وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النفط والدين وأزمة السلطة في السعودية بين عامي 1964 – 1979

oil religion leadership saudi arabia
ملك السعودية فيصل بن عبد العزيز آل سعود (إلى اليسار) في لقاء مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات في 5 فبراير 1974 في القاهرة. عُيّن فيصل وزيراً للخارجية بعد تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932، وكان رئيساً للوزراء في عهد أخيه الملك سعود. AFP PHOTO

مقدمة

بعد عزل أخيه الملك سعود عن الحكم عام 1964، تولى الملك فيصل عرش المملكة حتى عام 1975. وفي تلك الفترة، ازدادت المملكة ثراءً، وتكبدت الدول القومية العربية هزيمتين على يد إسرائيل، تحديداً مصر وسوريا. ونتيجة لذلك، ارتفعت أهمية السعودية في الساحة الدولية، وصارت أيديولوجيتها الدينية بديلاً قوياً للأيديولوجيا القومية العلمانية.

أما على الصعيد الداخلي، فقد نمت التيارات السرية المعارضة داخل العائلة المالكة (بما في ذلك أبناء الملك السابق سعود)، فضلاً عن السكان الشيعة في شرق البلاد والإسلاميين. ورغم تشاركهم الأيديولوجيا نفسها، فقد اتهم الإسلاميون آل سعود بالفساد والنفاق، إذ رأوهم خاضعين لهيمنة الولايات المتحدة وخائنين للقضية الفلسطينية. وقد ثبتت الثروة النفطية أركان النظام السعودي وعززت علاقته بالغرب، وهو ما أصبح يتعارض مع مطالب دعم الفلسطينيين.

سياسة النفط السعودية

كانت السعودية عضواً بارزاً في منظمة الأوبك بصفتها أحد أكبر منتجي النفط في العالم. وكان إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة يمثّل نحو 50% من الإنتاج العالمي في ذلك الوقت. وفي أوائل السبعينيات، أرادت المنظمة زيادة دخل أعضائها من خلال رفع أسعار النفط. وسعت إيران التي كانت حليفة الولايات المتحدة حينئذ إلى تمويل خطة الثورة البيضاء التي وضعها الشاه لتحويل إيران إلى خامس أكبر قوة صناعية في العالم بحلول عام 2001.

وكذلك سعت حكومة كارلوس أندريس بيريز في فنزويلا إلى تحقيق أهداف مماثلة. كما أيدت حكومة الولايات المتحدة رفع أسعار النفط لزيادة أرباحها من إنتاجها المحلي. لكن لم تكن إيران ولا فنزويلا تهتمان كثيراً بالقضية الفلسطينية خلاف الرأي العام العربي. لذلك كانت هناك مطالب جماهيرية واسعة لاستخدام “سلاح النفط” لإقناع الدول المستهلكة بتقليل دعمها لإسرائيل.

تولى أحمد زكي يماني إدارة السياسة النفطية السعودية، وهو محام تلقّى تعليمه في الغرب. فأصبح يماني وزيراً للبترول والثروة المعدنية عام 1962 وظلّ في منصبه حتى عام 1986 في عهد أربعة ملوك سعوديين. ولم يكن الشيخ يماني من آل سعود، بل كان ابن عائلة من علماء الدين البارزين.

وكان يهدف إلى فرض هيمنة المملكة على شركة أرامكو وسيطرة السعوديين على نفطهم، فأنشأ المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين) لتصبح شركة النفط الوطنية. وفي عام 1964، أسس كلية البترول والمعادن (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حالياً) لتكوين خبرات سعودية في هذا المجال.

وكان الرأي العام السعودي معادياً للولايات المتحدة في الفترة التي سبقت حرب 1967. إذ تعرّضت السفارة الأمريكية وبعض المنشآت العسكرية لهجمات تفجيرية. وحذّر يماني شركة أرامكو من أن الدعم الأمريكي لإسرائيل قد يدفعهم إلى تأميم الشركة.

