خالد محمود
في أسبوع واحد، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس المكنى أبو مازن، سعيدا بما يكفي لتلقي اتصالات هاتفية متزامنة من واشنطن وموسكو.
اتصالات أمريكية وروسية
بالنسبة لرجل في مثل صحة الرئيس وعمره البالغ 86 عاماً، فإن استمرار هاتفه في الرنين يعني أنه ما زال محط اهتمام دولي، خاصة مع تصاعد التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنه مطالب مع ذلك بالبحث عن وريث لخلافته وإعادة ترتيب بيت القيادة الفلسطينية من الداخل وسط اعتراضات الخصوم.
قال البيان الرسمي للكرملين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقش هاتفيا مع عباس القضايا المتعلقة بالاستيطان في الشرق الأوسط في سياق التوترات المتصاعدة على الضفة الغربية لنهر الأردن والقدس الشرقية. وأعربا عن أملهما في ألا يتطور ذلك إلى مواجهة كبرى بين فلسطين وإسرائيل، وأكدا على ضرورة إعادة إطلاق حوار مباشر بين فلسطين وإسرائيل، جزئيًا، تحت رعاية الرباعية للوسطاء الدوليين.
قال الكرملين أيضا أنهما تحدثا بشأن “المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا”.
بعد ساعات من هذا الاتصال، تحدث وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن، وفقا لبيان وزعه نيد برايس المتحدث الرسمي باسمه مع عباس بشأن التوترات المتزايدة وأعمال العنف الأخيرة في إسرائيل والضفة الغربية وغزة، بما في ذلك في الحرم الشريف/جبل الهيكل في القدس.
وكان برايس قد أعلن أن مسؤولين أمريكيين كبارا أجروا اتصالات هاتفية مع الإسرائيليين والفلسطينيين وممثلين عرب في المنطقة سعيا لعدم تصعيد التوتر في القدس.
كما أوفدت واشنطن على نحو عاجل، وفدا يضم القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى يائيل لمبرت ونائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية هادي عمرو، إلى الأردن وإسرائيل والضفة الغربية ومصر، لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين هناك لمناقشة الحد من التوترات وإنهاء دائرة العنف في إسرائيل، الضفة الغربية وقطاع غزة.
صحيح أن الأمر هنا وتحديدا، يتعلق بالاضطرابات التي تجري على الأرض المحتلة، لكن جانبا منه يكشف أيضا أن أبو مازن مازال لاعبا رئيسيا على الساحة الفلسطينية، حتى وإن كان ثمة من يسعى لتغييره والإطاحة به من منصبه الذي يتولاه منذ انتُخب عام 2005 ليحل محل الراحل عرفات رئيسا للسلطة الفلسطينية.
حديث الخلافة
الحديث عن خلافة عباس الذي يتولى السلطة منذ 18 عاما بعد وفاة عرفات لم يعد على ما يبدو من المحرمات أو التابوهات الفلسطينية.
ومع اقتراب المؤتمر الثامن لحركة فتح، الذي تأجل انعقاده بقرار من عباس النصف الثاني من مايو 2022، بعد أن كان مقررا عقده في مارس الماضي، يخطو حسين الشيخ وماجد فرج، خطوات إضافية نحو إحكام سيطرتهما على المناصب العليا في الحركة والمنظّمة، تمهيداً لخلافة عباس، علما بأنه يتردد أن لديهما دعما إسرائيليا وأمريكيا لتسلّم دفّة السلطة بعد انتهاء مرحلة عباس.
الحديث عن خلافة عباس، الكبير السن الذي عانى من قبل من مشكلات في القلب ويرأس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية التي لها صلاحيات محدودة للحكم الذاتي في الضفة الغربية المحتلة، ومواقع قيادية أخرى كونه القائد الأعلى للأجهزة الأمنية الفلسطينية، وقائد حركة فتح ليس جديدا، فقد تكرر في السابق أو بالأحرى منذ زمن طويل.
في فبراير 2022، اجتمع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو أحد الكيانات الرئيسية في عملية صنع القرار الفلسطيني، للمرة الأولى فيما يقرب من أربع سنوات للبحث عن مرشحين عباس البالغ من العمر 86 عاما.
في المقابل، تشترط حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي تنفيذ عباس إصلاحات متعلقة بتقاسم السلطة أولا. واتهمته الحركتان بأنه لم يبذل ما يكفي لرأب الانقسامات الفلسطينية.
وفشلت محاولات في أن يعين المجلس المركزي، المؤلف من 141 عضوا، اثنين من أبرز من يثق بهم عباس (الشيخ وفتوح) في منصبين بارزين، بما يضعهما عمليا في القائمة المختصرة للمرشحين لخلافته.
قائمة محتملة
يعتقد بعض المحللين أن هناك قائمة طويلة لخلافة أبو مازن، وسط حديث عن صراع داخلي، وقالوا إن عباس يريد أن يشغل الشيخ، البالغ من العمر 61 عاما وهو من الشخصيات المحورية حاليا في التواصل مع إسرائيل والولايات المتحدة، منصب الأمين العام للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية خلفا للراحل صائب عريقات، ويقال إن لديه حظوة إقليمية ودولية.
واختار عباس فتوح (73 عاما)، وهو أيضا من مساعديه، رئيسا للمجلس الوطني الفلسطيني، وهو أعلى هيئة لصنع القرار في منظمة التحرير الفلسطينية.
بيد أن ذلك التصعيد لا يعني بالضرورة أنه تم حسم معركة الخلافة، حيث كشفت معلومات عن أن عدداً من كبار مسؤولي فتح والمخضرمين الذين اعتبروا أنفسهم خلفاء محتملين “غاضبون” من قرار عباس بتعزيز مكانة الشيخ وفرج.
في المقابل، هناك من يرى أنه لا إجماع باللجنة المركزية لحركة “فتح”، لهذا الترشيح، وثمة تسريبات عن نصائح أمريكية وإسرائيلية لعباس ربيع العام الماضي، بعدم إجراء أي انتخابات تشريعية أو رئاسية على اعتبار أنه من الأفضل أن يعكف على “ترتيب البيت الفلسطيني، تجنباً لأي فوضى تتعلق بخلافته وترتيب النظام الفلسطيني المتهالك”.
عباس الذي قام بتهميش محمود العالول نائب رئيس حركة فتح وجبريل الرجوب أمين عام اللجنة المركزية لحركة فتح، وأبعدهما عن عملية صنع القرار في قيادة رام الله، لم يجر انتخابات رئاسية منذ 2005، لكنه مع ذلك لا زال يحمل مسؤولية الانقسام الحالي على حماس.
الشكوك والإرهاصات
يرى الباحث محمد جمعة من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن هناك ما يصفه حالة عدم اليقين إزاء معضلة خلافة عباس، بسبب غياب الشخص الذي يمكن أن يحمل “رقم 2” ويسلم الجميع بجدارته وأهليته لقيادة النظام السياسي الفلسطيني في مرحلة ما بعد أبو مازن.
هذه الحالة تطرح سيناريوهات محتملة، لكنها مختلفة، منها الإخفاق (فلسطينيا وعربيا) في تأمين عملية انتقال آمن للسلطة بعد أبو مازن، واندلاع صراع ربما ينتهي الأمر إلى الفوضى في الضفة الغربية، ولجوء إسرائيل إلى الخطة (ب) بتمكين حكم العشائر والقبائل المحلية في الضفة، مع تزايد نفوذ حماس في الساحة الفلسطينية.
أما السيناريو الآخر فهو النجاح في تأمين عملية انتقال آمن للسلطة بعد أبو مازن، يقطع الطريق على أي صراعات داخل فتح وفريق منظمة التحرير، شريطة تحريك ملف المصالحة.
ما يزيد سوء الوضع، هو إحجام أبو مازن طيلة السنوات التي تلت صعوده للسلطة عن تعيين نائب له.
في هذا الإطار يقدم محمد دحلان الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، نفسه كأحد المرشحين لخلافة أبو مازن، الذي لطالما ارتفعت الأصوات داخل فتح لمطالبته بتعيين نائب له يمكن أن يخلفه في رئاسة السلطة الفلسطينية.
الموقف الإسرائيلي
يطرح الإعلام الإسرائيلي تساؤلات عما إذا كان دحلان المقيم في الإمارات ولعب دورا رئيسيا في إبرام اتفاق تطبيعها مع إسرائيل ويظهر اسمه دائما يظهر عندما تثار قضية خلافة عباس، سيكون هو الخليفة المحتمل لعباس، باعتباره خصما لدودا لحركة حماس.
ورغم تمتع مروان البرغوثي الذي يمضي عقوبة بالسجن المؤبّد لضلوعه في هجمات على أهداف إسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية، بالشعبية الكافية لمواجهة التحدّي الذي يشكّله دحلان، باعتباره الشخصية الأكثر شعبية في أوساط الرأي العام الفلسطيني، وتمتّعه بدعم واسع داخل حركة فتح، فإن بقاءه في السجن ورفض إسرائيل إطلاق سراحه، يجعله خارج قائمة المرشحين.
ويتفق مع هذا الرأي وجهة نظر تعتقد أنه “من المستبعد أن تفرج إسرائيل عن البرغوثي في حال فوزه في أية انتخابات قادمة”، علما بأنه سعى بشكل جدي للمنافسة في انتخابات عام 2005، ويعتقد وأنصاره أنه “الأقدر على خلافة نهج ياسر عرفات وإدارة التناقضات المختلفة داخل حركة فتح”.
ومع أن تقديرا للموقف يرى أنه “بينما يقترب محمود عباس من استنفاد عامه السابع والثمانين، وتتآكل شعبيته الدستورية والشعبية مع ترحيلين متتالين للانتخابات، فإنه يحذر في المقابل من أن حضوره في ترتيبات الخلافة يمثل ضمانة كبيرة لنجاحها، وأن غيابه المفاجئ قبل استكمالها، والإمساك بكل مفاصلها، قد يؤدي إلى قلب الطاولة”.
حوار قديم
بالنسبة لي كصحفي، لا زلت أتذكر هذا الحوار الذي أجريته قبل سنوات طويلة مع أبو مازن بأحد فنادق القاهرة، حين كان يحمل لقب ومنصب الرجل الثاني في السلطة الفلسطينية، كنائب لعرفات ويمارس مهام عمله في السابق من تونس.
آنذاك، ولأن توقيت الحديث تصادف مع سلسلة الاغتيالات التي يعتقد أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية نفذتها ضد “أباء” وقيادات المنظمة الفلسطينية، كان طبيعيا أن أسأل الرجل الجالس أمامي برفقة حراسه، “حسنا، متى كانت آخر محاولة إسرائيلية لاغتيالك؟!!”.
الإجابة الفورية، كانت مذهلة، حيث قال أبو مازن إنه لم تحدث أي محاولة إسرائيلية على الإطلاق لتصفيته واغتياله، فما كان مني إلا أن قلت بعفوية زائدة واستغراب معا، “أبو مازن، ألا تعتقد أن رأسك لا تساوى ثمن رصاصة إسرائيلية؟”.
كان هذا هو العنوان الذي اخترته لذلك الحديث الذي نشرته صحيفة العرب اللندنية، التي عملت بها لسنوات قبل رحيل مؤسسها الليبي الراحل أحمد الصالحين الهوني.
ربما استفز السؤال أحد حراس أبو مازن بما يكفي وقتها، لكي يتلمس سلاحه، بينما رسم الأخير ابتسامة محيرة على وجهه، لا زلت لم أفهم مغزاها حتى الآن، ولربما أيضا لن يفهمها أيضا خليفته المقبل أو المحتمل، بغض النظر عن اسمه واتجاهه!!
قد يكون الرئيس الفلسطيني نفسه لم يحسم الجدل حول خليفته، لكنه في كل الأحوال يظل في تقديري الشخصي “المنتصر مؤقتا، والمهزوم الدائم”، في متاهة البحث عن وريث لتركة صعبة، في ظل الانقسام الفلسطيني الأبدي ما بين فتح وحماس.