وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

انخفاض أسعار النفط: نهاية حقبة اشتراكية الخمس نجوم على الطراز الخليجي؟

تجمع الدولة عائدات النفط وتسلمها للشعب على شكل إعانات. وفي المقابل، لا يطعن الشعب أو يُشكك بالقيادة.

محطة وقود في الإمارات العربية المتحدة
مواطن يقوم بتعبئة سيارته بالوقود في أبو ظبي, الإمارات العربية المتحدة. Photo Rex Features

“انتم من لا يستطيع العيش بدون نفط، أنت تعرف أننا أتينا من الصحراء وعاش أجدادنا على التمر واللبن ونستطيع وبكل سهولة أن نعيش هذه الحياه مجدداً.” هذا كان ردّ الملك فيصل على هنري كيسنجر عام 1973.

ولكن يبدو أنّ الملك فيصل كان مخطأً، فحينما تتعسر الأمور، سيُفضل غالبية الخليجيين العرب تناول السمك والبطاطا المقلية في شققهم الفارهة في أجواء لندن الباردة والممطرة. ولربما قاربت إجابته الصواب، إذ لا يمكن للمرء تناول النفط، بل ينبغي بيعه، ويُفضّل بأسعار مرتفعة ومستقرة.

وهذه هي المشكلة اليوم! فمع انخفاض أسعار النفط، بشكلٍ هيكلي، تحت عتبة الربح لجميع دول مجلس التعاون الخليجي، تواجه هذه الدول مستقبلاً “قريباً” أقل بهجة مما كان متوقعاً. ولربما لا تزال الأموال في خزينة الدولة ضخمة، ولكن هذا هو أيضاً حال العجز في الميزانية. وحتى الآن، كان رد الفِعل قولاً وليس فعلاً. ولكن قد تكون المظاهر خادعة؛ إذ قد يكون الصبر جزءا من الخطة، وفقاً للأعراف القبلية الدمثة.

لنأخذ أوبك على سبيل المثال، فبدلاً من خفض الإنتاج لوقف فائض العرض الحالي، قرر أعضاء أوبك من دول الخليج مواصلة إغراق السوق بالنفط الرخيص. فعلى صعيدٍ آخر، تُهيّمن هذه الدول على أوبك، برئاسة السعودية، وبالتالي لا يستطيع الأعضاء الآخرون سوى أن يحذوا حذوهم، ولكن، لمَ تفعل المملكة العربية السعودية ذلك؟

إنه الثمن الذي هم على أتم الاستعداد لدفعه. فانخفاض الأسعار لا يؤثر سلباً فقط على دول مجلس التعاون الخليجي، بل أيضاً على المنتجين من خارج أوبك، مثل روسيا والولايات المتحدة، دون أن ننسى أيضاً تأثيره على العضو المشارك في أوبك، غير الصديق؛ إيران. وتتمثل الفكرة من وراء هذه الاستراتيجية في أنّ اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي مرنة بما فيه الكفاية للتخلف عن المشاركة وانتظار اختناق الاقتصادات الأخرى.

في الحقيقة، قد تكون هذه الاستراتيجية ناجعة. ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه يُقال أن أوبك قادرة على إبطاء (ولكن ليس إيقاف) طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انخفض نشاط الحفر بشكلٍ كبير.

وكذلك، فإن الصبر أكثر أهمية على الصعيد الوطني، إذ يعلم القادة جيداً أنهم بحاجة إلى إعادة التفاوض حول العقد الاجتماعي مع مواطنيهم، ذلك أنهم لم يعودوا قادرين على الإيفاء بجانبهم من الوعد.

وهذا هو الشكل التقريبي للعقد: تجمع الدولة عائدات النفط وتسلمها للشعب على شكل إعانات للوقود والماء والغذاء والكهرباء، والتعليم المجاني، والرعاية الصحية المجانية، ووظيفة مضمونة في القطاع الحكومي… الخ. وفي المقابل، لا يطعن الشعب أو يُشكك بالقيادة.

ولا تكمن الصعوبة فيما يتوجب فعله- قطع الإعانات، وفرض الضرائب، وتنويع الاقتصاد- بل فيما إذا كان الشعب سيفي بجانبه من الوعد في حال تم القيام بذلك. هل سيكظمون غيظهم أياً كان ما سيحصلون عليه، أم سيحتجون ويخرجون في مظاهراتٍ معلنين قيام ثورة؟

فكلما أصبحت الدولة قمعيةً أكثر، كلما كان من الأسهل فرض التدابير. فعلي سبيل المثال، قامت المملكة العربية السعودية في ديسمبر 2015، بوقف إعانات الوقود تماماً كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة التي اتبعت هذا النهج في وقتٍ سابق من عام 2015. وفي كلا البلدين، أدت التدابير حتى الآن إلى ارتفاع الأسعار في محطات البنزين، إلا أنها لم تسفر عن اضطرابات مدنية.

