وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الفلسطينيون في القدس

Muslims perform their Friday Prayer under Israeli security forces' control outside al-Aqsa Mosque on 1 August 2014 in Jerusalem / Photo Anadolu Agency
فلسطينيون يصلون صلاة الجمعة تحت سيطرة قوات الاحتلال خارج الاقصى Photo Anadolu Agency

المقدمة

منذ فترةٍ طويلة وقبل تقسيم فلسطين عام 1948  إلى دولة إسرائيلية تتضمن مجموعة من “المستوطنات ” والمناطق التي تخضع لسيطرة إسرائيل “إدارياً”، كانت القدس نقطة تجمع للفلسطينيين في بحثهم عن دولة في فلسطين القديمة. ولم تكن مركزية القدس الثقافية والدينية والجغرافية بالنسبة للشعب الفلسطيني، في الداخل والخارج، موضع شكٍ قط.

وعلى الرغم من الانقسام الأيديولوجي والإجحاف الجغرافي الذي أبتليّ به الفلسطينيون على مر العقود، إلا أنهم لم يختلفوا قط على مركزية حقوق العرب والفلسطينيين في المدينة المسوّرة أو عشرات القرى والأحياء المحيطة بها، ولكن مع حصار وعُزلة قطاع غزة طويل الأمد ، وانقسام مدن وبلدات الضفة الغربية بآلاف الأمتار من الجدار العازل  ومئات المستوطنات، والحواجز العسكرية الدائمة والمؤقتة اللامتناهية، بات فلسطينيوا القدس في الوقت الحالي وحدهم في نضالهم للحفاظ على مدينتهم.

وفي الماضي، أسفرت المواجهات حول المسجد الأقصى عن مقتل العشرات من الفلسطينيين وجرح المئات. بدأت المواجهات الضخمة في عام 1969، أي بعد عامين فقط من الاحتلال الاسرائيلي للمدينة حيث أقدم متشدد صهيوني مهاجر من أستراليا من أعضاء حركة الصهيونية المسيحانية على ارتكاب جريمة إحراق المسجد الأقصى ما أسفر عن أضرار كبيرة لحقت به وأفدحها كان إحراق منبر المسجد أملاً في تدمير المسجد بالكامل لاستبداله بالمعبد اليهودي “هيكل سليمان”.

وفي أكتوبر 1990، قتلت القوات الإسرائيلية 22 فلسطينياً من المرابطين داخل المسجد الأقصى. وفي عام 2000، اقتحم رئيس الوزراء آنذاك، أرئيل شارون، المسجد الأقصى وتجوّل في ساحاته برفقة آلاف الجنود المدججين بالأسلحة حيث أسفرت الاحتجاجات التي امتدت إلى المدن الفلسطينية عن استشهاد أربعة فلسطينيين واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية المعروفة بانتفاضة الأقصى.

وفي 5 نوفمبر 2014، دخلت الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى نفسه، وليس مجرد باحاته، في خطوة نادرة تعدّ المرة الأولى منذ احتلال القدس عام 1967. وجاءت هذه الخطوة بعد سنة مروعة عاشها الفلسطينيون في القدس وما حولها.

اضطرابات 2014

Palestinian protesters hurl stones during clashes with Israeli police in the East Jerusalem neighbourhood of Wadi Joz, 7 September 2014 Photo Polaris Images
متظاهرون فلسطينيون يرشقون الحجاوة خلال اشتباكات مع قوات الاحتلال في القدس الشرقية في وادي الجوز ،, 7 سبتمبر 2014 Photo Polaris Images

بدأت الاضطرابات بعد فشل محادثات السلام التي استمرت تسعة أشهر بوساطة أمريكية ، تلاها قتل القاصرين، نديم نوارة ذو الـ17 ربيعاً، ومحمد سلامة ذو الـ16 عاماً بالرصاص الحي بالقرب من رام الله منتصف شهر مايو 2014.

