أطلق سراح المحامية المدافعة عن حقوق الإنسان والناشطة ماهينور المصري، 33 عاماً، في 18 يوليو 2021. وكان قد قُبض على المصري في 22 سبتمبر 2019 في القاهرة، بعد يومين من اندلاع احتجاجاتٍ نادرة ضد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووسط موجة غير مسبوقة من اعتقالات المحتجين والمعارضين المحتملين أو المفترضين.
احتجزت المصري على ذمة قضيةٍ بتهمة مساعدة منظمة إرهابية ونشر أخبار كاذبة- وهي اتهامات شائعة في عمليات الاعتقال ذات الدوافع السياسية – في قضية أُعيد إحياءها تتعلق باحتجاجات حادث القطار المميت في فبراير 2019 في محطة القاهرة المركزية.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها سجن المصري، حيث تم احتجازها للمرة الأولى في عام 2008 في مركز للشرطة في مسقط رأسها، مدينة الإسكندرية. انخرطت ماهينور بالسياسة في سنٍ مبكرة، وشاركت في الاحتجاجات الطلابية في المدرسة والجامعة في الإسكندرية قبل الانضمام إلى حركة كفاية ضد الرئيس السابق حسني مبارك في عام 2005.
في مايو 2014، حكم عليها بالسجن لمدة عامين لتنظيمها مظاهرة غير مصرح بها أثناء إعادة محاكمة ضباط الشرطة المسؤولين عن وفاة السجين خالد سعيد. تم تخفيض العقوبة إلى ستة أشهر فيما بعد وتم تعليقها في سبتمبر من ذلك العام، وبعد ذلك تم إطلاق سراحها.
أثناء احتجازها، كتبت خطاباً مفتوحاً بعنوان “مستمرين،” متعهدةً بمواصلة القتال حتى يتم إلغاء قانون الاحتجاج المثير للجدل الصادر في نوفمبر 2013 – والذي ألغى فعلياً حق الاحتجاج. كما أشارت في رسالتها أيضاً إلى الاختلافات الطبقية التي تحدد معاملة الفرد حتى في السجن، لتنهي رسالتها بالقول: “فليسقط هذا المجتمع الطبقي.”
حازت على جائزة لودوفيك تراريو لحقوق الإنسان في عام 2014، وهي لا تزال في السجن.
بعد أقل من عام، تم سجنها مرة أخرى، عندما حكمت عليها محكمة في الإسكندرية بالسجن لمدة 15 شهراً في مايو 2015 بتهمة “اقتحام” مركز للشرطة في الإسكندرية في عام 2013، حيث شاركت في اعتصامٍ خارج المركز. وبعد قضاء مدة العقوبة، تم إطلاق سراحها في أغسطس 2016.
في مقابلة مع المونيتور، وصفت ظروف احتجازها حيث ذكرت بالتفصيل العنبر الصغير الذي لم يحتوي أي أسرة وتتقاسمه 18 سجينة، والافتقار إلى النظافة والرعاية الطبية والتهوية وانقطاع المياه بشكل متكرر، وبحسب قولها “لا تسير الأمور في السجن وفق القانون، بل وفقاً لممارسات آمر السجن.”
تم اعتقالها مجدداً في نوفمبر 2017 بعد احتجاجها في الإسكندرية ضد نقل مُلكية الجزيرتين على البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية. تلقت في البداية حكماً بالسجن لمدة عامين، بيد أن محكمة الاستئناف ألغت الحكم وبرأتها في يناير 2018.
ومع ذلك، يبدو أن دوافعها إنسانية وليست سياسية بالدرجة الأولى، فقد دأبت على مساعدة اللاجئين السوريين المحتجزين بعد الإطاحة بمحمد مرسي في عام 2013، ودفعت الكفالة للمحتجزين من جيبها الخاص.
وهي عضو في حركة الاشتراكيين الثوريين، وهي جماعة معارضة يسارية متطرفة نشأت في التسعينيات وبقيت حركة سرية إلى حدٍ كبير حتى عام 2011. لعبت دوراً مهماً في حشد المتظاهرين للاحتجاجات التي أطاحت بمبارك في يناير 2011، ولكن – كحال العديد من الحركات السياسية الليبرالية واليسارية الأخرى – تم تهميشها بشكلٍ كبير في عهد السيسي.
وفي مقابلةٍ لها مع موقع أوبن ديموكراسي، وصفت المصري ثورة 2011 بأنها “واحدة من أفضل اللحظات التي عاشها الشعب المصري قط.”
ومن بين الأعضاء البارزين في حركة الاشتراكيين الثوريين المحامي هيثم محمدين، الذي تعرض للاعتقال عدة مرات ويقبع حالياً خلف القضبان، وكذلك كمال خليل، حيث تم اعتقال الأخير في سبتمبر، قبل أيامٍ من اعتقال المصري، ويُحاكم في نفس القضية.
حصل آخر إعتقالٍ للمصري أمام محكمةٍ في القاهرة، حيث كان من المقرر أن تقدم الدعم القانوني للأشخاص الذين قُبض عليهم في أعقاب الاحتجاجات المناهضة للحكومة في 20 سبتمبر. ردت قوات الأمن بشدة على هذه الاحتجاجات الصغيرة ولكن المهمة، التي وقعت في مدنٍ مختلفة بما في ذلك القاهرة والسويس والمحلة والإسكندرية.
فقد قالت منظمة العفو الدولية إنه تم إلقاء القبض على حوالي 3000 شخص على مدار ثلاثة أسابيع، وفقاً للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من أجل منع المزيد من الاحتجاجات، بما في ذلك أكثر من 100 قاصر. يُشكل هذا أكبر حملة اعتقالات منذ تولي السيسي الرئاسة في يونيو 2014، حيث تجري الشرطة عمليات تفتيش في وسط القاهرة، وخاصة على الشباب، لتفتيش هواتفهم بحثاً عن محتوى سياسي حساس. وشاهد شهود عيان أشخاصاً يُقبض عليهم أثناء عمليات التفتيش هذه.
اعتبرت المصري أول من يتم اعتقالها من بين عددٍ من النشطاء البارزين والمحامين والمعارضين الذين تعرضوا للاعتقال منذ الاحتجاجات. ومن بين هؤلاء زعيم حزب الكرامة عبد العزيز الحسيني؛ وعضو في حزب الدستور والصحافي خالد داود؛ والأساتذة في جامعة القاهرة حسن نافعة وحازم حسني، حيث عمل الأخير كمتحدثٍ باسم المرشح الرئاسي المعتقل سامي عنان في عام 2018؛ والناشط المخضرم علاء عبد الفتاح، الذي كان تحت المراقبة بعد أن قضى عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة الاحتجاج غير القانوني؛ ومحاميه محمد الباقر، الذي اعتقل عندما كان ينتظر في مكتب المدعي العام لحضور استجواب موكله.
كان آخر الناشطين البارزين الذين تم اعتقالهم يومي 12 و13 أكتوبر، المؤسسة المشاركة لحركة شباب 6 أبريل، إسراء عبد الفتاح ومسؤول حزب العيش والحرية عبد الله السعيد.
وعلى الرغم من تقلص مساحة المعارضة السياسية في مصر واعتقالاتها السابقة، ظلت المصري نشطة سياسياً وواصلت دعم المعتقلين (السياسيين) بصفتها محامية.
وقالت إحدى صديقاتها لنا في فَنَك، “ماهينور واحدة من أقوى الأشخاص الذين قابلتهم وأكثرهم مثابرةً، تحمل قلباً كبيراً يدفعها إلى فعل المناسب لها وللآخرين.”
في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2018، شاركت المصري بحملة خالد علي الإنتخابية كمرشحٍ للرئاسة، بيد أنه انسحب من السباق الرئاسي متحدثاً عن مخاوفه بشأن سلامة فريقه والمنافسة غير العادلة. تم إلقاء القبض على العديد من المرشحين المحتملين الآخرين أو تخويفهم بالانسحاب، ولم يتبق سوى مؤيد قوي للسيسي لخوض الانتخابات ضد الرئيس باعتباره مجرد دُمية.
وبحسب ما قالته المصري لموقع أوبن ديموكراسيفي مقابلةٍ عام 2018، “لا يمكن تسمية هذا بالانتخابات، بل استفتاء. لهذا السبب سأقاطعها. لا يوجد مرشح آخر سوى السيسي.”
وفي نفس المقابلة، اعترفت بالأخطاء التي ارتكبت في ثورة 2011، إذ قالت “نجح الشعب المصري بشكلٍ رائع في التعبئة، ولكن بعد التفكير بما توجب فعله فيما بعد، كان الناس تائهون. لم يكن لدينا رؤية واحدة واضحة: كنا منقسمين.”
كما تنبأت بحدوث شيء مماثل للاحتجاجات الأخيرة وحملة القمع اللاحقة، “سئم [الشعب] من النظام. يريدون المضي قدماً،” مضيفة أنه عندما يتحرك الشعب، “سيكون رد فعل الدولة، دون أدنى شك، عنيفاً ووحشياً.”
واختتمت حديثها بالأمل في أن التغيير السياسي يمكن أن يحدث وسيحدث، إلا أن تحقيق ذلك سيكون مُكلفاً: “سندفع حياتنا دفاعاً عن الأشياء التي نؤمن بها. مجتمعٌ جديد ببُنية اجتماعية جديدة آتٍ.”
وكما تقول صديقتها: “أولئك المثابرون سيتعرضون للاضطهاد باستمرار.”