وفي اليوم الثاني للحرب، اندلعت مظاهرات في أنحاء المملكة، فضلاً عن إضرابات عمالية تسببت في إغلاق أرامكو. وأعلن الملك فيصل أن إمدادات النفط يجب أن تُقطع، وحظر يماني شحنات النفط إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن إمدادات النفط القادمة من الولايات المتحدة وفنزويلا وإيران وإندونيسيا عوّضت نقص الإنتاج.

سيطرت السعودية على السوق بعد الحرب لأنّ الطلب على النفط فاق الإنتاج الأمريكي. وكانت المملكة “منتجاً متأرجحاً”، أي إن قدرتها الإنتاجية كانت كبيرة بما يكفي لتمكينها من رفع الأسعار كيفما شاءت عن طريق خفض الإنتاج. تمسّك يماني بالهدف الاقتصادي المتمثل في زيادة سيطرة السعودية على النفط من خلال المشاركة بدلاً من التأميم. لذلك، اشترت الحكومة السعودية حصة قدرها 25% من أرامكو عام 1972.

oil and ksa politics
وزير البترول والثروة المعدنية السعودي الشيخ أحمد زكي يماني في طوكيو في 2 فبراير 1974. يُذكر عن يماني قوله “أنا رجل براغماتي للغاية، ولا أعرف عن الأيديولوجيات إلا القليل”. Photo AFP

حرب أكتوبر 1973 واستغلال سلاح النفط

سبقت حرب أكتوبر 1973 توترات مماثلة. ففي مايو 1973، كرر الملك فيصل تحذيره لشركة أرامكو من أن سياسة الولايات المتحدة قد تؤدي إلى سحب الامتيازات الممنوحة لهم، وهددهم في أغسطس من العام نفسه باستخدام سلاح النفط. اندلعت الحرب في أثناء انعقاد اجتماع لمنظمة أوبك، ففرض وزراء النفط على الفورة زيادة قدرها 70% من جانب واحد. ولاحقاً، اتفق وزراء النفط العرب في 17 أكتوبر على خفض الإنتاج بنسبة 5% شهرياً. إلا إن ذلك لم يردع الحكومة الأمريكية عن الإعلان عن تقديم حزمة مساعدات عسكرية أمريكية كبيرة إلى إسرائيل.

ظلّ حظر النفط سارياً بعد وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل في 26 أكتوبر. وبحلول ديسمبر، انخفض المعروض العالمي من النفط بنسبة 14% مقارنة بنسبته قبل شهرين، فارتفع سعر النفط 600% في منتصف ديسمبر عن سعره في 15 أكتوبر. وفي 22 ديسمبر، اجتمعت الدول الخليجية المنتجة للنفط في طهران، وتمسكت اللجنة الاقتصادية في المنظمة بسعيها إلى رفع الأسعار. لكن السعودية كانت قلقة من احتمال التسبب في كساد اقتصادي، وكان الملك فيصل يرغب في دحض أي انطباع يوحي بأنهم لا يسعون إلا إلى زيادة أرباحهم. ومع ذلك، ارتفعت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً.

أسعار النفط الخام بين عامي 1970-1979. ارتفع سعر النفط ارتفاعاً حاداً بعد حرب أكتوبر 1973 ثم استقر لاحقاً.

بعدما تقلصت صلاحيات الرئيس الأمريكي نيكسون بعد فضيحة ووترغيت، شرع هنري كيسنجر وزير خارجيته في مهمة دبلوماسية للتوسط بين مصر وإسرائيل وسوريا والسعودية. وبعد اتفاقية فك الاشتباك بين مصر وإسرائيل في سبتمبر 1975، أوقفت السعودية وغالبية الدول العربية النفطية حظر النفط. ووافقت السعودية على تقديم معونات سنوية إلى مصر بقيمة 200 مليون دولار. كما زوّدت القوات الجوية المصرية بطائرات مقاتلة فرنسية من طراز ميراج لتحلّ محل التكنولوجيا العسكرية السوفيتية، ومنحت مصر قروضاً منخفضة الفائدة.