ربما يدرك الشعب أن الوقت قد حان لإجراء إصلاحات، أو ربما لا يجرؤون على الجهر ضدهم. ووفقاً لرئيس صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، يدرك الشعب ذلك.

هل هم كذلك حقاً؟ الرأي العام في الكويت– دولة مجلس التعاون الخليجي الوحيدة التي لا يُسمح للشعب بالمجاهرة بآرائه- يوحي بغير ذلك. نعم، يفهم الكويتيون أنه يتوجب القيام بأمرٍ ما، ولكن بدلاً من إلقاء العبء عليهم، يقولون أنه ينبغي على الحكومة إجراء “إصلاحات اقتصادية ملائمة.”

وفي عمود صحفي بعنوان “كفى خفضاً للدعم،” يُخاطب الكاتب بغضب صندوق النقد الدولي: “قبل رفعكم للدعم، لمَ لم يعاقب أولئك الذين أهدروا الأموال العامة من خلال صفقاتٍ وهمية؟ هل أخذ مقترحكم بعين الاعتبار بعض الأسماء التي اختلست وسرقت الأموال العامة؟” كما سُمعت أصوات مماثلة في البرلمان الكويتي.

وبالتالي، فإن الكويتيين – وقد لا يكون الأمر مختلفاً أيضاً عن غيرهم من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الأقل صخباً، غير مستعدين مطلقاً لدفع الضرائب أو تحمل أعباء ارتفاع أسعار الوقود. “أوقفوا بدايةً السرقات وضعوا حداً للفساد، بعد ذلك يمكننا التحدث،” هذا ما يقولونه مدعومين من قِبل برلمانٍ قوي.

ولعل هذا هو السبب في أنّ العديد من الخطط الأخيرة في الكويت تركز على مجتمع المغتربين، الذين يشكلون ثُلثيّ السكان. لنفرض ضرائب على التحويلات المالية التي يُرسلونها إلى ديارهم، أو لنسحب التأشيرة من أولئك الذين يتجاوزون 50 عاماً، أو لنرفع الدعم عن المحروقات عليهم فقط، أو لنوقف الرعاية الصحية المجانية لهم، وهذا مجرد غيضٍ من فيض بعض المقترحات.

ومع ذلك، لم يلقى هذا استقبالاً حسناً من قِبل الكويتين أيضاً، الذين يدركون تماماً اعتمادهم على العمالة الوافدة. وعلاوة على ذلك، يقول الكثيرون أن هذه ليست الطريقة التي يتوجب علينا فيها التعامل مع الضيوف الذين ساعدوا في بناء والدفاع عن بلادنا. ولكن في خضم ذلك، تظهر لا مبالاة الوافدين: على الأرجح سيتم ترحيل 3-4 أشخاص فقط، مع العلم أن إنفاذ القانون، في حال كان هناك قانون في الأصل، لا يعتبر أقوى نقاط الكويت.

كما تبرز الحاجة أيضاً إلى المزيد من الصبر للمسألة الوحيدة التي تدور حولها أحاديث في المنطقة منذ عقود: التنويع. فلطالما كان ملوك النفط مدركين للبعد الواحد لاقتصاداتهم. ومع ذلك، باستثناء دبي، وإلى حدٍ أقل المملكة العربية السعودية، لم يتم الشروع قط بالتنوع الاقتصادي. وغالباً ما يتم إلقاء اللوم فيما يتعلق بهذا الشأن بالموقع الجغرافي والمناخي والديموجرافي للمنطقة.

هناك بعض الحقيقة في ذلك، ولكن هناك أيضاً بعض الحقيقة في واقع أنّ ملوك النفط أنفسهم قد خلقوا اشتراكية بخمس نجوم على الطراز الخليجي، حيث يعوّل الشعب على وظائف حكومية مضمونة، التي غالباً ما تكون غير ضرورية أو حتى لا وجود لها، حيث العلاقات أكثر أهمية من الاستحقاق، وحيث تُخمد الطموحات التجارية في السلوكات البيروقراطية المناصرة لحماية العائلات التجارية الحاكمة.

وفي العموم، لن تأتي الإصلاحات بسهولة، ولكن يبدو أن لا سبيل للتراجع. ففي نهاية المطاف، سيتم تطبيقها، حتى في الكويت، على الرغم من أنّ هذا قد يكون الأمر الأكثر صعوبة من بينها. وعلى المدى القصير، سنرى على الأرجح إصلاحاتٍ سهلة التحقيق نسبياً، مثل رفع الدعم. أما فيما يتعلق بفرض الضرائب والتنويع الاقتصادي، سيستغرق الأمر وقتاً أطول: رفع الدعم عن الأرز أمر، أما زراعته بنفسك فهو أمرٌ مختلفٌ تماماً.

user placeholder
written by
telesto
المزيد telesto articles