وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

غموضٌ يلف مكان وجود سيف الإسلام القذافي بعد إطلاق سراحه

Libya-faces- Saif al-Islam Qaddafi
سيف الإسلام القذافي. Photo Shutterstock

أطلق سراح سيف الإسلام، الإبن الأكثر شهرةً للزعيم الليبي، الذي أعدم دون محاكمةٍ، معمر القذافي، في يونيو 2017 من قبل الميليشيات التي احتجزته في بلدة الزنتان الشمالية الغربية على مدى السنوات الخمس الماضية. وبعد شهر، لا تزال تُشكل شروط الإفراج عنه ومكان وجوده لغزاً.

ولدّت أنباء إطلاق سراحه مشاعر مختلطة بين الليبيين، فقد كان يأمل الكثيرون أن يتمكن سيف الإسلام من إصلاح بلدهم المضطرب، فلسنوات، تم العمل بعناية على تجميل صورته. فقد حصل سيف الإسلام على درجة الدكتوراه من كلية لندن للاقتصاد، على الرغم من مزاعم بسرقته أجزاء من أطروحته حول إضفاء الطابع الديمقراطي على مؤسسات الحوكمة العالمية. كما تحدث كثيراً عن اصلاح السجون والتحرر الاقتصادي، الذي فتن قادة العالم مثل توني بلير.

تحطمت هذه الأحلام بعد اندلاع الثورة في ليبيا عام 2011. وقف سيف الإسلام مع والده وتعهد بسحق جميع أشكال المعارضة. فمعظم الليبيين لم يغفروا له أبداً انقلابه على شعبه. ومع ذلك، ألقي القبض عليه على يد كتيبة أبو بكر الصديق، التي حُلّت اليوم، بعد أن أوشك نظام والده على الإنهيار. ومنذ ذلك الحين، انحدرت ليبيا إلى حالةٍ من الفوضى، إذ ظهرت ثلاث حكوماتٍ متنافسة، إلا أنّ الميليشيات المتناحرة من تُسيطر على البلاد حقاً.

فقد كانت كتيبة أبو بكر الصديق مجرد واحدةٍ من العديد من اللاعبين المشاركين في الصراع. وبالنسبة لهم، كان سيف الإسلام بمثابة غنيمة حرب يمكنهم الاستفادة منه لتحسين وضع الزنتان في النظام السياسي ما بعد القذافي.
وفي نهاية المطاف، انحازت الكتيبة إلى مجلس النواب الليبي، الحكومة الشرقية التي تتخذ من طبرق مقراً لها والتي انتخبت ديمقراطياً في عام 2014.

ويرفض مجلس النواب الاعتراف بالمؤتمر الوطني العام أو بالمجلس الرئاسي. فلا يتمتع الأول بصلةٍ تذكر في حين أن الأخير أنشيء لترأس حكومة الوفاق الوطني، التي أنشئت بموجب أحكام الاتفاق السياسي الليبي المدعوم من الأمم المتحدة. وبموجب هذا الاتفاق، كان من المفترض أن يكون مجلس النواب بمثابة الفرع التشريعي لحكومة الوفاق الوطني.

ولزيادة تعقيد الأمور، أفيد أنّ سيف الإسلام قد أطلق سراحه في يوليو 2016، في أعقاب عفوٍ عن السجناء السياسيين صدر عن مجلس النواب الليبي في عام 2015. بيد أنه نفيت هذه التقارير في وقتٍ لاحق. في الواقع، إذا ما تم إطلاق سراحه في يونيو 2017، فليس لديه سوى القليل من الأماكن ليلجأ إليها. فهناك أمرٌ بإعدامه إذا ما تم القبض عليه من قبل الميليشيات الموالية لأحد الحكومتين المتنافستين في العاصمة طرابلس والمؤتمر الوطني العام وحكومة الوفاق الوطني. كما أن الهروب من ليبيا فكرة غير حكيمة، إذ يمكن تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية حيث يواجه تهماً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وفي العام الماضي 2016، قال أحد الزوار المنتظمين لسيف الإسلام للمونيتور، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن العقبة الرئيسية لإطلاق سراحه تكمن في الحفاظ على سلامته. وهذا ليس بالأمر المستغرب، وبخاصة بعد أن استهدف المسلحون، بشكلٍ منهجي، موظفي الخدمة المدنية في عهد القذافي وضباط الجيش والسياسيين. والأهم من ذلك، قد يكون سيف الإسلام أكثر أهميةٍ لشخصياتٍ في مجلس النواب الليبي إذا ما تم الحفاظ على حياته.

