وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الاقتصاد في قطر

بينما تعافى الاقتصاد القطري بشكل جيّد من جائحة كوفيد-19، واكتسب أهمية كبيرة بصفته مورّد عالمي للطاقة، فلا يزال اعتماده المستمرّ على النفط والغاز والعمالة الأجنبية، يمثّل تحديًا للمستقبل. يأتي هنا هدف السياسات الحكومية السليمة، من بينها رؤية 2030، في بناء اقتصاد مستدام.

الاقتصاد في قطر
خط الأفق للعاصمة القطرية الدوحة أثناء عاصفة رملية وعمال يقفون في موقع البناء, 17 مايو 2022. KARIM JAAFAR / AFP

كتبه: علي نور الدين
حرره: إريك برينس

مقدّمة

منذ منتصف القرن التاسع عشر، تطوّرت قطر من محميّة بريطانيّة فقيرة تعتمد على صيد اللؤلؤ، لتصبح من بين أكبر الاقتصادات المنتجة للغاز والنفط. وفي الوقت الراهن، يُعتبر الاقتصاد القطري أحد أثرى اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث حلّت قطر في المرتبة الرابعة عالميًا والأولى خليجيًا وعربيًا، على مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلّي عام 2021، بحسب أرقام البنك الدولي.

ورغم جميع محاولات تنويع الاقتصاد القطري، مازالت إيرادات إنتاج النفط والغاز تمثّل أكثر من 92.4% من إيرادات الخزينة القطريّة، وفقًا لأرقام وزارة الماليّة القطريّة للربع الأوّل من عام 2023. كما يستمر هذا القطاع بالمساهمة بنحو 41% من الناتج المحلّي الإجمالي القطري، بحسب أرقام جهاز التخطيط والإحصاء القطري للعام 2022.

وبصورةٍ عامّة، وبحسب إحصاءات موقع “أويل برايس”، تمتلك قطر حاليًا ثالث أكبر كميّة مؤكّدة من احتياطات الغاز في العالم، بعد روسيا وإيران، وبحجمٍ إجمالي يناهز الـ 24.7 تريليون متر مكعّب. وتراهن قطر بشكل متزايد على التوسّع في إنتاج الغاز المُسال بالتحديد، من خلال ضخّ استثمارات إضافيّة لإنشاء محطّات تسييل جديدة وتوسعة حقل الشمال. وبذلك ترفع قدرتها الإنتاجيّة من الغاز المُسال من 81.2 مليون طن سنويًا كما هو الحال في عام 2023، إلى نحو 126 مليون طن عام 2026.

وكانت الميزانيّة العامّة القطريّة قد استفادت بشكل كبير من ارتفاع أسعار الغاز خلال العام 2022، بالتوازي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وانقطاع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا. فالموازنة القطريّة حقّقت في ذلك العام، بحسب أرقام وزارة الماليّة القطريّة، فائضًا بنحو 23.7 مليار دولار أمريكي، بزيادة قياسيّة قاربت الـ 5462% مقارنة بالفائض المُحقّق خلال العام السابق، والذي لم يتجاوز الـ 426 مليون دولار أمريكي.

وخلال العام 2022، استفاد الاقتصاد القطري من حدث استضافة كأس العالم، والذي انتظرت منه قطر عوائد مباشرة ومستقبليّة تقارب الـ 17 مليار دولار أمريكي، بحسب تقديرات ناصر الخاطر، الرئيس التنفيذي لكأس العالم FIFA قطر 2022. وبحسب تقديرات شركة ديار العقاريّة؛ ذراع الاستثمار العقاري لجهاز قطر للاستثمار، أنفقت قطر خلال الأعوام السابقة أكثر من 200 مليار دولار أمريكي استباقًا لبطولة كأس العالم. وكان الهدف من ذلك بناء مترو الدوحة ومدينة لوسيل وتوسعة مطار الدوحة وبناء ميناء حمد وإعادة بناء وسط مدينة الدوحة، بالإضافة إلى تطوير المناطق الاقتصاديّة الحرّة.

ورغم ضخامة هذا المبلغ قياسًا بطبيعة المناسبة، كان من الواضح أنّ جميع هذه المشاريع جاءت لتتكامل مع رؤية “قطر 2030“، التي استهدفت تطوير البنية التحتيّة القطريّة على المدى البعيد، ومواءمتها مع طموح قطر للتحوّل إلى وجهة سياسيّة أساسيّة على المدى البعيد.

من أزمة كورونا إلى موقع مميّز للطاقة

عانت قطر خلال العام 2020 من الانخفاضات السريعة والمفاجئة في أسعار الغاز والنفط العالميّة جرّاء تفشّي وباء كورونا، بفعل القيود التي فرضتها جميع الاقتصادات الكبرى على قطاعاتها الاقتصاديّة.

وفي النتيجة، شهدت قطر خلال ذلك العام انكماشًا اقتصاديًا بنسبة 3.6%، ما قلّص حجم الناتج المحلّي الإجمالي (بالأسعار الحاليّة) من 176.37 مليار دولار أمريكي عام 2019 إلى 144.41 مليار دولار أمريكي عام 2020. إلا أنّ الاقتصاد القطري سرعان ما حقّق عام 2021 نسبة نموّ قدّرها صندوق النقد الدولي بنحو 1.6%، نتيجة عودة أسعار مصادر الطاقة للتعافي تدريجيًا، مع رفع القيود التي فرضها تفشّي الوباء.

وفي العام التالي، عام 2022، تمّ تسجيل قفزة بازرة ومهمّة في حجم الناتج المحلّي القطري. فنتيجةً لتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانيّة، لجهة ارتفاع أسعار الغاز المُسال وتنامي الطلب عليه.

منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانيّة، اتجهت أنظار الدول الأوروبيّة إلى الغاز المُسال القطري، للتعويض عن انقطاع الغاز الروسي. كما اتّجهت أنظار الصين إلى الغاز المُسال القطري أيضًا، في ظلّ تنامي حاجتها لمصادر الطاقة بعد إلغاء سياسة “صفر كوفيد” وفك القيود عن قطاعاتها الصناعيّة. ولهذا السبب، شهدت قطر ارتفاعًا في الطلب على إنتاجها من الغاز المُسال بين عامي 2022 و2023، وهو ما انعكس على حجم الصفقات التي قامت بتوقيعها شركة قطر للطاقة مؤخّرًا.

ففي أكتوبر 2022، قامت شركة قطر للطاقة بتوقيع اتفاقيّة مع شركة كونوكو فيليبس، لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا، ولمدّة 15 سنة ابتداءً من العام 2026. وجاءت تلك الصفقة بعد أيّام قليلة من توقيع شركة قطر للطاقة عقدًا آخر، لتوريد الغاز الطبيعي المسال لمصلحة شركة سينوبك الصينيّة، ولمدّة 27 سنة.

ومن المفترض أن تسهم الاتفاقيّتان بتأمين مبيعات إنتاج حقل الشمال القطري، بعد إنجاز عمليّة توسعته التي تقوم بها قطر منذ عام 2021. وتتوقّع قطر أن تزيد إنتاجها السنوي من الغاز المُسال بنحو 49 مليون طن، بعد الانتهاء من مشروع توسعة حقل الشمال عام 2027. وهذا ما يجعل مشروع التوسعة أكبر عمليّة استثمار شهدها العالم في مجال الغاز المُسال.

وكانت شركة توتال الفرنسيّة قد دخلت بدورها على الخط التنافسي للاستفادة من الغاز القطري، بعدما تم اختيارها من قِبل قطر في شهر سبتمبر 2022 لتكون شريكًا في مشروع توسعة الجزء الجنوبي من حقل الشمال القطري، بنسبة 9.375%. وجاءت هذه الصفقة بعد أن حصلت شركة توتال في يونيو 2022 على حصّة قاربت الـ 6.25%، في مشروع توسعة الجزء الشرقي من حقل الشمال، وبموجب عقد سيسري حتّى العام 2054. وهذا ما حوّل توتال إلى شريك استراتيجي لقطر في مجال استخراج الغاز وإنتاج الغاز المُسال.

وكجزء من السباق الغربي على الغاز القطري، دخلت شركة شل أيضًا كشريك في مشروع توسعة الجزء الجنوبي من حقل الشمال، بحصّة قاربت 9.375%. مع الإشارة إلى أنّ الشركات الأجنبيّة ستحتفظ بحصّة لا تتجاوز الـ 25% من مشروع التوسعة هذا، بينما ستحتفظ شركة قطر للطاقة بالنسبة المتبقية.

في نتيجة كل هذه التطوّرات، تمكنت قطر من زيادة صادراتها من الغاز المُسال إلى حدود الـ 81.2 مليون طن خلال العام 2022، أي بزيادة نسبتها 5.4% مقارنةً بالعام السابق، ما جعلها تحتل المرتبة الأولى عالميًا على مستوى إنتاج وبيع هذه المادّة. وحقّقت قطر زيادة في مبيعات النفط والغاز إلى حدود الـ 16.29 مليار دولار أمريكي، خلال الربع الأخير من العام 2022. وذلك مقارنةً بـ 12.28 مليار دولار أمريكي خلال الفترة المماثلة من العام السابق، أي بارتفاع نسبته 33% بين الفترتين. وهذا تحديدًا ما يفسّر ارتفاع نسبة النموّ الاقتصادي عام 2022 إلى نحو 4.2%، ليصل من بعدها حجم الناتج المحلّي الإجمالي إلى 225.48 مليار دولار أمريكي.

وتسعى السلطات القطريّة إلى زيادة إنتاجها من الغاز المُسال بنسبة 54% بحلول العام 2027، عبر توقيع عقود طويلة الأجل تضمن بيع إنتاجها في المستقبل.

وبختام العام 2022، تجاوزت حصّة الغاز المُسال من إجمالي الصادرات البتروليّة القطريّة حدود الـ 48%، مقابل 34% للنفط و11% للديزل، بحسب أرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكيّة.

