكن لا يوجد مال،” هذا ما قاله أستاذٌ جامعي في عدن. “المتاجر مفتوحة ولكن البضائع باهظة الثمن جداً،” تقول إحدى المعلمات من مدينة صنعاء. لتتمكن من إطعام أطفالها الثلاث، يتوجب عليها التوقف عن دفع الإيجار و”طهي كمية قليلة جداً من الطعام.”
الوضع الإنساني في اليمن في مارس 2016 سيء، بعد مرور قرابة العام على الحرب التي يشنها التحالف السعودي ضد جماعة المتمردين الحوثيين الشيعة وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح. كما تدعي بعض المنظمات أنّ البلاد على حافة مجاعة، حيث أن 80% من السكان بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية. ومن الصعب الجزم بصحة الأرقام، ولكن دون أدنى شك البلاد باتت في مكانٍ مُعتم.
قد يكون الطعام متوفراً، ولكن لا يستطيع الناس شراؤه ذلك أنّ الأسعار ارتفعت عدة مرات، في حين خسر الموظفون وظائفهم أو لا تملك الشركات المال لدفع الرواتب، مالٌ كان بالكاد يكفي قبل إندلاع الحرب لتدبر الأمور.
يقول البعض أن السبب في ذلك هو الحصار البحري والبري والجوي الذي تفرضه قوات التحالف بقيادة السعودية. يهدف هذا الحصار إلى منع وصول الأسلحة للحوثيين، إلا أنه أيضاً منع دخول الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى البلاد. ولكن، هذا لا يُفسر سبب توفر بعض الأطعمة، لذا لا بد أن هناك أكثر مما عليه الأمور على أرض الواقع.
فبمجرد تفريغ حمولة الشحنات، الذي يتم عادةً بعد تأخيرٍ طويل، لا بد أن تصل إلى المدن والقرى. “الاستهداف المستمر للمرافق الإنسانية وتحويل مسار المواد الإغاثية من قِبل الجماعات المسلحة، منع العمليات الإنسانية بشكلٍ أكبر،” تقول إحدى منظمات الإغاثة.
ينطبق ذات الأمر على السلع المنتجة محلياً مثل الأسماك، والفاكهة، والخضراوات. فقد زادت شركات النقل أيضاً من أسعارها بشكلٍ كبير، ولا يعود ذلك بسبب ارتفاع أسعار الوقود فقط، ولكن بسبب حاجتها أيضاً إلى المزيد من المال لدرء المخاطر الأمنية التي قد يواجهونها، وربما أيضاً، ولكن ليس آخراً، لأنهم يرون في الأوضاع الراهنة فرصة عمل.
فضلاً عن ذلك، يرى الحوثيون أيضاً في الأوضاع الراهنة فرصة عمل، فهم متهمون على نطاقٍ واسع بفرض “ضريبة المجهود الحربي،” على الخدمات والسلع. ووفقاً لأحد المحللين السياسين في صنعاء “إنها ضريبة غير شرعية، معظمها إبتزاز. يرجع تحديد المبلغ الذي يفرضونه للقادة الميدانيين. فهذا غش وفساد لملء جيوب القادة الحوثيين.”
لذلك، إذا ما وصلت السلع إلى السوق السوداء، ترتفع أسعارها بما لا يقل عن الضعف، وغالباً ما ترتفع أكثر من ذلك بكثير. يستطيع اليمنيون من الطبقة المتوسطة مثل الاستاذ الجامعي من عدن والمعلمة في صنعاء تدبر أمرهم، ولكن البعض الآخر لا يستطيعون ذلك. ويضيف المحلل السياسي “انضم عمّال المياومة وأسرهم إلى صفوف من يتضورون جوعاً.”
وهناك أيضاً حالات لا تصل فيها السلع للناس على الإطلاق، تماماً كما هو الحال في تعز، ثالث أكبر المدن اليمنية. فقد كانت تعز، حتى بداية مارس 2016، تحت السيطرة الفعلية للحوثيين. كانوا يُسيطرون على مداخل المدينة وحاولوا “إخراج” المقاومة منها، وهي خليطٌ من المقاتلين الذين يرفضون سيطرة الحوثيين.
من المشاكل الأخرى أيضاً عدم وجود الرعاية الصحية، بسبب نقص الأدوية، سواء بسبب الحرب أم لا، والأهم من ذلك نقص الوقود. فلا يمكن لأي شخصٍ ينتهي به الأمر في أحد مشافي اليمن هذه الأيام ضمان توفر أي علاج. يعتمد الأمر اعتماداً كلياً على توافر الكهرباء.
سبب مشكلة الوقود هي النقص أو التخريب أو الفساد. فقد توقف إنتاج النفط المحلي الضئيل أصلاً بسبب تدمير خطوط الأنابيب وغيرها من البُنى التحتية، فضلاً عن قصف المصفاة في عدن من قِبل الحوثيين، ويبدو أنّ الشحنات “المجانية” التي تصل من السعوديين تجد غالباً طريقها إلى السوق السوداء.
ولكن ربما أكبر مشاكل اليمن الإنسانية ليست الحرب، أو على الأقل، ليس الحرب فقط: بل حقيقة أن، الكثير من سكان اليمن، قبل الحرب، كانوا بالفعل يعتاشون على المساعدات الإنسانية، وبخاصة في المناطق النائية الفقيرة، بعيداً عن المدن، حيث لا تزرع أي أنواعٍ من المحاصيل، أو حيث كان يتم زراعة بعض المحاصيل منذ بضعة عقود ولكن لم يعد الحال كذلك اليوم، ذلك أنّ المحاصيل النقدية استبدلت بزراعة القات، النبات المخدر الذي يُدمن عليه غالبية الشعب. يستهلك القات غالبية رواتب اليمنيين، والموارد المائية، والأراضي الخصبة في البلاد.
في زمن الحرب، قد يكون القات مفيداً للجنود، حيث التقطت العديد من الصور لجنودٍ يخزنون القات في أفواههم، والمواطنين على حد سواء. ويقول أحد المواطنين “اتركوا الناس يمضغون القات، لا تصعبوا الأمور عليهم أكثر من ذلك.” ومع ذلك، قد يتساءل المرء، ألن تكون البلاد في حالٍ أفضل في زمن الحرب إن استفادت من المزيد من الأطعمة التي تعود عليها بالفائدة من أراضيها.
ومع ذلك، لم تكن التنمية الاقتصادية، وتنظيم النسل، والتعليم، والقضاء على القات في العقود الأخيرة من أولويات قادة البلاد. فقد كانوا مشغولين بالحفاظ على السلام أو شن الحرب، أو كليهما. وعلى الرغم من أنه غالباً ما يُشار إليه باليمن السعيد، إلا أن اليمن بعيدٌ كل البعد عن السعادة منذ فترةٍ طويلة.
فعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، شهد اليمن حربين أهليتين (من عام 1962 إلى عام 1970، وفي عام 1994)، وعدد لا يُحصى من المناوشات الدامية بين جماعاتٍ هم أعداء اليوم وحلفاء الغد، وربيعٌ عربيٌ فاشل. فأجراس الكارثة الإنسانية تدق منذ ذلك الحين، والحرب الراهنة جعلت صوت الأجراس أكثر علواً.