“أكتب في مدونتي وفي كُتبي عن حياتي: ماذا يعني أن تكوني إمرأة، مسلمة، تعيش في ظل الاحتلال، ومُطلقة. لا أعتبر هذه مصاعب جمّة، ما عدا الاحتلال. إلا أن هذه العوامل مجتمعة تُشكل مشقة تماماً كقسوة الاحتلال نفسه. إنه المجتمع الأبوي الذي أعيش فيه ما يُحملني عبء كوني إمرأة مسلمة مطلقة.”
“أريد أن أكون متحررة. أن أكون حرة. الحرية أمرٌ تختاره، ينبع من الداخل. فأنا لا أرتدي الحجاب كما أن لديّ صديق. ستكون حياتي طبيعية تماماً في مكانٍ آخر ولكن ليس في فلسطين.”
نادية حرحش، كاتبةٌ فلسطينية تُقيم في القدس الشرقية. تمتلك مدونة عنونتها بـ”Living in the Shoes of a Woman،” حيث تلقى اهتماماً واسعاً في وطنها، لأسباب ليس أقلها تغطيتها للسياسة الفلسطينية. كما تنشر مشاركاتها على مواقع التواصل الاجتماعي على المواقع الالكترونية لهافينغتون بوست الإنجليزية والعربية.
“كنت متزوجة لمدة 13 عاماً. فأنا إنسانة طبيعية. يحصل الناس على الطلاق. ولكن في حالتي، كان الأمر يشبه الطلاق من المجتمع، من جميع من أعرفهم ومن لا أعرفهم. كنت آمل فقط أن تصبح حياتنا أفضل لكلينا. ولكن فجأة، تدخل الجميع. الطلاق يهدد تركيب مجتمعنا.”
“هذا مشابهٌ تماماً لثقافة عصابات المافيا: تبدو الأمور جيدة من الخارج، ولكن على أرض الواقع، هدد طلاقي أمي وأختي وصديقاتي. يعاني الجميع من مشاكل في حياتهم الزوجية: الأشخاص يخونون، والنساء يُضربنّ. ولكن بدلاً من أن يقدموا ليّ الدعم، بدأت النساء من أفراد عائلتي وصديقاتي بمهاجمتي. جعلتهن يعكسن حياتهنّ. كشفت النقاب عن الحقيقة. خشيت أمي أن ترغب شقيقتي أيضاً في الطلاق من زوجها، وماذا سيقول الناس؟ ومع ذلك، أمضيت قُدماً في قضية الطلاق، ففي النهاية، هذه حياتي.”
للحصول على الطلاق، كان بإمكان حرحش الذهاب إلى محكمة شرعية في إسرائيل. “ولكن عوضاً عن ذلك أردت الذهاب إلى محكمة أسرة عادية، بقضاةٍ يهود. في المحكمة، تعاملوا معي كفلسطينية وليس كإنسانة. كان المحامي اليهودي لطليقي عنصرياً: جادل بأن سلوكي لم يكن طبيعياً بالنسبة لإمرأة عربية. على سبيل المثال: لديّ قطة أعتني بها، كما أردت أن تكون ابنتي عضواً في فريق السباحة الأولمبي الاسرائيلي. سألني، كيف لي تربية الأطفال وأنا أقرأ لشوبنهاور؟ تحدث القاضي والمحامي، وهما من المستعمرين الأشكناز، بالعبرية مع بعضهما البعض. وعلى ما يبدو، كان هذا أقوى من الرابطة الأنثوية بيني وبين القاضي. حتى أن طليقي أحضر صديقته الجديدة للشهادة، بالرغم أنه من المفترض أن يكون رجلاً تقليدياً. والقاضي قبل هذا، لأنه أمرٌ طبيعي لرجلٍ عربي.”
توقفت حرحش لبرهة. على شرفة فندق القدس الشهير في القدس الشرقية، مُلتقى الفلسطينيين الأكثر تحرراً، لا يجذب كعبها العالي، وحقيبتها العنابية المصنوعة من جلد الثعبان، وأظافرها القرمزية، الأنظار هنا.
“نشأت كمسلمة، في مدينة القدس وما حولها. آنذاك، كنت متدينة. لا زلت أعتبر نفسي إنسانة مؤمنة، إلا أنني لا أتبّع الشعائر. يوجد بداخلي مسلمة صالحة. وبالتأكيد يُشير الناس إليّ لعدم ارتدائي الحجاب. إلا أنني أتبع إسلام الرسول والقرآن، وليس الإسلام الذي فسره الفقهاء فيما بعد. درست الفلسفة الإسلامية، وتخصصت في قضايا المرأة. الأسئلة التي كانت تراودني مثل: هل الإسلام شوفينيّ؟ هل يُهين المرأة؟ وأنا أقول: أعرف عدوك. أستطيع أن أثبت أني لست كافرة.”