وبحلول 12 يونيو من ذات العام، أعلن عن اختفاء مستوطنيين يهوديين، إيال يفراح وعمره 19 عاماً، وغيلعاد شاعر 16 عاماً وصديقهما نفتالي فرينكيل في الضفة الغربية. وفي اليوم التالي شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، واعتقل 350 فلسطينياً، من بينهم قيادي حركة حماس في الضفة الغربية. تلا ذلك تدمير للممتلكات، بما في ذلك هدم للمنازل ومصادرة ثلاث مكاتب إعلامية من بينها مقر مجلة  This week in Palestine  الثقافية الشهرية الفلسطينية، حيث أسفرت هذه المواجهات عن مقتل خمسة فلسطينيين على الأقل.

ووفقاً لمنظمة هيومان رايتس واتش، قُتل كل من محمود دودين 15 عاماً، ومصطفى أصلان 22 عاماً، على يد الجيش الإسرائيلي بتهمة رمي الحجارة بالرغم من أنهما لم يشكلا أي خطرٍ يُذكر على الجنود الإسرائيليين أو غيرهم. وفي الأول من يوليو، عمدّ مستوطنون إسرائليون في حادثتين وحشيتين على “دهس” رجل فلسطيني يبلغ من العمر 28 عاماً وطفلة تبلغ من العمر 9 أعوام مما أسفر عن استشهادهما.

ولكن كانت التقارير الإخبارية التي انتشرت في الثاني من يوليو حول مقتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضر البالغ من العمر 16 عاماً بوحشية في حي شعفاط بالقدس الشرقية، على يد مستوطنين يهود ما أشعل فتيل الغضب في القدس.  وتتمثل الحادثة بإقدام مستوطنين من نفس العمر بضرب وإحراق محمد وهو على قيد الحياة بعد إعلان مقتل المستوطنين الثلاث المفقودين، حيث خلقت هذه العملية الوحشية جواً من الرعب وأعادت المواجهات التي اندلعت بين الشبان الفلسطينيين والجنود الإسرائليين إلى أذهاننا مواجهات عامي 1987  و2000.

هذا وشنت آلة الحرب العسكرية الاسرائيلية حملة عسكرية ضد غزة  في الثامن من يوليو، بعد أن استهدفت حركة حماس المدن الاسرائيلية بالصواريخ. ووفقاً للأمم المتحدة، أسفرت هذه الحرب التي استمرت 51 يوماً عن استشهاد أكثر من 2000 فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين في حين توفي 72 شخصاً، من بينم 66 جندي، على الجانب الإسرائيلي.

وفي أكتوبر، وافقت الحكومة الاسرائيلية على بناء مشروع استيطاني يهودي في القدس الشرقية، مما زاد من تأجيج الوضع المتأزم بالفعل. وبعد هذا الإعلان بأسابيع، اندلعت مواجهات بين المتظاهرين المحتجين على بناء المشروع السكني غير القانوني والشرطة الإسرائيلية والجيش. وفي 22 أكتوبر صدم رجل فلسطيني بسيارته محطة قطار مزدحمة في القدس، مما أسفر عن مقتل شخصين أحدهما طفل.

وبعد مواجهات شبه يومية حول مجمع المسجد الاقصى، منعت الحكومة الإسرائيلية الوصول إلى المسجد، ثالث أهم المقدسات الإسلامية. نتيجة لذلك وفي 5 أكتوبر، استدعت الأردن، الوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، سفيرها إلى اسرائيل احتجاجاً على إغلاق المسجد الأقصى في وجه الفلسطينيين. وبعد ذلك بوقت قصير، قام شاب فلسطيني بدهس ثلاثة من رجال الشرطة الحدودية على الطريق الذي يفصل الحي الفلسطيني، حي الشيخ جراح، عن منطقة ميا شعاريم لليهود المتدينين، ومن ثم أكمل طريقه عدة مئات من  الأمتار إلى أن دهس عدة أشخاص في محطة سكة الحديد.

