وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عمر البرغوثي: المقاومة السلمية من خلال مقاطعة إسرائيل

يعتبر الناشط الحقوقي الفلسطيني، عمر البرغوثي، العضو المؤسس والمنسق الرئيسي لكل من الحراك المتعلق بالمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI)، بالإضافة الى كونه الناشط الرئيسي لحركة مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS).

بدأ عمر البرغوتي، المولود في قطر عام 1964، حياته العلمية في الولايات المتحدة حيث حصل على شهادة الماجستير في الهندسة الكهربائية من جامعة كولومبيا، وتزوج من امرأة فلسطينية إسرائيلية، صفاء طميش، وعليه انتقل عام 1993 إلى إسرائيل، واستطاع ان يحصل على الإقامة الدائمة في إسرائيل ويعيش في مدينة عكا، ولده ابنتان.

بدأ البرغوثي دراسة إضافية في جامعة تل أبيب عام 2009، وحصل على درجة الماجستير في الفلسفة وبدأ بدراسة الدكتوراه. عندما تم سؤاله حول دراسته في جامعة إسرائيلية على الرغم من مطالبته بالمقاطعة الأكاديمية، أجاب عمر البرغوتي بأن الفلسطينيين يحتاجون اكتساب المعرفة والعلم وهم غير قادرين على المقاطعة، وانما المطلوب من الدول الأجنبية التي لا تحتاج إسرائيل مقاطعتها.

عندما أصبح نشاط البرغوتي يؤتي ثماره في حشد المجتمعات والمؤسسات الدولية لمقاطعة إسرائيل اقتصادياً وثقافياً، وقع أكثر من 184000 إسرائيلي عريضة لطرده من الجامعة ومن إسرائيل، وهو ما لم يتم لعدم قانونية العريضة. ولكن في عام 2016 رفضت وزارة الداخلية الإسرائيلية تجديد اقامته في إسرائيل، مدعية أن البرغوتي يقضي أكثر وقته في الضفة الغربية، وعليه لم يتم تجديد وثائق سفره.

Omar Barghouti
Photo: ERIC LALMAND / BELGA / AFP

البرغوتي اعتبر عدم تجديد اقامته في إسرائيل بأنه امر سياسي بحث، ويهدف لإبعاده عن عائلته المقيمة في عكا.

بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 6 مارس 2017 على قانون يمنع منح تأشيرة دخول إلى البلاد، أو تصريح مكوث في البلاد، لمواطنين أجانب يدعون لمقاطعة إسرائيل ، بدأت إسرائيل في تشديد الخناق على عمر البرغوتي الذي يعتبر من ناحية قانونية أجنبي، كونه لا يحمل رقم هوية فلسطينية. بعد الإعلان عن فوز عمر البرغوتي بجائزة المنظمة الامريكية المستقلة Promoting Enduring Peace، بدأت إسرائيل في تشديد الخناق عليه أكثر فأكثر، فتم منعه من السفر وتوجيه تهمة التهرب الضريبي له.

في أبريل لعام 2017، رفعت المحكمة الإسرائيلية مؤقتاً حظر سفر البرغوثي، حيث استطاع السفر إلى الولايات المتحدة وتم تكريمه بجائزة غاندي للسلام في حفل أقيم في جامعة يال الامريكية، حيث أهدي البرغوتي جائزته للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام.

البحث عن نهج جديد للمقاومة الفلسطينية

عمر البرغوتي لم يكن الوحيد الذي آمن بفكر ونهج المقاومة من خلال المقاطعة الدولية. فقد استلهم الكثير من النهج الذي اتبعه نيلسون مانديلا في تجنيد دول العالم ضد نظام الفصل العنصري في دولة جنوب افريقيا. تم استخدام هذا النهج الجديد بعد فشل مفاوضات السلام في كامب ديفيد الثاني في شهر يوليو لعام 2000، واندلاع الانتفاضة الثانية في شهر سبتمبر 2000 في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي العام نفسه، بدأ بناء جدار فاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل يبلغ طوله أكثر من 700 كيلو متر، حيث تم بناء حوالي 85% من مسار الجدار ليس بمحاذاة حدود عام1967، وانما داخل الأراضي الفلسطينية. وعليه، أصدرت محكمة العدل الدولية بتاريخ 9 يوليو 2004 بعدم شرعية الجدار لأن مساره تم بناءه على ارضي فلسطينية محتلة.

اثناء عملية الدرع الواقي تم تدمير العشرات من المرافق التعليمية، وعليه بدأ نشطاء فلسطينيين وأجانب يترأسهم عمر البرغوتي، بمبادرة في بريطانيا للدعوة لمقاطعة مؤسسات البحث الإسرائيلية. تدريجياً، بدأت حملة المقاطعة الثقافية تأتِ ثمارها، وعليه أعلن المثقفون الفلسطينيون في شهر ابريل 2004 بشكل رسمي عن تأسيس الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وعليه ارتفعت وتيره المبادرات المنادية لمقاطعة إسرائيل في مجالات اخرى. أقيم أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي الأول في تورنتو في كندا في شهر مارس 2005، وهو عبارة عن سلسلة سنوية من المحاضرات والمظاهرات التي تقام في شهر مارس من كل عام. انتشرت هذه الفعاليات على مدار السنين في أكثر من 100 مدينة كبيرة حول العالم من ضمنها أمريكا الشمالية ودول الاتحاد الأوروبي ودول جنوب شرق اسيا، وجنوب افريقيا بالإضافة الى المدن الفلسطينية.

