تقوم الرياض بتطوير البرنامج النووي السعودي رغم المخاوف بشأن انتشار الأسلحة النووية في المنطقة واحتمال حدوث سباق تسلح نووي.
خالد محمود
تعمل السعودية على تطوير برنامجها النووي في السنوات الأخيرة بهدفٍ معلن وهو تلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة. وتقوم الرياض بتطوير هذا البرنامج رغم المخاوف بشأن انتشار الأسلحة النووية في المنطقة واحتمال حدوث سباق تسلح نووي.
الجدل حول برنامج السعودية النووي عاد للبروز مع إعلان الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، عن عزم بلاده استخدام مواردها المحلية من اليورانيوم لتطوير صناعة الطاقة النووية. ولفت الأمير عبد العزيز إلى إظهار الاكتشافات الأخيرة محفظة متنوعة من اليورانيوم في المملكة، وهي أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم.
وأضاف: “هناك عاملان: الأول وجود مفاعلاتٍ نووية في المملكة التي تضمّ مفاعلين نووين كبيرين تجاريين، والثاني استغلال مواردنا من اليورانيوم”.
وتشير الدراسات الأولية إلى امتلاك السعودية ما يقدر بنحو 60 ألف طن من اليورانيوم الخام. وتخطط الرياض لاستخراج اليورانيوم الخام محليا لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الوقود النووي.
وتعتبر مسألة تخصيب اليورانيوم حساسة، إذ يمكن استخدامه في عملية إنتاج الأسلحة النووية. وتحتاج المفاعلات النووية إلى اليورانيوم المخصّب بنسبة 5 بالمئة، لكن التقنية نفسها يمكن أن تُستَخدم لتخصيب اليورانيوم بنسبٍ أعلى ترقى للاستخدام العسكري.
لا يشك البعض في أن السعودية ستنجح في تأسيس بنية تحتية لبرنامج نووي بمواردها البشرية والمالية متى ما رأت ذلك.
بدائل الطاقة
مع تنامي عدد السكان وارتفاع كميات استهلاك الكهرباء والمياه، شرعت السعودية باستخدام مصادر بديلة ومستدامة وموثوقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه.
وتسعى السعودية لإيجاد وقودٍ بديل لنموها الاقتصادي الطويل الأمد. ويأتي التطلّع السعودي لمواجهة ارتفاع الطلب على الكهرباء من نحو 45 غيغاواط في عام 2023 إلى 120 غيغاواط بحلول عام 2035. وتسعى الرياض عبر هذا التفكير لخفض الاعتماد على النفط والغاز.
ووفقا لرأي خبير اقتصاديات الطاقة أنس الحجي، فإنّ السعودية واحدةٌ من أربع دول عربية في حاجة إلى التكنولوجيا النووية بصورة سريعة قبل أن تشهد أزمة طاقة. وإلى جانب السعودية، تضم القائمة كلاً من مصر والجزائر والمغرب.
وحصنت السعودية مواقفها عبر سلسلة من الاتفاقيات الثنائية مع عدد من الدول المتخصصة في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. ومن هذه الدول دولٌ غربية وأخرى من مناطق أخرى من العالم.
ومؤخرا، بدأت السلطات السعودية بدراسة طلب إصدار رخصة لموقع المحطة النووية. وجاء ذلك بعد الانتهاء من إعداد وثائق المواصفات الفنية للمحطة، التي تم طرحها في منافسة دولية.
ويستهدف مشروع مفاعل الأبحاث النووي “تصميم وتطوير صناعة المفاعلات النووية، فضلاً عن بناء الكوادر البشرية لتشغيل مفاعلات الطاقة، ونقل تقنياتها”. ويأتي ذلك في إطار رؤية السعودية 2030 الرامية إلى تنويع مصادر الاقتصاد والطاقة المتجددة.
وتقوم مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة حاليًا بأعمال المرحلة الثالثة والأخيرة من عملية تحديد وتهيئة أول محطة للطاقة النووية تحتوي على مفاعلين. واعتمدت السعودية مفاعلات الماء الخفيف المضغوط كخيار مثالي للمفاعلات المنتجة للطاقة الكهربائية.
وتقول السعودية إنها عازمة على تطوير مزيج الطاقة الوطني المتوافق مع هذه الرؤية عبر إدخال برنامجٍ مدني للطاقة الذرية. وسيكون هذا البرنامج أحد ركائز توجه الرياض الإستراتيجي للتحول نحو التنمية المستدامة.
وتخطط السعودية لإنشاء صناعة طاقة نووية مدنية، وإنتاج قدرة 17 غيغاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2032.
السعودية التي تعتبر أكبر مصدّر للنفط في العالم، أعلنت في العام 2011 عزمها بناء 16 مفاعلا نوويا في السنوات العشرين المقبلة بكلفة تبلغ 80 مليار دولار أمريكي.
وخلال عام 2020، أظهرت صور الأقمار الصناعية مضي السعودية قدماً لاستكمال مفاعلها النووي الأول.
بيد أنّ المساعي السعودية الرامية لافتتاح أول محطة نووية في تاريخها ليست حديثة العهد. وسبق للأمير تركي الفيصل التأكيد على أن بلاده لن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم من أجل استخدامات الطاقة. وللمعلومية، فإن الفيصل عضوٌ بارز في الأسرة الحاكمة. وسبق له شغل منصب الرئيس السابق للمخابرات السعودية، بالإضافة إلى توليه لمنصب السفير السعودي في واشنطن.
وفي إحدى اللقاءات الصحفية، قال الفيصل: “يتحتم علينا القيام بكل ما هو ضروري للدفاع عن أنفسنا، بما في ذلك تطوير قنبلة نووية، لمواجهة احتمالية وجود إيران مسلحة نوويًا”.
مخاوف من البرنامج النووي الإيراني
طموح المملكة وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان لا يتوقف عند مجرد إعلان يمثّل خطوةً دعائيةً فجّة للغاية. فالمخاوف السعودية من برنامج إيران النووي ماثلة للعيان.
وقد تجد السعودية نفسها مضطرةً لحماية نفسها من النظام الإيراني النووي، إما بالحصول على سلاح ردع نووي، وإما باتفاقات تعيد توازن القوة.
ولم يتّضح بعد إلى أين سينتهي طموح المملكة. ففي عام 2018، أعلن ولي العهد السعودي أن بلاده ستطور أسلحةً نووية إذا فعلت منافستها الإقليمية إيران ذلك. وفي مقابلةٍ أجرتها معه قناة سي بي إس الأمريكية، قال ولي العهد السعودي: “إذا طوّرت إيران قنبلة نووية، سنحذو حذوها بأسرع وقت ممكن”.
ودفعت هذه التصريحات مراقبين الى التساؤل حول ما اذا كان الأمر بمثابة سباق تسلح مع إيران.
ومع وجود دول مرشحة لمساعدة السعودية نوويا، مثل باكستان والصين، تطفو على السطح التساؤلات عن كيفية نجاح السعودية في تنفيذ مشروعها الوليد وما يعنيه ذلك لمستقبل علاقتها المتوترة أصلا بالإدارة الأمريكية الحالية. كما أن التساؤلات تبرز حول كيفية نظر إسرائيل لهذا المشروع.
بعد ستة أسابيع على تعيينه، زار الجنرال عاصم منير رئيس أركان الجيش الباكستاني والوصي على أسلحتها النووية، كلاً من السعودية والإمارات. وأثار استئناف الاتصالات السعودية – الباكستانية مخاوف الأروقة الأمريكية من المضي قدماً في توجهاتٍ نووية لا يحمد عقباها.
ويعتقد سايمون هندرسون، وهو باحثٌ معروف في معهد واشنطن، بوجود “أجندة سرية” وراء هذه الزيارة. وبحسب هندرسون، فإنّ التصريحات الرسمية بشأن “التعاون العسكري والدفاعي” تنطوي على تبادل التكنولوجيا النووية والصاروخية.
وهناك افتراضٌ بأنّ مشروع “القنبلة الإسلامية” الباكستاني، الذي تموله السعودية منذ مدة طويلة، ترافق مع وعد بتزويد المملكة بالأسلحة النووية ومنظومات الإطلاق الناتجة من المشروع إذا ما احتاجت إليها في أي وقت.
النظرة الحالية تميل إلى الاعتقاد بأن باكستان قد تكون زوّدت السعوديّة بتكنولوجيا التخصيب عبر شبكة الدكتور الراحل عبد القدير خان الذي وُضع في الإقامة الجبرية عام 2004.
طموح السعودية النووي ليس وليد اللحظة على ما يبدو. وحذرت برقية للسفارة الأمريكية في عام 2009 سربها موقع ويكيليكس من أن مضي السعودية قدما في واحد من أكبر برامج الطاقة النووية في العالم دون مشاركة الولايات المتحدة يمثل “خطرا في الأجل القريب على المصالح الأمريكية”.
