وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

استمرار عدم استقرار الاقتصاد الليبي في ظل الإنقسامات السياسية وإغلاق حقول النفط

Libya-economy-libyan-bank
ليبيون ينتظرون دخول بنك في العاصمة طرابلس بعد تدهور الأوضاع المعيشية من خلال مزيج من إنعدام الأمن وانقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه، ليبيا، 14 فبراير 2017. Photo MAHMUD TURKIA / AFP

ألقت ست سنواتٍ من الاضطرابات السياسية في ليبيا بظلالها على اقتصاد دولة شمال افريقيا الغنية بالنفط. فقد إنهار إنتاج وتصدير النفط الذي تعتمد عليه البلاد منذ اندلاع الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي عام 2011، ثم انتشرت إلى قتالٍ بين الفصائل المتناحرة. ويوجد في البلاد اليوم ثلاث حكومات تتنافس على السلطة: المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس وبرلمانين متنافسين، أحدهما في طرابلس والآخر في مدينة طبرق الشرقية.

كما يوجد لدى البنك المركزي فروع منافسة في طرابلس وواحد في الشرق. ومن الناحية العملية، يدير فرع طرابلس معظم عمليات البنك، إلا أن ذلك لم يمنع الفرع الشرقي من إطلاق مبادراته الخاصة، بما في ذلك طباعة أمواله الخاصة في مايو 2016 بعد أن اشتكى من عدم كفاية المبالغ النقدية من الفرع الغربي. كما أن الفرع الذي يتخذ من طرابلس مقراً له وقع في خلافاتٍ مع المجلس الرئاسي حول بعض القضايا السياسية الرئيسية، بما في ذلك ما اذا كان سيتم تخفيض قيمة الدينار وكذلك رفض البنك تسليم الأموال للحكومة.

وفي الوقت نفسه، ارتفع التضخم بسرعة، وباتت المصارف تعاني نقصاً شديداً في العملة، لأن الكثيرين من الليبيين نقلوا أموالهم إلى أماكن أخرى، بسبب قلقهم إزاء تفشي الجريمة وانعدام الأمن.

ووفقاً للبنك المركزي في طرابلس، يشكل النفط الخام ما نسبته 96% من إجمالي صادرات البلاد، مما يجعل الاقتصاد “معرضاً للصدمات في أسواق النفط الخام الدولية.” وبالإضافة إلى انقطاع الإنتاج بسبب المشاكل الأمنية، تأثر قطاع النفط بتراجع أسعار النفط الخام على مستوى العالم.

وقبل عام 2011، كانت البلاد تنتج 1,6 مليون برميل من النفط يومياً وتصدّرها إلى الصين وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا وتركيا وغيرها من الدول. وخلافاً لذلك، في عام 2016، لم تضخ البلاد سوى 400 ألف برميل يومياً، وفقاً للبنك المركزي. وانخفضت عائدات النفط الخام في البلاد من 53,3 مليار دولار في عام 2012 إلى 4,8 مليار دولار في عام 2016.

وأشارت فيديريكا سيني فاسانوتي من معهد بروكينغز إلى أن “الانخفاض الحاد يرجع إلى اشتداد القتال خلال وبعد الثورة، عندما تسببت الفصائل والميليشيات المتناحرة في أضرار جسيمة للبنية التحتية للنفط [و] لم تسفر سوى عن تعطيل إنتاج النفط وتصديره. كما تعرضت مرافق الغاز الطبيعي في ليبيا لنفس المصير.”

ونتيجةً للهبوط الكبير في إنتاج النفط، انخفض إجمالي الناتج المحلي في ليبيا بين عامي 2012 و2016 من 84,7 مليار دولار في عام 2012 إلى 16 مليار دولار في عام 2016، في حين ارتفعت معدلات التضخم من 15,9% إلى 25,9%. ويعني ارتفاع التضخم أن الليبيين الذين يفتقرون إلى المال يجب أن يدفعوا المزيد للحصول على السلع والخدمات.

كما تقلص اقتصاد البلاد بنسبة 2,5% في عام 2016، ووفقاً للبنك الدولي، وانخفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى أقل من نصف مستوى ما قبل الثورة. ويبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار الواحد 1,4 دينار ليبي، ولكن على أرض الواقع، يصل إلى أكثر من 8 دينار للدولار في السوق السوداء.

يتيح هذا الفرق مجالاً للاستغلال. فعلى سبيل المثال، يُصرّف بعض المستغلين الدولار في الخارج بالسعر الرسمي ثم يبيعونه في السوق السوداء بمعدل التضخم. ويقوم آخرون بتنفيذ مخططات احتيال عن طريق الحصول على كتب اعتماد مالي لاستيراد البضائع إلى ليبيا، ثم جلب سلع أقل مما هو متفق عليه – أو في بعض الحالات لا يتم جلب أي منها- وغسل الأموال في الخارج أو بيعها في السوق السوداء لتحقيق الربح.

وكتب جاسون باك، المدير التنفيذي لجمعية الأعمال الأمريكية الليبية، مؤخراً “إذا ما تعرض الليبيون للصدمة بدايةً عندما أصبح الدولار يساوي دينارين، فإنهم في هذه المرحل أصبحوا مخدرين.”

وبسبب افتقار الليبيين إلى الثقة بعملتهم المحلية، قال: “إذا ما تم إهمال ليبيا، قد تصبح مثل اقتصادات أمريكا اللاتينية المختلفة حيث يتم تسعير أسعار المساكن والسيارات وتدفع فقط بالدولار، فضلاً عن مواطن الضعف الكبيرة التي سيعاني منها مجمل الاقتصاد باختفاء العملة الوطنية باعتبارها الوسيلة الرئيسية للتجارة.”

ويناقش مسؤولون في البنك المركزي في طرابلس والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ما إذا كان سيتم تخفيض قيمة الدينار لتضييق الفرق بين سعر السوق الرسمي والسوق السوداء، وخفض العجز وجلب المزيد من الأموال إلى المصارف. ويؤيد المجلس الرئاسي تخفيض قيمة العملة، ولكن البنك المركزي يرفض الأمر حتى الآن. ومن المرجح أن يكون تخفيض قيمة العملة غير محبب لأنه سيزيد من تكلفة الواردات ويخفض قيمة الأموال التي يمتلكها الليبيون الآن.

وفي الوقت نفسه، تعاني البنوك من أزمة في السيولة التي تعني أن العديد من المواطنين الليبيين غير قادرين على سحب أموالهم، وغالباً ما يكون أصحاب العمل غير قادرين على دفع رواتب موظفيهم.

وقال البنك المركزي أن الأزمة جاءت نتيجة “الانقسام السياسي وتدهور الوضع الأمني بنهاية عام 2014 وعدم قدرة مؤسسات الأمن الحكومية على فرض سيطرتها على الوضع الأمني.” وبسبب انتشار سرقة المصارف، وعمليات الاختطاف وغيرها من الجرائم، يخشى الناس إيداع أموالهم في البنوك.

وقد اتخذ البنك المركزي خطواتٍ لتعزيز استخدام وسائل الدفع الإلكترونية لتشجيع الناس على عدم أخذ أموالهم نقداً، إلا أنه أشار إلى أن “الحل الرئيسي لهذه المشكلة يكمن في الاستقرار السياسي والانضباط المالي وتوحيد المؤسسات السيادية واستقرار الوضع الأمني في البلاد.”

وتحدثت صحيفة واشنطن بوست مع أحد الرجال الذي اضطر إلى الاصطفاف في البنك على مدى 32 يوماً في محاولة لسحب 60 دولاراً. وقال موظف في إحدى شركات الطيران، واسمه عبد بن ناجي للصحيفة “كل يوم، يزداد مستقبلنا قتامة.” وعلى الأقل، قد قام أحد الليبيين بتدشين عملٍ قائمٍ على الطوابير اللانهاية لها خارج البنوك. أحمد البي يعرض أن يقف في طابور العملاء بتكلفة 50 ديناراً، وعندما يقترب من مقدمة الطابور، يتصل بالعميل، الذي يأتي بعد ذلك ويأخذ مكانه.

وفي الوقت نفسه، ذكرت صحيفة بوست أن بعض الليبيين الذين يملكون الوسائل للقيام بذلك يشترون منتجاتٍ مثل السيارات الفارهة وثم يرسلونها إلى خارج البلاد كوسيلة لحماية أموالهم، بدلاً من الاحتفاظ بها في البنوك.

وقد شهد القطاع النفطي بعض الأخبار التي تبعث على الأمل في عام 2017، وبدأ الإنتاج يرتفع مرة أخرى، نتيجة لفترة من الهدوء النسبي سمحت بإعادة بناء بعض البنى التحتية. كما اعفيت ليبيا من اتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) لخفض انتاج النفط خلال الاشهر الستة الاولى من عام 2017 في اطار اتفاقٍ مع روسيا والدول غير الأعضاء الأخرى لتحقيق الاستقرار في الاسعار. وبحلول يوليو 2017، كانت ليبيا تضخ نحو مليون برميل يومياً، أي أكثر من ضعف الإنتاج خلال معظم العام السابق.

إلا أن الزيادة في الإنتاج أعقبتها المزيد من الاضطرابات. ويُذكر أن أكبر حقل نفط فى البلاد، الشرارة، قد أغلق فى اغسطس 2017 بسبب الحصار المفروض على خط الأنابيب من جانب إحدى الجماعات المسلحة. وادعت الجماعة أنها جزء من حرس المنشآت النفطية الذي أنشىء لحماية حقول النفط وقالوا انهم يطالبون بمزيد من الموارد لمنطقتهم في الزنتان في غرب ليبيا، إلا أن المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا قالت في بيانٍ لها أن رئيس حرس المنشآت النفطية نفى أي علاقةٍ لهم بالمجموعة، ووصفها بأنها “ميليشيات مارقة.”

وكان الحصار هو الاحدث في سلسلة الاغلاقات التي قامت بها الجماعات المسلحة واحتجاج العاملين في حقول النفط منذ اعادة فتح المنشأة في ديسمبر 2016 بعد اغلاقٍ دام عامين. وأعقب هذا الإغلاق أيضاً إغلاق حقلين آخرين هما الفيل والحمادة، بسبب الحصار من قبل نفس المجموعة. وقالت المؤسسة الوطنية للنفط أن عمليات الإغلاق تسببت بخسارة 360 ألف برميل يومياً وحوالي 160 مليون دولار من الإنتاج المفقود.