التضخم

وخلال الفترة الماضية، حافظت قطر على معدّلات مقبولة للتضخّم، مقارنةً بمعدّلات التضخّم العالمي. فبحسب أرقام صندوق النقد الدولي، لم يتخطّى معدّل التضخّم السنوي القطري في نهاية العام 2022 حدود الـ 5%، مقارنة بـ 8.8% على مستوى العالم، وبـ 15% على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وبينما عانت الاقتصادات العالميّة من أثر ارتفاع أسعار مصادر الطاقة على مستوى معدّلات التضخّم، تمكّنت قطر من تفادي جزء من تداعيات هذه الأزمة بفعل الدعم الحكومي الكبير الموجّه لقطاعات الطاقة والخدمات العامّة. كما استفاد المصرف المركزي من مرونته وقدرته على رفع الفوائد بشكل متكرّر وسريع خلال العام 2022، لضبط نسب التضخّم، ومجاراة ارتفاع الفوائد العالميّة، وخصوصًا الأمريكيّة.

وفي الوقت نفسه، تمكّنت قطر خلال العام 2022 من زيادة احتياطاتها بالعملات الأجنبيّة بنسبة 13%، وهو ما سمح للمصرف المركزي بالدفاع عن الاستقرار النقدي الصارم، وفق سياسة تثبيت سعر صرف الريال القطري مقابل الدولار الأمريكي، التي تنتهجها البلاد منذ العام 2001. وكما هو معلوم، تُسْهم هذه السياسة في تفادي الارتفاعات السريعة في أسعار السلع المستوردة، التي يمكن أن تنتج عن التذبذبات في سعر صرف العملة المحليّة، كما يحدث في البلدان التي تعاني من ضغوط نقديّة.

الدين العام

بين عاميّ 2015 و2019، عانت قطر من ارتفاع سريع في حجم دَيْنها العام ونسبة هذا الدين إلى الناتج المحلّي، نتيجة تواضع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالميّة في تلك السنوات، بالإضافة إلى تداعيات أزمة قطر الدبلوماسيّة مع جيرانها والحصار الذي واجهته منذ عام 2017.

وخلال عام 2020، ساهم تفشّي وباء كورونا والانخفاضات السريعة في أسعار النفط والغاز في زيادة ضغوط إضافيّة على الميزانيّة العامّة القطريّة. أدى ذلك إلى ارتفاع سريع في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي، لتصل إلى حدود الـ 72.6%، مقارنةً بـ 35.5% قبل خمس سنوات، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي. وبذلك تكون نسبة الدين العام للناتج المحلّي الإجمالي قد ارتفعت بحدود الـ 104% بين الفترتين.

ابتداءً من العام 2021، دخل الدين العام القطري مسارًا معاكسًا بشكل تام. إذ عادت الميزانيّة العامّة القطريّة في تلك السنة لتستفيد من تحسّن أسعار مصادر الطاقة، مع فتح الأسواق العالميّة، فيما بدأت قطر بطيّ صفحة خلافها مع جيرانها. ومنذ الربع الأوّل من عام 2022، عادت الميزانيّة العامّة لتستفيد مجدّدًا من الارتفاعات الإضافيّة في أسعار الغاز المُسال والطلب عليه.

لكل هذه الأسباب، بدأت نسبة الدين العام للناتج بالانخفاض من 72.6% عام 2020، إلى 45.5% خلال العام 2023، ما عكس انخفاضًا بنسبة 37% خلال هذه الأعوام الثلاثة. وبحسب وزير الماليّة القطري علي بن أحمد الكواري، سيسهم الفائض في الميزانيّة العامّة القطريّة عام 2023، المقدّر بنحو 29 مليار ريال قطري، أي ما يوازي 7.73 مليار دولار، بتخفيض حجم المديونيّة العامّة للبلاد بشكل إضافي.

التنافسيّة العالميّة والأداء الاقتصادي

خلال العام 2023، تمكّنت قطر من التقدّم إلى المرتبة 12، مقارنةً بالمرتبة 18 خلال العام الماضي، في كتاب التنافسيّة العالمي الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإداريّة.

مع الإشارة إلى أنّ هذا التقييم يستند إلى 336 معيار ومؤشّر، لقياس أداء وتنافسيّة الاقتصادات المحليّة لنحو 64 دولة. كما يستند إلى استطلاعات رأي تشمل عيّنة من مدراء الشركات ورجال الأعمال، بشأن البيئة التجاريّة والاقتصاديّة والتنظيمات والقوانين المحليّة.

وفي تفاصيل التقييم، تمكّنت قطر من تحقيق نتيجة ممتازة في محور الأداء الاقتصادي، لتحتل المرتبة الخامسة دوليًا على هذا المستوى. كما حقّقت المرتبة الرابعة في محور الكفاءة الحكوميّة، والمرتبة الـ 12 في محور كفاءة قطاع الأعمال. أمّا على مستوى محور البنية التحتيّة، فاحتلّت قطر المرتبة الـ 33.

وكانت قطر قد تمكّنت من تحقيق هذا التقدّم في الترتيب العام بفضل تحسّن مجموعة من المؤشّرات ومنها: تدنّي معدّلات البطالة، والحفاظ على معدّلات جيّدة للنموّ السكّاني، بالإضافة إلى مستويات ضرائب الدخل والاستهلاك المنخفضة.

