وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خطّة الطاقة المتجددة في تونس: فرصٌ وتحديات

إنّ أولوية تونس تنصب على إصلاح المنظومة بأكملها والانتقال إلى الطاقة المتجددة. ومع ذلك، فإنّ الانتقال لاستخدام مصادر الطاقة البديلة يبقى رهن الاستقرار السياسي.

الطاقة المتجددة في تونس
صورة تم التقاطها في 20 أكتوبر 2022 وتظهر فيها توربينات الرياح في محلة العالية بالقرب من بنزرت، أقصى شمال تونس العاصمة والقارة الأفريقية. FETHI BELAID / AFP

نينو أورتو

تخطّط تونس لاستثمار ما يزيد عن مليار دولار في مجال الطاقة المتجددة على امتداد العامين المقبلين. وتهدف خطّة تونس إلى الحد من اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى التغلب على التحديات الهيكلية التي تواجهها.

وشهدت الآونة الأخيرة طرح تونس مناقصات ترمي للمضي قدماً بمشاريع متخصصة في الطاقة المتجددة وتسعى لإنتاج 1.7 غيغاواط محلياً بحلول عام 2025. وتشمل قائمة المناقصات كلاً من محطتي الحشة وخبنة المخصّصتين لإنتاج الطاقة الكهروضوئية. كما أن القائمة تتضمن ثمانية مشاريع إضافية يولّد كلٌّ منها 100 ميغاواط من الطاقة الشمسية. كما طرحت في المناقصة ثمانية حقول مخصصة لتوليد طاقة الرياح بقدرة 75 ميغاواط لكل منها.

وتصل قيمة المشاريع التي تندرج في إطار خطة التنمية إلى 1.6 مليار دولار أمريكي. وتهدف تونس من خلال هذه المشاريع إلى إنتاج طاقة متجددة واستعادة مكانة الدولة العالمية.

ومنذ الإطاحة بالرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي في عام 2011، تعاني تونس من أزمة اقتصادية خانقة. وتفاقمت هذه الأزمة نتيجة ما تعيشه البلاد من حالة اضطرابٍ سياسي وبسبب الصعوبات التي فرضتها عليها جائحة كورونا. وما يزال عجز تونس في ميزان الطاقة واعتمادها على الوقود الأحفوري مستمراً رغم كل الجهود المبذولة في هذا المجال.

وبما أنّ تونس بحاجة لتأمين إمدادات متواصلة من الطاقة على المدى الطويل حتى تحقق التنمية الصناعية والاقتصادية والاجتماعية، فقد اتجهت الدولة إلى الطاقة المتجددة لتكون دعامةً رئيسيةً في خطتها التنموية.

لمحة عن قطاع الطاقة التونسي

تعتبر شبكة الكهرباء الوطنية من الشبكات المتطورة، سيّما وأنها تصل إلى كلّ السكان تقريباً. وتبلغ الطاقة الإجمالية لهذه الشبكة 20,086 غيغاواط ساعي. وتدير الشركة التونسية للكهرباء والغاز الحكومية 91.7% من القدرة الإنتاجية للطاقة المقدرة. كما أنها تنتج 84% من الكهرباء في البلاد. يأتي ذلك في الوقت الذي تقوم فيه شركة قرطاج للطاقة، وهي شركة الطاقة الخاصة الوحيدة في تونس، بتوفير بقية الإنتاج عبر محطة ذات دورة مركبة بقدرة 471 ميغاواط.

وبحسب الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، فإنّ قطاع النقل يستحوذ على الحصة الأكبر من استهلاك الطاقة في البلاد. ويستهلك هذا القطاع ما نسبته 36% من إجمالي استهلاك الطاقة. ويحلّ القطاع الصناعي في المرتبة الثانية بنسبة 30%. أما باقي الاستهلاك فيتوزّع بين احتياجات السكان من الطاقة المنزلية وإمدادات المباني العامة.

وتأتي نسبة 97% من الكهرباء التونسية من الوقود الأحفوري، وتحديداً من صادرات الغاز الطبيعي الجزائرية. وللعلم، فقد مثّلت هذه الصادرات 45% من إمدادات الطاقة التونسية عام 2021. وفي الفترة الممتدة بين عامي 2010 و2021، سجّل قطاع الطاقة التونسي انخفاضاً سنوياً بنسبة 4%. في المقابل، زاد الطلب بنسبة سنوية قدرها 2% خلال الفترة نفسها. وتتكون إمدادات الطاقة الحالية من 53% من الغاز الطبيعي، و44% من المواد البترولية الخام، بينما تمثل الطاقة المتجددة 3% فقط.

انتقالٌ صعب

أسست تونس صندوق الانتقال الطاقي عام 2013 ليكون أداةً رئيسية متخصصة في تطوير مشاريع كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة. ويقوم الصندوق بدوره عبر دعم المشاريع الطويلة الأمد. وفي عام 2015، تبِع إنشاء الصندوق إقرار تشريعٍ يُلزم الحكومة بزيادة استهلاك الطاقة المتجددة.

ورغم الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة، فإن تونس ما زالت تكافح للحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد. وتشهد البلاد تأجيلاً مستمراً لكثيرٍ من البرامج والمشاريع التي تعتمد على الطاقة المتجددة بسبب العقبات القانونية وسوء الإدارة.

وتهدف حزمة الإجراءات الجديدة التي أعلنتها في يناير 2023 نائلة نويرة، وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية، إلى تسريع معدل تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة.