“من المُخيف أن يُقتل الناس بسبب ما يؤمنون به. فبعض الأصوليين لا يتقبلونني لأني إمرأة. ففي الأردن، قُتل رسام كاريكاتور. فعلى ما يبدو، رسوم الكاريكاتور خطٌ أحمر. والشيء المُقلق هو: أن الناس يقولون أنه يستحق القتل. هذه عقلية داعش. نربي أولادنا على الاعتقاد أن عشيرتهم أو قبيلتهم أفضل من البقية.”
كناشطة، تُدرك حرحش سُخرية الوضع، فبسبب الاحتلال الاسرائيلي، لا وجود لداعش هنا. “على الرغم من أن حماس وفتح ليستا أفضل. جميعهم متطرفون، تماماً مثل نتنياهو. بل يمكنني القول أن الجانب الاسرائيلي أسوء. لن تأخذنا القومية والقبلية إلى أي مكان. تريد اسرائيل وضع جميع الفلسطينيين خلف الجدار. هناك عنصرية في كلا الجانبين، إلا أن الفصل الاسرائيلي فاشيّ. ففي النهاية، سيصبح الأمر واحداً، دولةً عنصرية، مثل التمييز العنصري في جنوب افريقيا. نحن، سكان القدس الشرقية، أفقر الاسرائليين. فوفقاً لنائب رئيس بلدية القدس، مئير ترجمان، نحن حتى لسنا بشراً. نحن الغوييم [غير اليهود]. نزعته القومية الدينية تُماثل تماماً داعش. وبالمناسبة، أنا قومية. وليس لأني أريد ذلك، بل لأن الاحتلال أجبرني على ذلك. حتى أني لست مواطنة من الدرجة الثانية، بل من الدرجة الثالثة. لذا، فما الخيارات الأخرى التي أملكها سوى أن أكون فلسطينية قومية؟”
“أكتب بشكلٍ رئيسي عن القضايا المجتمعية في فلسطين، كما أن مدونتي باللغتين العربية والانجليزية. فأنا واحدة من أكثر الكتّاب عن السياسة الفلسطينية قراءةً. وأنا استمد مصداقيتي من استقلالي: فأنا لا أنتمي لأحد. ربما من الأسهل بالنسبة لي أن أكون حاسمة، لأني أقيم في القدس الشرقية. ولكن لا يزال بإمكاني الذهاب إلى رام الله، العاصمة الفعلية لفلسطين. فأنا على علاقة جيدة مع بعض الأشخاص في الحكومة. فعلى الرغم من استخدامي لغةً حادة، إلا أنني أحاول ألا أهين أحدا. ليس لديّ أجندة، فأنا مجرد إمرأة تحب هذا البلد.”
ومن المسائل التي أثارت انقساماً كبيراً في السياسة الفلسطينية كانت حضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس لجنازة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق شيمون بيريز يوم 30 سبتمبر 2016. “كتبت أن عباس لا يُمثلني عندما حضر الجنازة. وبالتأكيد، لم يجدر به حضورها. فبيريز لم يكن رجل سلام، فهو السبب في النكبة [نزوح الفلسطينيين عام 1948]، والمستوطنات، كما كان مسؤولاً عن مذبحة قانا عام 1996، عندما قُتل 106 من المواطنيين اللبنانيين. حضور عباس للجنازة أهاننا كأشخاص. كانت خيانة. فقد كتبت: عباس ورفاقه ليسوا رجالاً بمعنى الكلمة، على الرغم من أن أحدهم من أصدقائي.”
“روايتي، الني نُشرت في يوليو 2016، تحمل عنوان في “ظلال الرجال.” فهي سيرة إمرأة؛ وهنا أتحدث عن إمرأةٍ فلسطينية، ولكن يمكن أن تكون أي امرأة. فأنا أحاول نزع طبقات هذا المجتمع الذكوري، على مستوى الأسرة، والمجتمع، والسياسة، والدين. أهم شيء حصل هو أن عائلتي أحبت الكتاب. أختى فخورة جداً بي، بسبب الحرية التي أعرضها. آمل أن يُلهم الكتاب جميع النساء.”