أثارت الأخبار عن انسحاب قطر من منظمة البلدان المُصدّرة للبترول (أوبك) مع بداية عام 2019، دهشة الخبراء وقادة العالم على حد سواء.
ويُشار إلى أوبك في بعض الأحيان باعتبارها اتحاداً احتكاري وتعتبر أحد أقوى اللاعبين في سوق النفط، إذ أنها المسؤولة عن أكثر من ثُلث العرض العالمي على النفط. ولكن، وعلى الرغم من وجود 14 عضواً في المنظمة، إلا أن المملكة العربية السعودية سيطرت على أوبك منذ إنشائها عام 1960، في حين انضمت قطر إلى المنظمة في العام التالي.
ومع حصار قطر من قبل المملكة العربية السعودية ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة، المعروفون أيضاً باسم “رباعية الحصار” في هذا الخلاف الدبلوماسي، تساءل العديد من الخبراء منذ عام 2018، عما إذا كان قرار قطر بمغادرة منظمة أوبك – وهي أول دولة شرق أوسطية تفعل ذلك- ذو دوافع سياسية.
بيد أن سعد بن شريدة الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة في قطر والرئيس التنفيذي لشركة قطر للبترول، يُصّر على خلاف ذلك، إذ قال إن قطر انسحبت من أوبك للتركيز على قطاع الغاز الطبيعي، غير أنها انتقدت المنظمة لكونها تحت سيطرة “دولة،” في إشارةٍ واضحة إلى السعودية.
وقال الكعبي، “اقترحت على قيادتنا ضرورة الإنسحاب من أوبك. أعلم تماماً أن وسائل الإعلام وبعض الأشخاص سيرغبون في تسيس القضية، فقد حصل هذا بالفعل في بلدي عندما أنظر إلى بعض وسائل الإعلام، ذلك أنهم لا يعرفون الحقائق.”
وأضاف ستيفن رايت، الأستاذ المشارك في جامعة حمد بن خليفة في قطر الذي يكتب في قناة الجزيرة: “ينبغي النظر إلى انسحاب قطر من أوبك من منظور رؤيتها الإقتصادية طويلة الأمد، وانحرافها عن مسار الأعمال التجارية للاتحاد الإحتكاري.”
بدأت قطر تطوير قطاع الغاز الطبيعي في عام 1987. واليوم، تعدّ قطر إلى جانب أستراليا، واحدةً من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال والهيليوم. وعليه، ترغب قطر في تنمية سوق الغاز الطبيعي المسال، مما يسمح لها بالاستفادة من هذه الصناعة على المدى الطويل. وفي السنوات الخمس المقبلة، تهدف قطر إلى زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن سنوياً إلى 110 ملايين طن سنوياً. وبحسب رايت، تؤمن قطر بأن الطلب على الوقود الأنظف مثل الغاز الطبيعي المسال قد يفوق الطلب على النفط في نهاية المطاف. وإلى جانب الحفاظ على ريادتها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، تأمل قطر أيضاً في بناء تحالفات مع منافسين ناشئين مثل روسيا والولايات المتحدة وأستراليا.
ومع ذلك، قال مدير أسواق النفط وفريق التكرير في مجموعة أي إتش إس ماركت للأبحاث، ومقرها لندن، سبنسر ويلش، للصحفيين أنه من غير المحتمل أن يُلحق انسحاب قطر من أوبك الضرر بالمنظمة، حيث أن إمدادات قطر النفطية أقل مقارنة بنظرائها في الخليج: تنتج قطر 600 ألف برميل نفط في اليوم فقط، أي أقل من 2% من إجمالي إنتاج أوبك. وفي غضون ذلك، تنتج المملكة العربية السعودية حوالي 10 ملايين برميل يومياً.