ومع استمرار التوترات، عمت الاحتجاجات مدينة القدس وفي 8 نوفمبر أطلقت الشرطة الاسرائيلية وقتلت متظاهر عربي اسرائيلي شمال اسرائيل. وبحلول العاشر من نوفمبر، قُتل اسرائيليان على يد الفلسطينيين في حادثين منفصلين.

دفع هذا كل من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتياهو والعاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني بحضور وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون كيري، عقد اجتماع طارىء في العاصمة الأردنية عمان  بهدف نزع فتيل التوترات في محيط المسجد الأقصى.

وفي 14 نوفمبر،  أنهت إسرائيل إغلاقها لمجمع المسجد الأقصى. وبعد ثلاثة أيام، وجد يوسف الرموني (32 عاماً) يعمل سائقاً لشركة باصات “ايجد” مشنوقاً على الحديد المجاور لمقاعد الحافلة التي يعمل عليها في رأس العامود بالقرب من القدس جراء إعدامه على أيدي مستوطنين أثناء مغادرته عمله. وسرعان ما تم دحض مزاعم الشرطة الإسرئيلية أن الشهيد الرموني أقدم على الإنتحار، ليتبيّن أنها إحدى جرائم الكراهية.

وأيضاً في الـ17 من نوفمبر، سلمت السلطات الإسرائيلية أوامر هدم منازل أسر المتهمين بقتل المستوطنين المراهقين الثلاثة في يونيو. وبعد يوم واحد فقط، اقتحم شابان فلسطينيان كنيس يهودي في القدس مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص.

الخلفية

Israeli secret policemen detain a Palestinian boy during a demonstration staged after Friday Prayer in Jerusalem, 1 August 2014 / Photo Anadolu Agency
شرطة الاحتلال تعتقل صبيا فلسطينيا خلال مظاهرات بعد صلاة الجمعة في القدس, أغسطس 2014 / Photo Anadolu Agency

تعتبر القدس، المقدسة لدى كل من المسلمين والمسيحين واليهود على حد سواء، بؤرة الخلاف الأساسية بين العرب واليهود في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وفي واقع الأمر، إنها حكاية مدينتين، القدس الغربية بأغلبيتها الإسرائيلية اليهودية، والقدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل عسكريا منذ عام 1967 ، والتي تمتاز بأغلبية فلسطينية.

وعلى الرغم من أنّ العالم بأجمعه لا يتفق مع إسرائيل، إلا أنها تدعي أن القدس الشرقية والغربية عاصمة أبدية موحدة لدولتها. ومع ذلك، تُعامل السلطات الإسرائيلية فلسطيني القدس الشرقية بشكل مختلف عن اليهود.

وتبدأ رحلة عدم المساواة منذ الولادة، حيث يحصل اليهودي الإسرائيلي تلقائياً على الجنسية الاسرائيلية في حين يحصل الفلسطينيون سواء من المسلمين أو المسيحيين على تصريح للإقامة وليس المواطنة التلقائية. وهذا على الرغم من حقيقة أنّ عائلات معظم الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس كانوا يعيشون هناك لعدة أجيال، بينما انتقلت العديد من العائلات اليهودية إلى القدس في العقود القليلة الماضية فقط.

بالإضافة إلى ذلك،  يمكن لإسرائيل إلغاء إقامة الفلسطينيين لعدة أسباب، على سبيل المثال، ستفقد في حال كنت تعيش خارج القدس لسبعة أعوام،  حق العودة والإقامة على حد سواء. وفي حال تزوج أحد من فلسطيني القدس من الضفة الغربية المحتلة أو غزة، فإنهما لا يستطيعان العيش معاً في القدس، وبالتالي يحكم عليهما إما العيش بعيداً أو المغادرة. ومنذ عام 1967، فقد 14,000 فلسطيني إقامتهم في القدس.

كما تلوح في الأفق أزمة أخرى في قطاع الإسكان. ففي القدس الشرقية ، 35% من الأراضي مخصصة لإقامة المستوطنات اليهودية غير الشرعية، بينما تخصص ما نسبته 31% فقط من الأراضي للفلسطينيين الذين يقطنون القدس. ويعني النمو السكاني حاجة الفلسطينيين إلى اللجوء للبناء غير القانوني مما يجعلهم عرضة لهدم المنازل.