وقالت مصادر أخرى مقرّبة من سيف الإسلام لمصطفى الفيتوري، وهو أكاديمي وصحفي حائز على جوائز صحفية، أنه يحاول حشد الدعم بين زعماء القبائل والمقاتلين الموالين لأبيه، إذ أن كثيراً منهم يعتبرونه “مخلص” ليبيا. فهو يحظى بشعبيةٍ على وجه الخصوص بين قبيلة ورفلة في منطقة بني وليد الغربية، حيث توارى عن الأنظار في أيام الثورة الحرجة قبل أن يفر إلى الجنوب.

ويقول جون بيرسون، وهو مراسلٌ أجنبي لصحيفة ذي ناشيونال الإماراتية، أنه يمكن للجيش الوطني الليبي الذي شكله الجنرال حفتر، المتحالف مع مجلس النواب، أن يستفيد من تشكيل تحالفٍ مع الميليشيات القبلية التي تدعم سيف الإسلام. ويمكن أن يشكل مثل هذا التحالف تهديداً حقيقياً للمسلحين الإسلاميين الذين يسيطرون على العاصمة والمدن الرئيسية الأخرى. وفي هذا الصدد، يرى الفيتوري أن الإفراج عن سيف الإسلام بمثابة خطوةٍ صغيرة نحو المصالحة في ليبيا. يختلف مع هذا الرأي خبراءٌ آخرون. وقال الأستاذ في جامعة طرابلس، فتحي الفاضلي، لقناة الجزيرة أن العفو الصادر عن مجلس النواب ليس له شرعية. وأضاف أن مصير سيف الإسلام يجب أن تقرره إحدى محاكم طرابلس بدلاً من المصالح السياسية لحكومةٍ منافسة.

ومع ذلك يبدو أن المحاكم تتمتع بالشرعية تماماً كحال العفو. وكحال جميع المؤسسات في العاصمة، تخضع المحاكم لتأثير الميليشيات التي تسيطر عليها، إذ تجلى هذا بكل وضوحٍ بعد أن حكم على سيف الإسلام، غيابياً، بالإعدام في يوليو 2015.

فقد ابتهج العديد من الليبين بالحكم، إلا أن جماعات حقوق الإنسان انتقدت محاكمته لعدم ملائمتها للمعايير الدولية. وقالت هيومن رايتس ووتش أن المحاكمة، التي أدانت ما مجموعه 32 مسؤولاً في عهد القذافي، فشلت في توفير تمثيل قانوني ذو دلالة للمدعى عليهم. كما منع المدعى عليهم من تقصي شهادات الشهود في المحكمة. كما أن سيف الإسلام لم يُشارك سوى في أربع جلساتٍ فقط من جلسات الاستماع الـ25 عبر وصلة فيديو مغلقة نظمتها السلطات في طرابلس.

وقال ريتشارد ديكر، مدير برنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش أن “أخبار إطلاق سراح سيف استناداً إلى قانون عفو لا تغير من حقيقة أن الأخير مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية.” داعياً كتيبة الزنتان (كتيبة أبو بكر الصديق) التي تم حلها وادعت الإفراج عنه إلى الإفصاح عن مكانه على وجه السرعة، بحد تعبيره.

ومن غير المرجح أن يتم الإفصاح عن مكان إقامته في أي وقتٍ قريب. وبدلاً من ذلك، يُضيف الإفراج عن سيف الإسلام، ببساطة، بُعداً آخر للصراع الذي شكلته حوكمة مجزأة وتحالفاتٍ متغيرة. ووصفت مارغريت فيتزجيرالد، وهي صحفية وخبيرة في الشأن الليبي، الوضع على أفضل نحوٍ عندما قالت أن ليبيا “لا تملك سياسة، بل تمتلك سياسة ميليشيات.” وفي الوقت الراهن، قد يحث الموالون للقذافي سيف الإسلام على الإنخراط في الصراع.