عواقب ارتفاع أسعار النفط

قبل اندلاع الحرب، كانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية قد شرعت بالفعل في البحث عن إمدادات نفطية بعيداً عن سيطرة أعضاء أوبك. وبين عامي 1967 و1971، اكتُشفت حقول نفط ضخمة في ألاسكا (حقل خليج برودهو) وبحر الشمال (حقول إيكوفسك وفورتيس وبرنت). مرّت سنوات عديدة قبل ظهور النفط الجديد في السوق، واستمرت الأموال الهائلة تتدفق إلى خزائن السعودية. ظلّت أسعار النفط مرتفعة، وكانت عوائده على السعودية هائلة، لا سيما بعدما زادت الحكومة حصتها في أرامكو إلى 60% عام 1974.

مكّنت هذه الثروة الطائلة الملك فيصل من اغتنام هزائم الدول القومية العربية عامي 1967 و1973 وتولي زمام المبادرة السياسية بين الدول الإسلامية، فبدأت المملكة حملة تنموية دولية لحشد التأييد. وبحلول عام 1975، كانت السعودية تقدّم مساعدات تنموية تبلغ قيمتها 1.99 مليار دولار (قدّمت ألمانيا في ذلك العام 1.69 مليار دولار، وفرنسا 2.09 مليار دولار، وبريطانيا 910 مليون دولار).

كما استُثمرت مبالغ ضخمة في تصدير التفسير السعودية للإسلام إلى دول مسلمة أخرى، ما أدى إلى اتجاه الحركات الإسلامية في تلك الدول إلى التطرف، وجعل قيادة السعودية للعالم الإسلامي مقابلاً لعلمانية مصر والعراق. وبذلك، اكتسب النظام السعودي شرعية في داخل البلاد.  وحسب أسعد عبدالله في كتابه  (2004) “The Battle for Saudi Arabia” شهد الإنفاق السعودي على البروباغندا الدينية ارتفاعاً هائلاً وذلك من حوالي 2.5 مليون ريال سعودي في عام 1975 إلى أكثر من 25 مليون ريال في عام 1981.

وكان الملك فيصل يأمل في كسب شرعية داخلية من خلال التنمية الاقتصادية وضبط الأسعار وتقديم التعليم والخدمات الصحية مجاناً. وكان النفط الركيزة التي بُني عليها ذلك التغير الاجتماعي الملحوظ. فقد ارتفع عدد الأطباء في البلاد من طبيب لكل 16,370 فرداً عام 1960 إلى طبيب لكل 1700 فرد عام 1977. كما ارتفعت نسبة الأطفال الملتحقين بالتعليم الابتدائي من 12% من فئتهم العمرية عام 1960 إلى 59% عام 1978 (المصدر: تقرير عن التنمية في العالم 1981، ص: 176، 178، 190). وعلاوة على ذلك، سرعان ما ازداد التحضر، فبحلول أواخر الستينيات، وصلت نسبة نمو سكان الحضر إلى أكثر من 8% سنوياً.

أوجدت هذه التغيرات حاجة هائلة إلى العمالة لم يقدر المواطنون على تلبيتها، لذلك عملت الدولة على استقطاب العمالة الوافدة من الدول العربية وغيرها من الدول النامية. وعملت أغلبية الوافدين في الإنشاءات (معظمهم من الرجال العزاب)، والأعمال المنزلية (معظمهم من النساء)، وكذلك في وظائف مثل التدريس والطب. ولأنّ هؤلاء الوافدين لم يكونوا يأملون في الاستقرار في السعودية، فقد أرسلوا غالبية مرتباتهم إلى أوطانهم. فكانت تلك طبقة عاملة محلية لا جذور لها، وولاؤها خارج البلاد.

رأت المؤسسة الدينية السعودية أنّ الوافدين والسلع المادية والثقافية المستوردة من الخارج أوهنت الأخلاق والتدين. وللسيطرة على المؤسسة الدينية المحافظة، دشّن الملك فيصل برنامجاً للحدّ من سلطاتها مع التأكيد في الوقت نفسه على هيبتها. وعندما كان رئيساً للوزراء في عهد أخيه الملك سعود عام 1962، وضع فيصل برنامجاً إصلاحياً جعل القانون السعودي مستمداً من القرآن وسعى إلى تحديثه في الوقت نفسه.

كما أنشأ وزارة للعدل ومحاكم يُفترض أنها مستقلة، لكنه أنشأ أيضاً مجلساً استشارياً من المحامين والعلماء الذين اختارتهم الحكومة لإجازة السياسات الحكومية بإصدار الفتاوى الشرعية. وأخيراً، أصلح فيصل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (تُعرف كذلك باسم الشرطة الدينية) وعزز سلطاتها. أثار ذلك كله بعض المعارضة بين طبقة علماء الدين، ولم تُنفذ التغييرات إلا عام 1969. وخلال تلك الفترة، حافظ العلماء على سلطتهم الدينية من خلال السيطرة على التعليم.

نمو التطرف الإسلامي

لم يقتصر التيار الديني المحافظ على كبار علماء الدين، إذ شمل الإسلاميين والوافدين المسيسين والشيعة الساخطين، فضلاً عن الناقمين من آل سعود. وتسببت بعض بنود برنامج التحديث الذي وضعه الملك فيصل في إثارة معارضة عامة واسعة. إذ أخذ الإسلاميون المتشددون على عاتقهم ضبط ما اعتبروه انتهاكاً للأخلاق دون الرجوع إلى المسؤولين.

وارتكبوا أعمال تخريب متفرقة ضد الأعمال التجارية التي لم تكن تروق لهم، مثل متاجر الملابس النسائية واستوديوهات التصوير الفوتوغرافي. واعترض بعض العلماء على ظهور التلفاز لأنه يصوّر هيئة الإنسان. وظهرت حركة جديدة مماثلة لحركة إخوان من أطاع الله التي قمعها عبد العزيز آل سعود، فأطلقوا اللحى وارتدوا ملابس تشبه ملابس سابقيهم. وفي سبتمبر 1965، هاجم أعضاء الحركة الجديدة مبنى تلفاز الرياض، وكان بينهم ابن أخ الملك، خالد بن مساعد بن عبد العزيز، الذي أُردي قتيلاً برصاص الشرطة. ورغم المعارضة، بدأ البث التلفزي عام 1967.

في عام 1966، أُسست الجماعة السلفية المحتسبة في المدينة المنورة. واعتزمت أن تحلّ محل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وانتشرت الجماعة في أنحاء المملكة على مدى السنوات العشر التالية. لم تكن الجماعة سياسية في أول الأمر، بل كانت تركّز على القضايا الاجتماعية. وكان أحد مؤسسيها، جهيمان العتيبي، حفيد أحد محاربي حركة إخوان من أطاع الله الذين تعرّضوا للقمع بين عامي 1929 و1930. وكان العتيبي جندياً بالحرس الوطني وطالباً في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

منذ الخمسينيات فصاعداً، استقبلت المملكة اللاجئين السياسيين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا من مصر تحت حكم عبد الناصر. كان هناك سببان وراء ذلك. فالسعودية كانت بحاجة إلى مهنيين مدرّبين جيداً في مجال الإدارة وتحديداً في التعليم. علاوة على ذلك، كان أعضاء جماعة الإخوان المسلمين سلاحاً مفيداً ضد خصوم السعوديين المصريين والبعثيين. وكان من بين اللاجئين من مصر محمد قطب، الأخ الأصغر لسيد قطب، الزعيم الفكري للإخوان المسلمين الذي أُعدم شنقاً في مصر عام 1966. أصبح محمد قطب محاضراً جامعياً في المملكة العربية السعودية.

أدى الفشل الجزئي لسياسة التحديث التي انتهجها الملك فيصل إلى ظهور معارضة من جماعة ثالثة في محافظتي القطيف والأحساء شرق السعودية حيث برزت مدن حديثة مثل الدمام والخبر والظهران لخدمة حقول النفط. رغم ازدهار قطاعي الإدارة والأعمال في هذه المدن واستفادة مرافق الصحة والمياه والصرف الصحي من الاستثمارات الكبيرة، فإن القرى والمناطق الريفية لم تشهد شيئاً من ذلك. فقد اعتمد الاقتصاد الزراعي المتخلف في تلك المناطق على الواحات التي انخفض منسوبها من المياه، ما أدّى إلى ارتفاع مستوى ملوحتها وتلوث إمدادات المياه، بما في ذلك مياه الشرب، بالصرف الصحي غير المعالج.

فضلاً عن ذلك، كانت غالبية المساكن تتداعى. ومعظم سكان هاتين المحافظتين من الشيعة – نحو 95% في القطيف ونحو 50% في الأحساء – ويتركّزون في المناطق الفقيرة إلى حد كبير. وقد تعرّض المذهب الشيعي للتهميش على يد الحكومة السنّية التي حظرت بناء مساجد للشيعة. وفي أول السبعينيات، غادر بعض المواطنين الشيعة المتعلمين لاستكمال دراستهم في الخارج، وخاصةً في العراق والكويت. وعندما رجع بعضهم بحلول عام 1975، أسسوا حركة الإصلاح الشيعي.

أصدر الملك فيصل، بصفته رجلاً ورعاً، بياناً حذّر فيه الشباب السعودي من مخاطر الانحلال وارتداء اللباس غير الإسلامي. كما أصدر قراراً بمنع العمل في أوقات الصلاة وضرورة ارتداء الحجاب للفتيات اللائي تجاوزن سن التاسعة. ورغم التغييرات الثقافية والاجتماعية التي أجراها، فإن فيصل لم تكن لديه أي نية في تحرير النظام السياسي.

كان وضع دستور للبلاد فكرة مستهجنة إلى أقصى درجة، ويُذكر أن حركة الأمراء الأحرار قد طرحت تلك الفكرة بقيادة الأمير طلال بن عبد العزيز في عهد الملك سعود. وقد أعلن الملك فيصل عام 1966 أن “القرآن أقدم وأكفأ دستور في العالم”. واشترى النظام ذمم بعض المعارضين من العائلة المالكة، إذ حصل نحو 4000 أمير على وظائف مدنية وعسكرية عليا واندمجوا مع نخبة مجال الأعمال التي شملت عائلات كبيرة مثل آل محفوظ وآل بن لادن.

في مارس 1975، اغتال فيصل بن مساعد بن عبد العزيز، 26 عاماً، عمه الملك فيصل بينما كان يستقبل بعض زواره. لم يُحدد دافع الاغتيال بشكل قاطع، لكن يُقال إنّه كان بدافع الثأر من قتل الشرطة لشقيقه الأكبر خالد أمام مبنى تلفاز الرياض عام 1965.

الملك خالد

كان الملك الجديد خالد بن عبد العزيز مسناً ورعاً، وفضّل أن يكون التحول الصناعي أبطأ مع زيادة التركيز على العقيدة الوهابية. وفي المقابل، سعى إخوته الأمير عبد الله رئيس الحرس الوطني، وولي العهد الأمير فهد، والأمير سلطان وزير الدفاع إلى توثيق العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة. شكّلت تلك الفترة بداية تزايد هيمنة الأشقاء السديريين، وهم أبناء عبد العزيز آل سعود من زوجته حصة بنت أحمد بن محمد السديري.

كان سوق النفط يتغير في تلك الأثناء. ففي عام 1976، استحوذت الحكومة السعودية أسهم شركة أرامكو كافة. ومع ذلك، بدأ تأثير ارتفاع أسعار النفط يتضح أكثر، إذ كانت الإنتاج ينتقل بعيداً عن أعضاء منظمة أوبك. فقد بدأ الإنتاج في حقل برنت بالمملكة المتحدة عام 1976، وافتُتح خط أنابيب ألاسكا في الولايات المتحدة عام 1977. لكن ذلك لم يكن بالأمر الجلل في ذلك الوقت، فسعر النفط الخام كان يرتفع (ولو ببطء)، كما أخذ الاستهلاك العالمي للنفط في الازدياد. إلا أن الاستهلاك انخفض في بعض الدول الصناعية مع دخولها فترة ركود اقتصادي.

كان التناقض المتمثل في تحالف المملكة مع الولايات المتحدة وسعيها إلى قيادة الدول العربية والإسلامية يشكّل تهديداً ملحّاً لها، وهو ما صار جلياً في اتفاقات كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر عام 1978 التي أرست الأساس لمعاهدة السلام. إلا أنّ الدول العربية لم تشارك بقية العالم ابتهاجه بالاتفاقات، إذ عُدّت خيانة للفلسطينيين وهدماً للوحدة العربية. وعلى إثر ذلك، قررت القمة العربية المنعقدة في بغداد في نوفمبر 1978 تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية، وهو الموقف الذي أيّده الملك فهد على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة.

على الصعيد الداخلي، وبسبب السلوك المنحرف الذي اتبعه بعض الأمراء، ضعفت الاستقامة الدينية التي تشاركتها الحكومة مع المعارضة الدينية المتنامية وكانت سبباً في فرض قواعد اجتماعية مقيدة. وبعد عام 1977، أصبحت جماعة جهيمان العتيبي (إخوان من أطاع الله) أكثر تطرفاً، وانتقل أعضاؤها المنظمين إلى الصحراء، حيث ألف جهيمان أشعاراً دينية وكتب سلسلة من المقالات عُرفت باسم “رسائل جهيمان السبعة”.

وحملت تلك الكتابات أفكار حول ظهور المهدي المنتظر، وهو الحاكم المسلم الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويمهد الطريق إلى يوم القيامة. وهي فكرة قديمة في التاريخ الإسلامي. لذلك أُعلن صهر جهيمان، محمد بن عبد الله القحطاني، أنه المهدي المنتظر. وشهد عام 1979، الموافق للعام 1400 هجرياً، اضطرابات عنيفة في المملكة.

تمرد 1979

صورة التُقطت في نوفمبر 1979 لحريق في الحرم المكي. تعرّض الحرم المكي لهجوم في 20 نوفمبر 1979 على يد مسلحين ينتمون إلى جماعة يقودها جهيمان العتيبي. تحصّن مئات من المسلحين المعارضين للنظام السعودي في المسجد الحرام طوال أسبوعين، واحتجزوا المصلّين رهائن. اقتُحم الحرم المكي بمساعدة قوات خاصة فرنسية أرسلتها باريس بناءً على طلب المملكة. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى مقتل 153 شخصاً وإصابة 560 آخرين. وقد أعدمت الحكومة جميع المسلحين بعد القبض عليهم. AFP

تعرّضت المملكة لانتقادات لاذعة من مسؤولي البيت الأبيض على إثر قطعها علاقاتها الدبلوماسية مع مصر بعد عقدها معاهدة السلام مع إسرائيل في مارس 1979. إلا أن المملكة كانت بحاجة إلى ذلك التحالف. ففي يناير من عام 1979، انتصرت الثورة الإيرانية وأطاحت بالشاه إلى المنفى. ورأت الحكومة السعودية -التي لم تكن تحب الشاه- تآمراً سوفييتياً وراء سقوط النظام الإيراني، وهي القناعة التي تعززت بعد غزو السوفييت لأفغانستان في ديسمبر 1979. ووقعت العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة في معضلة، فقد كانت بحاجة إلى دعم أمريكي يؤمنها من الاتحاد السوفييتي، ومن ناحية أخرى كانت تريد دعم القضية الفلسطينية. وصاحب هذه الضغوط الخارجية تحد خطير للدولة السعودية مع بداية قرن هجري جديد في نوفمبر 1979.

ففي 20 نوفمبر 1979، الموافق لغرّة محرم 1400 هجرياً، استولى جهيمان العتيبي ونحو 400 رجل على الحرم المكي واحتجزوا آلاف المصلين رهينة. ولم يكن الحرم يخضع للحراسة آنذاك لأنه مكان يحرم القتال فيه. أعلن المسلحون محمد بن عبد الله القحطاني المهدي المنتظر. ولمّا كان من الصعب قمعهم، أصدر 30 من كبار العلماء فتوى تسمح باستخدام القوة لمواجهتهم. لكن الأمر استغرق أسبوعين قبل أن تتمكن القوات السعودية (بمساعدة الفرنسيين) من إخراج المتمردين كافةً من المسجد الحرام. وفي يناير 1980، قطعت الدولة رؤوس 63 شخصاً على الملأ في مناطق مختلفة من المملكة.

Advertisement
Fanack Water Palestine