واعتبرت وثيقة حكومية أمريكية أن تطوير سلاح نووي سعودي أحد أخطر الاحتمالات إذا امتلكت إيران أسلحة نووية. وحذرت هذه الوثيقة من أنّ تمكّن إيران من تصنيع القنابل النووية سيؤدي إلى مضي السعودية في نفس المسار.
كما من المرجح أن تقوم السعودية بتطوير قدراتها النووية في حالة إبرام اتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة.
وفي استطلاع لآراء 167 من الخبراء الدوليين أجراه مؤخرا مركزٌ أمريكي، توقع 68% من المستطلعين أن تصبح إيران دولة مسلحة نووياً بحلول عام 2033. كما توقع 41% منهم تطوّر السعودية السلاح النووي في نفس المدّة.
وأعلنت السعودية مؤخراً دعمها جميع الجهود الدولية الرامية إلى منع إيران من حيازة سلاح نووي و”تهديد” المنطقة والعالم.
وقال المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة إن “عدم الامتثال الكامل من قبل إيران بالتزاماتها في إطار اتفاق الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يشكل تهديدا لمنظومة عدم الانتشار النووي”.
في المقابل، ثمة اتهام إيراني بمنع السعودية أيّ محاولة لمراقبة برنامجها النووي. ولا تتمتع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأدنى الصلاحيات للتحقق من برنامج السعودية النووي أو القيام بعمليات التفتيش، ما يثير مخاوف طهران بشأن وجود برنامج سري سعودي للأسلحة النووية.
البحث عن شركاء
قبل نهاية عام 2020، شرعت السعودية في تشييد منشأة لاستخراج اليورانيوم في مدينة العلا شمال غربي البلاد بمساعدة صينية.
وتقدم الشركة الروسية روساتوم نفسها كمقاول محتمل لتطوير أول مشروعات الطاقة النووية في السعودية، بعدما أعلنت عزمها المشاركة في مناقصة بناء أول محطة نووية في السعودية هناك.
في السابق، حذر أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، في رسالة إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، من أخطار برامج نووية وصاروخية سرية تقوم بها السعودية بمساعدة الصين.
ومع ذلك، هناك زاويةٌ نووية محتملة لمحادثاتٍ أجراها مؤخرا الرئيس الصيني شي جين بينغ في السعودية.
في الحديث حول بحث السعودية عن مفاعلات نووية، يتكهن البعض بمساعي محمد بن سلمان مع الصين وكوريا الجنوبية بحثا عن أفضل صفقة شاملة من حيث الطاقة والتكلفة والموثوقية.
وفقا لتقريرٍ استخباراتي، يحاول محمد بن سلمان الطامح لأن يكون للسعودية صناعةٌ نووية مدنية خاصة بها لتسهيل انتقال طاقتها، التلاعب بالمتنافسين النوويين.
لهذا منطقيٌّ جدا التكهن بمحاولة الحكومة الأمريكية، أي فعل كلّ ما في وسعها في إطار القانون الحالي والاتفاقيات الدولية، لمنع روسيا والصين من الحصول على الصفقة النووية السعودية.
وتعتبر السعودية، تقريبًا قارة، وأكبر من غرب أوروبا. وتواجه السعودية تهديدات من 360 درجة، في منطقةٍ تشكل حوالي 30% من إمدادات الطاقة في العالم، ونحو 20% من المعابر التجارية العالمية، و4% من الناتج القومي العالمي.
لهذا، قد يكون طبيعيا، من وجهة نظر براغماتية للأمير محمد بن سلمان أن تسعى السعودية ليس فقط لامتلاك الطاقة النووية، بل أيضا لحيازة سلاح نووي.
ورغم إبرام المملكة اتفاقاتٍ مع منظمات ودول دولية للتعاون في تطوير الطاقة النووية السلمية، يثير عدم وضوح البيانات وانعدام الإطار القانوني استفسارات حول سلامة وأمان برنامجها النووي.
لم يعد النظام السعودي خجولا أو محافظا كما كان عليه الحال قبل تولي ولي العهد موقعه. ولربما يبدو أكثر من أي وقت مضى مستعدا للقيام باتخاذ إجراءات سرّية ومثيرة للجدل، كما فعل فى الماضي من أجل حماية مصالحه.
لكنه في حاجة لتفنيد المزاعم بعدم اقتناع المجتمع الدولي وأمريكا بقدرة السعودية على التصرف بعقلانية بالسلاح النووي في حال امتلاكه.