في ضوء النجاح الذي حققه المؤتمر الأول في كندا، توافقت الغالبية الساحقة لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في الوطن والشتات، بمن فيها الأحزاب والاتحادات النقابية والمهنية، والمنظمات الاهلية، على الحاجة لعمل مستمر واستراتيجي يهدف إلى تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني من خلال من خلال التركيز على نهج المقاومة السلمية، من خلال عزل إسرائيل محلياً وعربياً ودولياً على الأصعدة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية والعسكرية والسياسية. وعليه صدر بتاريخ 9 يوليو 2005 النداء الفلسطيني من قبل 171 مؤسسة أهلية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروف باسم (BDS).

اهداف حركة BDS

تتبنى حركة “بي دي اس” التي تحمل شعار “الحرية – العدالة – المساواة،” ثلاثة مبادىء أساسية تهدف في المقام الأول إلى: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة وتفكيك جدار الفصل، والاعتراف بالحقوق الأساسية لفلسطينيي الداخل، وفرض احترام وحماية حقوق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم بناء على قرار الأمم المتحدة رقم 194.

من اجل تحقيق هذه المبادىء تعمل الحركة على ترسيخ ونشر ثقافة المقاطعة كشكل أساسي من أشكال المقاومة الشعبية السلمية لنظام الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي، كما تهدف الى تطوير استراتيجيات وبرامج المقاطعة عبر الحملات وتقديم الدعم والتوجيه للناشطين إقليمياً ودولياً، بالإضافة الى تحديد وتطوير أولويات ومعايير المقاطعة.

الحركة، التي بدأت بنداء قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، أصبحت تشكل عبئاً كبيراً على إسرائيل حيث استطاعت هذه الحركة السلمية بحشد عدد كبير من المؤسسات والنقابات والشركات الدولية على وقف التعامل مع نظرائها الإسرائيليين. العديد من النقابات العمالية، مثل نقابة “يونيفر” الكندية قطعت التعامل مع الاتحاد العام لنقابات العمال الاسرائيلية (هستدروت) بتاريخ 6 سبتمبر 2017، وكانت قد سبقها “الاتحاد النرويجي لنقابات العمال الذي أعلن مقاطعة إسرائيل اقتصادياً وثقافياً وأكاديمياً، بالإضافة الى اتحاد النقابات البريطانية قد أوقف التعامل مع نظيره الإسرائيلي في 14 سبتمبر 2011.

كما أعلنت العشرات من الشركات الدولية عدم التعامل مع إسرائيل، ومنها شركة اورانج الفرنسية للاتصالات، وشركة فيتنس للمياه في هولندا، وشركة فيوليا الفرنسية للطاقة، وصندوق التقاعد الهولندي، والاتحاد الوطني البريطاني للطلبة، وجامعة دي بول الامريكية، وجامعة نورث ويسترن الامريكية، بالإضافة لبعض البلديات مثل بلدية ميركيفيل في مدينة سيدني الأسترالية.

يتجلى نجاح الحركة في تقرير للأمم المتحدة عن تراجع الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل عام 2014 بنسبة 46% عن العام الذي سبقه.

على الرغم من الجهد الكبير الذي بذلته إسرائيل في تنظيم مسابقة اليوروفيجن في مايو 2019، إلا أن المسابقة الأوروبية الأهم على مستوى الاغنية، لم تمر كما ارادت إسرائيل. فقد استطاعت حركة المقاطعة من خلال النشطاء الدوليين حث المغنيين الأوروبيين على اظهار التعاطف مع الشعب الفلسطيني، حيث رفعت الفرقة الايسلندية علم فلسطين، كما ظهر علم فلسطين في فرقة المغنية العالمية مادونا أثناء أداء أغنية “فيوتشر”.

على الرغم من ان الحكومة الإسرائيلية استطاعت تسجيل نقاط إيجابية في حربها المفتوحة ضد حركة المقاطعة بي دي إس، وذلك عندما وافق البرلمان الاتحادي الألماني (البوندستاغ) على مشروع قانون يدين حركة المقاطعة ضد إسرائيل ووصفها بأنها “معادية للسامية” ، الا أن مشروع القانون تم انتقاده على مستوى واسع سواء من المفكرين الأوروبيين او حتى بعض الإسرائيليين أنفسهم.

مما لا شك فيه أن إسم عمر البرغوتي ارتبط بشكلٍ مباشر بحركة المقاطعة ضد إسرائيل، لكن الأهم من ذلك هو أن البرغوتي استطاع أن يؤسس مع مجموعة من أقرانه نهجاً سلمي جديد، لا يهدف الى العنف والقتل، وإنما يهدف الى الضغط الدولي تجاه السياسة العنصرية التي تستخدمها إسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين.