في 3 مارس 2017، خسر الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر محطتين رئيسيتين للنفط، ميناء السدرة النفطي وراس لانوف، لصالح كتائب دفاع بنغازي، وهي فصيلٌ إسلامي تأسس في يونيو 2016. فقد كان من الممكن أن يؤدي هذا إلى زعزعة استقرار الزعيم القوي المحتمل الجديد، الذي يرأس الجيش الموالي للحكومة في طبرق، ما لم يرد سريعاً.
ففي 14 مارس، وبعد أقل من أسبوعين على الهجوم المباغت لكتائب دفاع بنغازي، الذي تم على ما يبدو بدعمٍ من لواء المرسى، وهي ميليشيا متمرسة على صلةٍ بحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز سراج في طرابلس، تمكن الجيش الوطني الليبي من استعادة السيطرة على المحطتين النفطيتين.
وقال طارق مجريسي، المحلل والباحث الليبي المستقل لوكالة فرانس برس: “إذا ما فشل حفتر في إستعادة السيطرة على محطات النفط، كان سيتعرض منصبه لأذىً جسيم، لأن قدرته على إنجاز مصالح داعميه الأجانب كانت ستصبح موضع شك.” وأضاف، “بالاضافة إلى ذلك، وبدون السيطرة على محطات النفط، فإن عاصمته السياسية في ليبيا نفسها ستتضرر أيضاً، لأن في ليبيا من يُسيطر على مصادر النفط، يُسيطر على عائدات البلاد وبالتالي يتمتع بنفوذٌ كبير على جميع الفصائل الاخرى.”
وفي غضون ذلك، قررت الحكومة في طبرق سحب دعمها للاتفاق السياسي الليبي الذي تم التوصل إليه بوساطة الأمم المتحدة عام 2015، والذي ربطه مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، وبالتالي إضفاء الطابع الرسمي على انقساماتهم. وفي السياق الحالي، فضح الجانبان نقاط قوتهم وضعفهم، وفقاً لما ذكره مجريسي: “كان هذا الهجوم اختباراً لقيادة حفتر وقدرته على الحفاظ على مكاسبه. كما مثلت له فرصةً لتقييم أعدائه وتحديد التهديد الذي سيشكلونه في سعيه للسيطرة على الصعيد الوطني. وبعد أن استعاد السيطرة على محطات النفط، على الرغم من المساعدة التي قدمها له حلفائه الخارجيين، فعلى ما يبدو تمكنّ من تخطي الجزء الأول من هذا الاختبار.”
وأضاف: “في الواقع، أتاحت له الفرصة أيضاً لمحاولته تحويل أموال النفط لتحقيق مكاسب شخصية، كما يتضح في البيان الصادر مؤخراً عن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، أحمد المسماري، وبيان رئيس المؤسسة الوطنية الشرقية للنفط، ناجي المغربي، بأنه لم يعد قادراً على الامتثال لاتفاق الوحدة. ومع ذلك، وبالنظر إلى الطريقة التي تم فيها فقدان السيطرة على محطات النفط، مع وجود العديد من أفراد قبيلة المغاربة، الذين يسّروا استيلاءه عليها في العام الماضي، قرروا التخلي عن الجيش الوطني الليبي والاصطفاف إلى جانب جهاز حرس المنشآت النفطية الجديد (الذي يرعاه المجلس الرئاسي في طرابلس)، لا تزال هناك العديد من الأسئلة التي تطرح حول قدرة حفتر على الحفاظ على خليطٍ من التحالفات القبلية والميليشيات التي تشكل الجيش الوطني الليبي، وكذلك مدى استدامتها إذا ما استمر في التوسع.”
ومع ذلك، يستفيد حفتر من الدعم الدولي المتنامي، مثل مجلس حزب المحافظين لشؤون الشرق الأوسط، وهو مؤسسة بحثية بريطانية يمينية، التي أرسلت وفداً من السياسيين إلى ليبيا للقائه في أوائل مارس. كما يتمتع حفتر بعلاقاتٍ قوية مع روسيا، المهتمة على الأرجح بموارد النفط والغاز في البلاد. فقد أيدت روسيا إستيلاء الجيش الوطني الليبي على أربع منشآتٍ نفطية على طول الساحل الشمالي في سبتمبر 2016. وفي أواخر فبراير 2017، وقعت شركة النفط الحكومية الروسية، روزنيفت، اتفاق تعاونٍ مع المؤسسة الوطنية للنفط.
ومنذ تشكيلها، دعمت الأمم المتحدة، وبالتالي الولايات المتحدة، حكومة الوفاق الوطني، على الرغم من أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يتحدث علناً بعد عن ليبيا أو حكمها، إلى جانب كلٍ من فرنسا وايطاليا وبريطانيا. في حين تدخلت هولندا مالياً في عام 2016، ومنحت 2,28 مليون دولار لصندوقٍ دولي لتعزيز الاستقرار في البلاد. وفي أكتوبر 2016، قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إن تونس ستدعم حكومة الوفاق الوطني.
ولكن منذ أن أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة قاعدةً عسكرية في مدينة المرج الشرقية، يبدو أن حفتر، أيضاً في أكتوبر 2016، بدى أقرب إلى المساعدة العسكرية الفعلية من منافسيه، الأمر الذي يمكن أن يكون عاملاً حاسماً في عام 2017.
في الواقع، إنّ رفض حفتر قبول أي شيءٍ أقل من تغيير النظام في طرابلس، ربما قد عزز مستقبل ليبيا. ففي فبراير 2017، فشلت مصر، التي تدعم حفتر، في إقناع الجنرال الاجتماع مع رئيس الوزراء سراج لإجراء محادثاتٍ في القاهرة. وفي مقالٍ نشرته Middle East Eye، كتب ماتيا توالدو، المُختص بالشأن الليبي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، “يعتقد حفتر أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يكرر في طرابلس ما فعله في الهلال النفطي في سبتمبر: سيطرة دون إراقةٍ للدماء، تقريباً، بالاعتماد على التحالفات القبلية. فهو يعتقد أن الروس وإدارة ترامب تقفان إلى صفه. إلا أن حفتر يخطئ في تقديره لقوة كلٍ من قواته المحلية والدعم الدولي. فمحلياً، تقتصر قواته العسكرية الحقيقية تقريباً على بنغازي في الشرق، مع عددٍ قليل في الجنوب.”
وبينما كان الجيش الوطني الليبي يحاول استعادة السيطرة على محطتي سدرة وراس لانوف، اندلعت اشتباكاتٌ في طرابلس بين الميليشيات المتناحرة، مما أدى إلى إضعاف حكومة الوفاق الوطني بشكلٍ أكبر، وهي التي تكافح من أجل تهدئة العنف، خاصة بعد أن أيدت علناً هجوم كتائب دفاع بنغازي على محطات النفط.
ووفقاً لما قاله مجريسي لـFanack، “من خلال الدعم العلني والكامل للهجوم، والسعي لاستعادة الهلال النفطي، عززوا رواية حفتر بأنهم أفرادٌ لا يمكنه العمل معهم. وقد تجلى ذلك في التصويت في مجلس النواب، من قِبل كتلةٍ موالية لحفتر، بالإنسحاب من الإتفاق السياسي الليبي في أعقاب هذه الهجمات.” وأضاف “وبالتالي، بدعم الهجوم بإنتهازية دون توطيدٍ أو متابعةٍ دبلوماسية، أضعفت حكومة الوفاق الوطني موفقها في شرق ليبيا.”
ورداً على الاشتباكات، أعلن حفتر أنّ على الميليشيات إما مغادرة طرابلس أو الاستعداد لمواجهة قوات الجيش الوطني الليبي. وفي 14 مارس 2016، وردت تقارير تُفيد بأن روسيا قد نشرت على ما يبدو قواتٍ خاصة في قاعدةٍ جوية في غرب مصر بالقرب من الحدود مع ليبيا. وقال مسؤولون دبلوماسيون أن أي مشاركةٍ روسية قد تكون محاولةً لدعم حفتر، بيد أن روسيا نفت ذلك.
ومع ذلك، فإن ألعاب النفوذ هذه تغفل عن جانبٍ هام من جوانب الصراع: مصلحة الشعب. إن إنهاء الاتفاق السياسي الليبي سيعني المزيد من عدم الاستقرار في البلاد. وكما وضح مجريسي “على الرغم من تعرض [الإتفاق] للإنتقاد دوماً، إلا أنه وفر هيكلاً ومساراً سياسياً واضحاً لليبيا، كما حافظ على وحدة مؤسساته المالية والنفطية، التي كانت ذات قيمة في قدرتها على الوفاء بديون البلاد، مما ساعد في الحفاظ على وحدة البلاد.” وأضاف “وبالنظر إلى التطورات الأخيرة التي حققتها المؤسسة الوطنية الشرقية للنفط بالتحكم الحصري في محطات النفط، فضلاً عن مواصلة تجنيد القوات وتصاعد الصراعات في جميع أنحاء البلاد، فمن المرجح أن تؤدي نهاية [الإتفاق] إلى مرحلةٍ يتصاعد فيها القتال والفوضى والتي سيحاول من خلالها كل فصيلٍ خلق حقائق على الارض من شأنها أن تعزز قوته ونفوذه قبل بدء الجولة المقبلة من المفاوضات السياسية.”
وأضافت ناديا رمضان، وهي باحثة في السوق الليبية، بقولها “ببساطة، أمننا واقتصادنا يتدهوران. لا يمكننا الاستمرار في هذه الحرب الأهلية، التي لا تجلب سوى الفوضى لحياة الليبيين العاديين اليومية. وما لم يكن هناك إتفاقٌ سياسي، سيزداد الوضع سوءاً. وما لم يتم التوصل إلى حلٍ سياسي ومواصلة الحرب الأهلية في ليبيا، فلا يوجد سبب يدعو إلى عدم عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في البلاد.”