وبحسب استطلاعات رأي كتاب التنافسيّة العالمي أيضًا، حافظت قطر عام 2023 على نتائجها المتقدّمة في معايير تكيّف السياسة الحكوميّة مع التغييرات الاقتصاديّة، وأدوات الإعانات الحكوميّة، وسياسة المصرف المركزي. كما تميّزت في نوعيّة الخدمات المصرفيّة، وجودة النقل الجوّي، واستخدام وتحليل البيانات الضخمة، وعدم إعاقة القوانين البيئيّة للقدرة التنافسيّة للأعمال، بالإضافة إلى أسعار الكهرباء للعملاء الصناعيين.

سيادة قطاع الغاز والنفط

ما زال الاقتصاد القطري يعتمد بشكل أساسي على أنشطة استخراج الغاز والنفط، التي نمت بنسبة 43% في الربع الأخير من العام 2022، مقارنةً بالعام السابق، ما رفع مساهمتها في الناتج المحلّي الإجمالي إلى حدود الـ 41%.

وخلال العام نفسه، ارتفعت مساهمة الأنشطة العقاريّة في الناتج المحلّي بنسبة 18%، كما ارتفعت مساهمة أنشطة البناء بنسبة 9%، وبذلك باتت حصّة قطاعيّ البناء والعقارات من الناتج المحلّي تُقارب الـ 17% (تتوزّع بين 12% لقطاع البناء و5% للأنشطة العقاريّة). وجاءت طفرة البناء والأنشطة العقاريّة خلال العام 2022 مدفوعةً بالتحضيرات التي سبقت تنظيم بطولة كأس العام، بما فيها تلك المرتبطة بتوسيع البنية التحتيّة وتجارة واستثمار العقارات.

ومن الواضح أنّ قطر تمكّنت خلال السنوات الماضية من تطوير قطاع الصناعات التحويليّة، الذي بات يشكّل اليوم نحو 8.5% من الناتج المحلّي الإجمالي. وجاء نموّ هذا القطاع بفعل التوسّع الكبير الذي شهدته أنشطة الصناعات الغذائيّة خلال السنوات التي تلت حصار قطر.

فخلال فترة الحصار، وجّهت الحكومة القطريّة اهتمامًا خاصًا لتطوير ودعم قطاع الصناعات الغذائيّة، كجزء من جهودها لتحقيق الأمن الغذائي. ولهذا السبب، وفي أوّل سنتين من تلك الأزمة، ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من إنتاج الألبان والأجبان من 27% إلى 106%، ومن إنتاج الدواجن من 49% إلى 123%. وفي خلال الفترة نفسها، ارتفع حجم الاستثمار في قطاع الصناعات الغذائيّة بحوالي 126%.

وفي الوقت نفسه، ساهم في نموّ قطاع الصناعات التحويليّة القدرة التنافسيّة الكبيرة التي تملكها قطر في نشاط الصناعات البتروكيماويّة، بفضل توفّر احتياطات الغاز والنفط لديها، وتوفّر فوائض ماليّة قابلة للاستثمار في هذا القطاع. وتشمل الصناعات التي تميّزت بها قطر في هذا المجال البوليمرات والبلاستيك والأوليفينات والبولي إيثيلين وغيرها.

لكن باستثناء التقدّم الملحوظ في الصناعات الغذائيّة والبتروكيماويّة، لا تشير حصص الأنشطة الاقتصاديّة من الناتج المحلّي الإجمالي إلى نجاحات قطريّة كبيرة على مستوى التنويع الاقتصادي، كما خططت السلطات منذ سنوات طويلة. إذ لا يبدو أنّ الاقتصاد القطري قد تمكّن من تطوير قطاعات إنتاجيّة أخرى وازنة، كما لم يخرج توسّع قطاع البتروكيماويّات من نطاق الاعتماد الوثيق على سلاسل التوريد المرتبطة بالنفط والغاز.

المصدر: Statista

رؤية قطر الوطنيّة 2030

رؤية قطر الوطنيّة 2030 هي استراتيجيّة التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة المركزيّة للدولة، التي ترتكز عليها قطر لصياغة خططها القطاعيّة المختلفة. وتهدف الرؤية إلى “تحويل قطر بحلول العام 2030 إلى دولة متقدّمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلاً بعد جيل”.

ولتحقيق هذا الهدف الطموح، تستهدف الرؤية توجيه قطر للتعامل مع خمسة تحديات رئيسيّة، تتمثّل في الموازنة بين الخيارات التالية:

– التوازن بين مسار التنمية، وحجم ونوعيّة العمالة الوافدة المستهدفة: ستحتاج قطر لتحديد حجم ونوعيّة العمالة المناسبة خلال السنوات المقبلة، من خلال الموازنة الدقيقة بين الأكلاف المترتّبة على حقوق واحتياجات هذه العمالة وأثرها على تركيبة المجتمع والهويّة الوطنيّة من جهة، وبين المنافع الاقتصاديّة المستهدفة من استقطاب العمالة الأجنبيّة من جهة أخرى.

– الموازنة بين النموّ المستهدف والتوسّع غير المنضبط: تستهدف الرؤية السعي إلى معدّلات نموّ منضبطة ومتماشية مع قدرة الاقتصاد على التوسّع الحقيقي، كما تحاول الحفاظ على تطلّعات واقعيّة بعيدة عن التوسّع غير المنضبط.

– الموازنة بين احتياجات الجيل الحالي وحقوق الأجيال المقبلة: تستهدف الرؤية تحقيق مبدأ التنمية المستدامة، لحماية الأجيال المقبلة من تداعيات استنزاف الموارد البتروليّة الآيلة للنضوب. وتحاول الرؤية تحقيق ذلك من خلال تنويع إيرادات الاقتصاد المحلّي، وادخار جزء من العوائد البتروليّة كاحتياطي استثماري استراتيجي.

– الموازنة بين التحديث والمحافظة على التقاليد: تطرح الرؤية إشكاليّة التعارض المحتمل بين أنماط العمل الحديثة والضغوط التنافسيّة من جهة، والعلاقات التقليديّة وأنماط الحياة المحافظة من جهة أخرى. ومن هذه الزاوية، تحاول الرؤية خلق توازن ما بين أنماط الحياة الحديثة، وقيم المجتمع المحلّي وثقافته.

– الموازنة بين مسار التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة وحماية البيئة: تتبنّى الرؤية مبدأ أساسي، يفرض الاستثمار في البدائل التي تؤدّي إلى تحسين البيئة، حيثما يتبيّن أن هناك أثمان بيئيّة للتقدّم الاقتصادي. وبشكل عام، تسعى الرؤية إلى توجيه السياسات العامّة للحد من الآثار البيئيّة، التي يمكن أن تترتّب على النموّ الاقتصادي السريع.

سوق العمل والبطالة

تتميّز قطر بانخفاض معدّلات البطالة، التي لم تتجاوز حدود الـ 0.1% خلال العام 2022، وذلك بفضل توفّر الوظائف الحكوميّة بشكل كبير للمواطنين القطريين، بالإضافة إلى الاستقدام الانتقائي للعمالة الأجنبيّة بحسب توفّر فرص العمل للقطريين في القطاع الخاص.

ومع ذلك، يمكن ملاحظة التفاوت في نسب البطالة بين الجنسين، حيث بلغت نسبة البطالة لدى الإناث خلال العام 2022 ثلاثة أضعاف مثيلتها لدى الذكور، في مؤشّر واضح لوجود تفاوت محدود في فرص التشغيل بين الجنسين. وتشير أرقام جهاز التخطيط والإحصاء إلى أنّ نسبة الإناث من الأفراد غير النشيطين اقتصاديًا تبلغ حدود الـ 71.5%، مقابل 28.5% للذكور، في حين أنّ الإناث لا يشكّلن سوى 27.3% من إجمالي المواطنين والمقيمين معًا في قطر، وفقًا لأرقام شعبة السكّان في الأمم المتحدة. مع الإشارة إلى أنّ مصطلح الأفراد غير النشيطين اقتصاديًا يشمل جميع الأفراد الذين لا يعملون، سواء بشكل اختياري أو اضطراري لعدم توفّر فرص عمل، وهو ما يختلف عن مفهوم البطالة الذي يقتصر على الذين لا يجدون فرص العمل.

نظام الكفالة

وكانت قطر قد أقدمت على خطوة كبيرة عام 2020، عبر إلغاء نظام الكفالة في سوق العمل، الذي كان يفرض على العمّال الوافدين الاستحصال على إذن من صاحب العمل في حال أرادوا تغيير جهة عملهم أو مغادرة البلاد. كما أصبحت الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تعتمد حد أدنى شامل للأجور للمقيمين والمواطنين بدون تمييز.

وفي تلك الفترة، تلقّفت منظّمة العمل الدوليّة هذه القرارات بإيجابيّة، باعتبارها “تغييرات تاريخيّة”، تمنح العمّال المزيد من الحريّة، وأصحاب العمل المزيد من الخيارات. وفي المقابل، ورغم ترحيبها بهذه القرارات، أشارت هيومن رايتس واتش إلى ضرورة تنفيذ إصلاحات إضافيّة في سوق العمل القطري، بما فيها السماح للعمّال بتشكيل النقابات والإضراب وتجديد الإقامات من دون العودة إلى صاحب العمل.

المصدر: البنك الدولي / منظّمة العمل الدوليّة

سياسات التقطير وتوطين العمالة

تعاني قطر تاريخيًا من عزوف المواطنين عن العمل في القطاع الخاص، حيث يعمل أكثر من 83% من المواطنين القطريين في وظائف القطاع العام، بحسب أرقام الهيئة العامّة للتقاعد والتأمينات الاجتماعيّة. وبما يخص وظائف القطاعين العام والخاص معًا، لا يمثّل المواطنون القطريون أكثر من 5.8% من إجمالي الأفراد الناشطين الاقتصاديين، بحسب جهاز التخطيط والإحصاء القطري، رغم أنّهم يشكّلون نحو 11% من إجمالي السكّان في الدولة.

هذا الواقع، دفع السلطات القطريّة إلى اعتماد سياسة التقطير، كجزء من رؤية قطر الوطنيّة 2030، حيث تستهدف هذه السياسة زيادة نسبة المواطنين القطريين الذين يملكون “وظائف دائمة بأهداف واضحة” بنسبة 50%.

وكجزء من هذه السياسة، أقرّ مجلس الوزراء القطري قرارًا في منتصف العام 2020، يقضي بزيادة نسبة القطريين إلى 60%، من إجمالي العاملين في الشركات المستقلّة التي تساهم فيها الدولة والشركات الخاضعة لقانون التقاعد والمعاشات، وإلى 80% من موظّفي إدارات الموارد البشريّة في تلك الشركات.