وتخطّط الحكومة لإلغاء دعم الطاقة للمواطنين والدفع باتجاه استعمال ألواح الطاقة الشمسية باعتبارها بديلاً فعالاً. وتهدف الحكومة بذلك لأن يشمل الانتقال الطاقي كلّاً من البيوت التونسية والشركات الخاصة، وبما يكفل رفع مستوى الوعي على المستوى العام. كما تتضمن الخطة توفير القروض للشركات الخاصة الراغبة في الانتقال إلى الطاقة المتجددة.

من جانبه، أوضح بلحسن شيبوب، مدير عام الكهرباء والانتقال الطاقي بوزارة الصناعة والمناجم والطاقة، أن قطاع الكهرباء في تونس يعاني أزمة شديدة. وبحسب شيبوب، فقد وصل عجز الكهرباء في عام 2019 إلى نحو 59%.

وقال شيبوب إنّ توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة – لا سيما الطاقة الشمسية – شهد تطوراً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، وحقّق قدرةً تتراوح ما بين 20 و30 ميغاواط سنوياً. وعلى الرغم من تأكيد مدير عام الكهرباء والانتقال الطاقي أنّ هذا التطوّر يمثّل إنجازاً كبيراً، إلا أنّه شدّد على ضرورة بذل الحكومة والمواطنين للمزيد من الجهود الكفيلة بتعزيز توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة.

المشاريع الوطنية للطاقة المتجددة

تعتمد مشاريع توليد الطاقة المتجددة من الرياح في البلاد على بناء حقولٍ كبيرة بتمويل من الاستثمارات الأجنبية. ويقع أكبر حقلين لطاقة الرياح في سيدي داود وبنزرت شمال البلاد. ويضم حقل بنزرت محطتي الماتلين وكشابطة. وتم تأسيس هاتين المحطتين في عام 2012، علماً بأنه تم العمل على توسعتهما في عام 2015 بتمويلٍ من الحكومة الإسبانية. وافتتحت الشركة التونسية للكهرباء والغاز محطة سيدي داود عام 2000 باستثمارات من صندوق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

ويُعدّ المخطط الشمسي التونسي إطار العمل الرئيسي لحقول الطاقة الكهروضوئية والشمسية. وقد انطلق المخطط عام 2009 وبدأت في تنفيذه الشركة التونسية للكهرباء والغاز للطاقات المتجددة. وتعتبر هذه الشركة من الشركات الفرعية التابعة للشركة التونسية للكهرباء والغاز، علماً بأنها مسؤولة عن إدارة الاستثمارات في الطاقة المتجددة. ويقع برنامج النهوض بالتسخين الشمسي الجماعي (بروسول) ضمن هذه المبادرات. ويعتبر هذا البرنامج مبادرةً مشتركةً بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة والوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة والشركة التونسية للكهرباء والغاز ووزارة البيئة الإيطالية. ويهدف البرنامج إلى زيادة تطوير الطاقة الشمسية من خلال الحوافز المالية.

كما يُعدّ مشروع تونور أحد المشروعات المهمة، وهو مسجلٌ في وزارة الطاقة التونسية عام 2017 وما يزال قيد الإنشاء. ويهدف المشروع إلى بناء محطة لتوليد الطاقة الديناميكية الحرارية من الشمس في الصحراء التونسية – وتحديداً في منطقة قبلي الجنوبية – ثمّ توصيل كابلات لتصدير الطاقة إلى أوروبا.

التحديات القادمة

يواجه الاستثمار الدولي في تونس عقبات عديدة. وتشمل قائمة أبرز العقبات كلاً من المشكلات التنظيمية المتعلقة بسياسات الطاقة، والافتقار إلى الأهداف، بالإضافة إلى اضطراب الإطار التنظيمي، وحالة الاحتكار التي تعيش على وقعها سوق الطاقة.

كما لا يخدم الاضطراب السياسي في البلاد الاستثمار الأجنبي المباشر الدائم والفعّال. وعلى الرغم من المحاولات المتعددة التي قامت بها المؤسسات التونسية في هذا السياق، إلا أنّ هذه المؤسسات لم تحقق أهدافها الطموحة لتنفيذ برامج طويلة الأمد تعالج التحديات الهيكلية الحالية.

ويعود السبب في ذلك إلى أنّ النخبة التونسية ما تزال عالقة في شرك سياقٍ رأسمالي الطابع يسعى إلى النمو دون حدود. ولا بد من الإشارة إلى أنّ هذا السياق الرأسمالي يغلّب الربح الخاص على المصلحة العامة. وبحسب شون سويني، وهو باحث في شبكة النقابات العمالية من أجل ديمقراطية الطاقة، فإنّ توجّه النخبة الراهن سيؤدي إلى “توسع في استهلاك الطاقة بدلاً من إحلال مصادرها المتجددة”.

ويمكن القول إنّ أولوية تونس تنصب على إصلاح المنظومة بأكملها والانتقال إلى الطاقة المتجددة، وصولاً إلى الهدف النهائي الرامي إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والحد من اعتماد البلاد على الطاقة المستوردة. ومع ذلك، فإنّ الانتقال لاستخدام مصادر الطاقة البديلة يبقى رهن الاستقرار السياسي، سيّما وأن هذا الاستقرار يرتبط بالمساواة الاقتصادية الاجتماعية والحرية السياسية.