ومنذ عام 1967، هدمت اسرائيل 2000 منزل فلسطيني، بحجة البناء دون ترخيص، الذي نادراً ما تمنحه السلطات الاسرائيلية للفلسطينيين. واعتباراً من يناير 2015، هناك 20,000 أمر بالهدم.

وفي المقابل، هناك 200,000 (يزداد العدد أكثر من أي وقت مضى) وحدة سكنية استيطانية، التي بُنيت في انتهاك صريح للقانون الدولي في القدس وما حولها. ويُقدِم بعض المستوطنين أيضاً على طرد العائلات الفلسطينية من منازلهم والانتقال للعيش فيها، على الرغم من أن معظمهم يعيشون في المستوطنات المحيطة بالقدس.

هذا ويخلق جدار الفصل العنصري الذي تم بناؤه بالتزامن مع بناء المستوطنات ترابطاً في المجتمعات اليهودية في حين يعاني الفلسطينيون بسببه بالعزلة. وقد أضر هذا بشكل كبير بالاقتصاد في القدس الشرقية، إذ يعيش حوالي 75% من فلسطيني القدس الشرقية تحت خط الفقر حالياً مقارنة بما نسبته 22% من اليهود الإسرائليين. وبينما يدفع الفلسطينيون ما يقارب نصف ضرائب المدينة، يحصلون في المقابل على نسبة بسيطة من خدمات المدينة، مثل الطرقات والمدارس وحتى جمع القمامة.

وفي عام 1967، كان جميع سكان القدس الشرقية من الفلسطينيين، بينما يشكلون اليوم ما نسبته 57% فقط. كما حصل عدد محدود من الفلسطنيين على الجنسية الإسرائيلية، في حين يحمل البقية منهم جوازات سفر أردنية مؤقتة بموجب الاتفاقية طويلة الأمد التي عززتها معاهدة وادي عربة بين الأردن واسرائيل، ولا يسمح لهم بحمل جوازات سفر فلسطينية، وفي حال تم ذلك يتم طردهم من مدينتهم من قبل السلطات الإسرائيلية.

وتتمثل المنطقة المحورية للنزاع والصراع الأزلي بين الفلسطينيين والاسرائليين بالسيطرة على مجمع المسجد الأقصى داخل أسوار المدينة القديمة. هذا ويتألف المجمع من المسجد الأقصى ذو القبة الفضية، والحائط الغربي المعروف بحائط البراق المجاور له، فضلاً عن قبة الصخرة المميزة باللون الذهبي. ومنذ عام 1967، أصبحت العديد من المجازر التي ارتكبها المستوطنون اليهود والجنود الإسرائيليون نقاط تعاضد العالمين العربي والإسلامي.

ومنذ احتلال القدس الشرقية عام 1967، دعى متطرفون يهود في إسرائيل إلى تدمير المسجد الأقصى من أجل استبداله بالمعبد اليهودي الثالث. وتظهر الخرائط والصور ثلاثية الأبعاد المتوفرة في الأكشاك السياحية للمدينة القديمة، كيف ستظهر المدينة بعد إزالة المسجد واستبداله بالمعبد. هذا وأصبحت الجماعات الدينية واليمينية التي تدعو إلى إنشاء “الهيكل الثالث” أكثر صخباً والتيار السائد في اسرائيل في العقود الأخيرة.

ولا يمتلك الفلسطينيون في القدس الشرقية ممثلين سياسيين، لأن الحكومة الفلسطينية في رام الله لا تمثلهم من ناحية قانونية، لذا يستلم النشطاء زمام الأمور بأنفسهم، حيث يقتلع سكان المدينة الشوك بأيديهم العارية. إلى جانب ذلك أيضاً، يُمسك اليهود المتطرفون بزمام أمورهم بأنفسهم، بالرغم من انتخابهم ممثلين سياسيين.

Advertisement
Fanack Water Palestine