وفي فبراير 2023، وافق مجلس الوزراء القطري على مشروع قانون متعلّق بتوطين وظائف القطاع الخاص القطري. وسيسمح مشروع القانون بعد إقراره في مجلس الشورى بإعطاء مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير العمل، صلاحيّة تحديد الوظائف التي سيقتصر التعيين فيها على القطريين، في كل قطاع اقتصادي، وذلك في ضوء تطوّر خطط توطين الوظائف في كل قطاع.

وتشير أرقام وزارة العمل القطريّة إلى أنّ عدد المواطنين الذين تمّ توظيفهم في القطاع الخاص عام 2022 ارتفع بنحو 4.7 أضعاف، مقارنةً بالعام السابق. وجاءت هذه الزيادة كنتيجة لمجموعة الإجراءات التي تم تطبيقها ضمن إطار سياسة التقطير، ومنها خدمات الإرشاد المهني وربط طالبي العمل القطريين بالشركات الملتزمة بسياسة التقطير. بالإضافة إلى قرارات وتشريعات سوق العمل التي فرضت ضمانات وأصول للتعاقد مع المواطنين القطريين، بما يزيد من جاذبيّة القطاع الخاص وبيئة عمله للقطريين.

ورغم كل هذه المساعي، من الواضح أنّ قطر ستواجه تحدّيات كبيرة على مستوى سياسة التقطير على المدى البعيد، وخصوصًا في ظلّ محدوديّة أعداد المواطنين، مقارنةً بحجم الاقتصاد المحلّي، واتساع القوّة العاملة التي يحتاجها. وتجدر الإشارة إلى أنّ 89% من المقيمين في قطر هم حاليًا من غير المواطنين، بسبب حاجة سوق العمل والاقتصاد المحلّي لهذه القوّة العاملة الوافدة. كما أنّ غير القطريين مازالوا يستحوذون على 98% من وظائف القطاع الخاص، رغم الزيادات الأخيرة في أعداد القطريين العاملين في هذا القطاع، بحسب أرقام جهاز التخطيط والإحصاء.

لكن في المقابل، يمكن القول أنّ سياسة التقطير بدأت تُثمر من جهة تنمية الخبرات القطريّة المحليّة في سوق العمل، عبر زيادة انخراط القطريين في نشاط القطاع الخاص، ولو بنسبة خجولة جدًا من إجمالي القوّة العاملة. وهذه الخبرة المحليّة يمكن أن تمهّد لمزيدٍ من المشاركة القطريّة في إدارة القطاعات الاقتصاديّة المحليّة، بدل اعتماد قطر على الخبرات الأجنبيّة حصرًا لهذه الغاية.

التداعيات الاقتصاديّة للأزمة الدبلوماسيّة (2017-2021)

واجهت قطر بين الأعوام 2017 و2021 الآثار الاقتصاديّة لأزمتها الدبلوماسيّة مع المملكة العربيّة السعوديّة وحلفائها، والتي أفضت إلى فرض قطيعة سياسيّة واقتصاديّة مع هذه الدول خلال هذه الفترة. ورغم انتهاء مفاعيل هذه الأزمة، مازالت تداعياتها على الاقتصاد القطري ماثلة حتّى اليوم، وخصوصًا على مستوى خطوط الإمداد التجاري وتجارة البلاد الخارجيّة.

اقرأ المزيد عن تداعيات حصار قطر هنا:

التجارة الخارجيّة

المصدر: UN COMTRADE

المصدر: UN COMTRADE

المصدر: جهاز التخطيط والإحصاء

شهدت تجارة قطر الخارجيّة بعض التباطؤ خلال العام 2023، حيث تراجع حجم الواردات في الربع الأوّل من العام بنسبة 6.1%، فيما تراجعت الصادرات بنسبة 5.2%، مقارنةً بالفترة المماثلة من العام الماضي. وفي النتيجة، تراجع حجم الفائض في الميزان التجاري من 19 مليار دولار أمريكي في الربع الأوّل من العام 2022، إلى 18.26 مليار دولار أمريكي في الربع الأوّل من العام 2023، أي بانخفاض نسبته 3.8%، بحسب أرقام جهاز التخطيط والإحصاء القطري.

وجاء هذا الضمور في حجم الاستيراد خلال العام 2023 بفعل انقضاء فعاليّات بطولة كأس العالم، التي شهدتها قطر خلال العام السابق، وهو ما قلّص من حجم الاستهلاك داخل الدولة. أمّا التراجع في حجم الصادرات، فجاء مدفوعًا بتراجع أسعار النفط في الأسواق العالميّة.

وفي جميع الحالات، ورغم هذا التباطؤ، مازالت قطر تتمتّع بفائض جيّد في الميزان التجاري، بما يوازي نحو 8.3% من حجم الناتج المحلّي الإجمالي. إلا أنّ 87% من إجمالي الصادرات مازالت تعتمد حتّى اللحظة على صادرات السلع البتروليّة، وهو ما يطرح مجددًا إشكاليّة اعتماد الاقتصاد المحلّي المفرط على إنتاج النفط والغاز. أمّا أبرز الصادرات الأخرى، فتمثّلت في المصنوعات البلاستيكيّة والسماد والألومنيوم والمواد الكيماويّة العضويّة والأحجار الثمينة.

وحازت الماكينات على أكبر حصّة من بين أصناف السلع المستوردة، بنسبة قاربت الـ 16%، فيما حلّت المعدّات الإلكترونيّة والكهربائيّة ثانيًا بنسبة 8.5%، وجاءت السيّارات وآليّات النقل في المرتبة الثالثة بنسبة 6.6%. أمّا أبرز أصناف السلع المستوردة الأخرى، فكانت الأسلحة والذخائر والمعادن والحديد والأحجار الثمينة.

وخلال العام 2022، حازت الصين على حصّة الأسد من الصادرات القطريّة، بنسبة قاربت الـ 16%، فيما جاء ارتفاع حصّة الصين من هذه الصادرات بفعل الطلب الصيني المرتفع على الغاز والنفط القطري. كما حلّت الهند – وللسبب نفسه – في المرتبة الثانية بنسبة 12%، وكوريا الجنوبيّة ثالثًا بنسبة 11%، واليابان رابعًا بنسبة 9.9%، والمملكة المتحدة خامسًا بنسبة 6.7%. أمّا أبرز الدول المورّدة لقطر، فكانت الصين والولايات المتحدة والهند وإيطاليا وألمانيا وتركيا، التي صدّرت مجتمعةً ما يقارب الـ 54% من السلع التي استوردتها قطر خلال العام 2022.

فورة البناء

خلال السنوات العشر التي سبقت تنظيم مناسبة بطولة كأس العالم، أنفقت قطر أكثر من 200 مليار دولار أمريكي على تطوير البنية التحتيّة، وفقًا لجهاز قطر للاستثمار. ولم يقتصر هذا الإنفاق على الملاعب المخصّصة لاستضافة البطولة، بل وعلى العكس تمامًا، تركّزت غالبيّته على المشاريع التي من شأنها تعزيز البنية التحتيّة وزيادة كفاءتها ونوعيّتها وقدرتها الاستيعابيّة.

فعلى سبيل المثال، استحدثت قطر نظام مترو جديد لمدينة الدوحة، من أجل تخفيف حدّة الازدحام وحركة السير في الشوارع. ومنذ ذلك الوقت، يعمل هذا النظام على ثلاث خطوط مختلفة، من خلال 37 محطّة تصل أجزاء العاصمة ببعضها البعض. وفي قطاع النقل أيضًا، قامت قطر باستبدال ربع الحافلات بأخرى كهربائيّة، كما أضافت نظام “ترام” خاص بمدينة لوسيل والمدينة التعليميّة. أمّا مطار حمد الدولي، فجرت توسعته لتصل قدرته الاستيعابيّة إلى نحو 50 مليون مسافر سنويًا، و1,300 رحلة يوميًا.

وبعد انتهاء بطولة كأس العالم، استكملت قطر مشاريعها الطموحة لتطوير البنية التحتيّة. ففي الربع الأوّل من العام 2023، أعلنت هيئة الأشغال العامّة البدء بتنفيذ 22 مشروعًا جديدًا من مشاريع البنية التحتيّة والمباني، بتكلفة 4.1 مليار ريال قطري، أي ما يوازي 1.13 مليار دولار أمريكي. ومن المفترض أن تُضم هذه المشاريع الجديدة إلى 10 مشاريع قيد التنفيذ أساسًا، تقدّر قيمتها بنحو 3 مليارات ريال قطري، أي نحو 820 مليون دولار. وأشارت الهيئة إلى أنّها تخطط لطرح رزمة جديدة من المشاريع في الربع الثالث من العام نفسه، بناءً على الخطط الموضوعة ضمن رؤية قطر الوطنيّة 2030.

وفي العام 2017، تم افتتاح ميناء حمد الدولي في منطقة أم الحول الاقتصاديّة، ليصبح أكبر المرافئ البحريّة في منطقة الخليج، بقدرة لوجستيّة تمكّنه من استضافة أكبر السفن في العالم. وبحسب وزارة المواصلات القطريّة، يضم الميناء مخازن من الغذاء قادرة على توفير احتياطيات استراتيجيّة تكفي ثلاثة ملايين نسمة لمدّة عامين، كما يملك المرفأ قدرة استيعابيّة تكفي ضعفيّ حاجة السوق المحلّي من الاستيراد. وتتوقّع “شركة موانئ قطر” أن يتمكّن المرفأ من تخفيض كلفة الاستيراد والتصدير إلى حد كبير، وتسريع تجارة البلاد الدوليّة مع الخارج.

وكانت قطر قد افتتحت أيضًا مدينة لوسيل شمال الدوحة، بمساحة إجماليّة تقارب الـ 38 كيلومترًا مربعًا. وضمّت هذه المدينة الجديدة 19 منطقة تجاريّة وسكنيّة وترفيهيّة، وأربع جُزُر، بالإضافة إلى 22 فندقًا حاصلًا على تصنيف نجوم عالمي. وتراهن قطر على هذه المدينة كوجهة سياحيّة وترفيهيّة قادرة على استيعاب 450 ألف شخص، بين زائر ومقيم وموظّف، وهو ما سيساهم في نموّ القطاع السياحي في المستقبل.

استثمارات قطر الخارجيّة

يُعتبر جهاز قطر للاستثمار الصندوق السيادي الأساسي الذي تعتمد عليه قطر لادّخار فوائضها الماليّة الناتجة عن تصدير النفط والغاز. وتتوزّع استثمارات الصندوق جغرافيًا على أكثر من 80 بلدًا حول العالم، في قطاعات اقتصاديّة متنوّعة كالعقارات والطاقة والصناعة والتكنولوجيا وسوق الأوراق الماليّة والبنوك والسياحة والرياضة والطاقة النظيفة.

وكانت استثمارات الصندوق قد ارتفعت في نهاية الربع الأوّل من العام 2023 إلى مستوى 475 مليار دولار أمريكي، مقارنةً بـ 461 مليار دولار أمريكي في الفترة المماثلة من العام السابق. وبهذا الحجم من الاستثمارات، يأتي جهاز قطر للاستثمار في المرتبة التاسعة عالميًا، من حيث حجم الأصول، مقارنةً بالصناديق السياديّة الأخرى.

وكان الجهاز قد بدأ في السنوات الأخيرة بالبحث عن وسائل لتنويع استثماراته، بدل التركيز على الاستثمار في الأسواق الغربيّة. وهذا ما دفعه إلى افتتاح مقرّ له في سنغافورة عام 2021، لتمكينه من الوصول إلى بعض أكبر الشركات والمستثمرين في أسواق آسيا. وفي يونيو 2023، أفاد الرئيس التنفيذي للجهاز، منصور إبراهيم آل محمود، إلى أنّ الجهاز سيواصل الاستثمار في أوروبا، لكنّ الحصّة الأكبر من استثماراته ستذهب إلى الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكيّة، بالنظر إلى نوعيّة الفرص الموجودة هناك.

ولم تلقى كل استثمارات الجهاز النجاح المطلوب. فعلى سبيل المثال، في شهر يناير 2023، رفع الجهاز حصّته من أسهم مصرف كريدي سويس إلى نحو 6.8%، وسط آمال بانتعاش أعمال المصرف السويسري عبر خطّة إعادة هيكلته. إلا أنّ المصرف سرعان ما عاد لمواجهة مشاكل في السيولة في شهر مارس من العام نفسه، ما دفع السلطات السويسريّة إلى فرض بيع أسهمه لمصرف UBS بسعر منخفض جدًا قياسًا بقيمة الأسهم السوقيّة. وهذا ما كبّد جهاز قطر للاستثمار خسائر تُقَدّر بـ 330 مليون دولار أمريكي، وفقًا لتقديرات وكالة رويترز.

التحديات المستقبليّة

من الواضح أنّ قطر استفادت خلال العامين 2021 و2022 من الانتعاشة الملحوظة في أسعار مصادر الطاقة، فيما ستنعم البلاد مستقبلًا بالعائدات المتوقّعة من توسعة حقل الشمال وزيادة إنتاجه، والبدء ببيع كميات إضافيّة من الغاز المُسال بحسب العقود التي تم توقيعها بالفعل.

ومع ذلك، وفي مقابل هذه الفرص، ستستمر قطر بمواجهة جملة من التحدّيات الاقتصاديّة خلال السنوات المقبلة. فمن شأن أي أزمة ماليّة عالميّة خلال السنوات المقبلة أن تعيد الضغوط على الطلب والأسعار في أسواق الطاقة، تمامًا كما كان الحال خلال فترة تفشّي وباء كورونا. وهذا ما سيعرّض النموّ الاقتصادي والماليّة العامّة القطريّة إلى مخاطر الانتكاس من جديد، بعدما فشلت قطر حتّى العام 2023 في التخلّص من اعتمادها الشديد على قطاع النفط والغاز.

وفي الوقت نفسه، تدرك قطر أنّ ثرواتها الطبيعيّة آلية للنضوب خلال العقود المقبلة، ومن المفترض أن يتراجع قبل ذلك الطلب على هذه الثروات في ظل الاتجاه العالمي لاستخدام الطاقة النظيفة. وإذا لم تتمكّن قطر من تنمية قطاعات اقتصاديّة إنتاجيّة بديلة، فستعرّض أجيالها المقبلة لخسارة البحبوحة التي يعيشها اليوم الجيل الحالي. وحتّى العام 2023، وكما تبيّن من أرقام وبيانات التصدير، ومساهمة القطاعات الاقتصاديّة المختلفة في الناتج المحلّي، ومصادر إيرادات الميزانيّة العامّة، لم تتمكّن قطر من تحضير نفسها لهذه المهمّة.

كما سيظل الاقتصاد القطري يواجه التحديات المرتبطة بالبيئة الإقليميّة المحيطة به، المليئة بالتوتّرات الجيوسياسيّة والخضّات الأمنيّة والعسكريّة. ومع حاجة قطاع النفط والغاز لسلاسل إمداد وتصدير منتظمة ومستقرّة، ستظلّ قطر تواجه المخاطر السياسيّة، التي يمكن أن تهدد استثماراتها في قطاع الطاقة.