وأوضح ويلش، “ترى [قطر] القليل من الفائدة في الاستمرار بالمنظمة. ربما العلاقات مع المملكة العربية السعودية متوترة ولربما لا يرغب القطريون في أن يُملي عليهم أحد متى ينبغي عليهم الحد من إنتاج النفط. ومن خلال الإنسحاب، يمكن لقطر أن تستفيد من منظمة أوبك دون الحاجة إلى خفض الإنتاج.”
قد يكون ويلش على حق، آخذين بعين الإعتبار تصريحات بعض المسؤولين القطريين البارزين بإنهم لا يرون فائدة في البقاء في أوبك. حتى أن رئيس وزراء قطر السابق، الشيخ حمد بن جاسم، ادعى أن أوبك عديمة الفائدة وأن المنظمة تضر بالمصالح الوطنية لقطر.
في حين كتبت مجلة الإيكونوميست أن الضرر ينبع في المقام الأول من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي انتقد منظمة أوبك بسبب عدم خفض أسعار النفط. ومع قيام بعض أعضاء الكونغرس بصياغة مشروع قانون يسمح برفع دعاوى قضائية ضد أعضاء أوبك، ضمنت قطر قدرتها على تجنب غضب الرئيس ترمب، والنأي بنفسها عن أي مهاتراتٍ قانونية.
ومن الواضح أن الدوحة تعتقد أن المنظمة قد عفا عليها الزمن. ففي ستينيات القرن الماضي، كان لأسعار النفط تأثيرٌ كبير على الاقتصاد والجغرافيا السياسية. وكما يقول الأستاذ في جامعة حمد بن خليفة، ستيفن رايت، لم يكن لدى قطر قطاع الغاز للاعتماد عليه آنذاك، في حين كان لدى أوبك القدرة على إغراق الاقتصاد العالمي بأكمله في فترةٍ من الركود. هذه الحقبة مختلفة، وبالتالي فإن إنسحاب قطر ما هو إلا دلالة على فقدان أهمية منظمة أوبك؛ إذ يبدو أن المنظمة غير قادرة على التعامل مع الانقسام الواسع في صفوفها، بل إنها انضمت إلى قوى من غير الأعضاء، مثل روسيا، لتحافظ على أهميتها.
وأشار نيكوس تسافوس، وهو زميل أقدم في مركز دراسات الأمن الاستراتيجي، إلى أن خروج قطر قد يجبر الأعضاء الآخرين على إعادة تقييم الفائدة من البقاء في المنظمة. ويضيف أحد المحللين على موقع ThinkMarkets، نعيم أسلم، أن خروج قطر من أوبك لا يبشر بالخير لسوق النفط، بغض النظر عن كمية النفط القليلة التي تنتجها الإمارة الصغيرة.
إذ قال لصحيفة الجارديان البريطانية اليومية: “لن نفاجأ إذا بدأت دولٌ أخرى في اتباع نفس النهج [كحال قطر]، ولن نستطيع بعدها السيطرة على العرض أو الطلب، حيث تستطيع كل دولة أن تفعل ما تشاء.”
ومع ذلك، يُشكك يوهانس بينيني، رئيس مجموعة جيه بي سي للطاقة، بأن يحذو أعضاء آخرين في أوبك حذو قطر. ويدعي أن كل بلدٍ يمتلك سبباً مختلفاً لاختياره البقاء في المنظمة، على الرغم من اعترافه بتركيز السلطة في أيدي بعض الأعضاء في أوبك.
وقال للجزيرة بالإنجليزية “بشكلٍ عام، قد تكون هناك أسباب كثيرة (لتكون جزءاً من أوبك) سواء أكانت تؤثر على سعر النفط أو المعروض أو المشهد السياسي في بلدك المحلي، أو لمجرد الحفاظ على وصولٍ إلى الأبحاث.”
ومع ذلك، في حين أن هذا قد يكون صحيحاً، إلا أن خطوة قطر تكشف عن وجود العديد من الأسباب لمغادرة منظمة أوبك، وذلك ببساطة للهروب من الهيمنة السعودية، وصولاً إلى السعي وراء تحقيق مصالحها المستقلة.