حُكم على نسرين ستوده (55 عاماً) المحامية المعروفة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة الإيرانية وحقوق الإنسان في مارس 2019 بالسجن لمدة 38 عاماً و148 جلدة بتهمة التجسس ونشر الأكاذيب وإهانة المرشد الأعلى الإيراني. من جهتها، تدعي ستوده أنها تقوم بوظفيتها فحسب.
فقد كانت موكِلة النساء اللواتي تظاهرن ضد قانون اللباس الإلزامي بخلعهن الحجاب في الأماكن العامة في عام 2018، وهو عملٌ يساوي بنظر السلطات الخيانة. وبالفعل، اشتهرت ستوده بتمثيل نشطاء المعارضة والسياسيين المسجونين في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو 2009، وكذلك السجناء المحكوم عليهم بالإعدام بسبب جرائم ارتكبوها عندما كانوا قاصرين. ومن بين موكليها الصحافي عيسى سحرخيز وحشمت الله طبرزدي، رئيس جماعة المعارضة الوطنية المحظورة.
حازت ستوده على جائزة ساخاروف لحرية الفكر والتعبير لعام 2012 التي يمنحها البرلمان الأوروبي. فقد ذكر حكم المحكمة على وجه التحديد أن الجائزة هي أحد أسباب إدانتها، وكذلك دورها في تأسيس لجام، وهي منظمة تناهض عقوبة الإعدام. قادتها شجاعتها بالفعل إلى سجنها لعدة مراتٍ في الفترة من 2010 و2013، بتهم “نشر أكاذيب ضد الدولة” ولكونها عضواً في مركز المدافعين عن حقوق الإنسان، الذي شاركت في تأسيسه شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام.
بعد إطلاق سراحها، استأنفت ستوده عملها في الدفاع عن العديد من الناشطات اللواتي رفضن ارتداء الحجاب، بما في ذلك نرجس حسيني، 32 عاماً، التي تم احتجازها منذ 29 يناير 2018.
وحُكم على حسيني في نهاية مارس 2018 بالسجن لمدة 24 شهراً بتهمة “التشجيع على الفساد بخلع الحجاب في الأماكن العامة” وارتكاب “فعل محظور في مكان عام.” استأنفت كلتاهما الحكم، إلا أنه لم تتح الفرصة لستوده لمتابعة هذا الطعن بالحكم إذ تم القبض عليها في 13 يونيو 2018، لتنضم إلى النساء اللواتي كنّ يعتمدنّ عليها للحصول على العدالة.
بدايةً، قيل لزوج ستوده، رضا خاندان إنه سيحكم عليها بالسجن “خمس سنوات” فقط، غير أن القضاة قرروا رفع الحكم بتهمٍ إضافية غير محددة. انتهى المطاف بالحكم عليها بالسجن لمدة 38 عاماً و148 جلدة، وهي عقوبة قاسية بالنسبة لمحامية، لا سيما بالنظر إلى إسهامها في دعم الحقوق في بلدها. انجبت ستوده طفلان من زوجها، وهو أيضاً مدافعٌ عن حقوق الإنسان ومعروفٌ بتسليطه الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في إيران عبر موقع فيسبوك.
مؤخراً، تلقت المنظمة غير الحكومية، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، معلوماتٍ تُفيد باستهداف السلطات لخاندان أيضاً. ووفقًا لموقع الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، “في 22 يناير 2019، تم إخطار محامي السيد خاندان أن الفرع 15 من محكمة الثورة الإسلامية في طهران حكم على موكله بالسجن لمدة ست سنوات – خمس سنوات بتهمة “التجمع والتواطؤ بنية ارتكاب جرائم ضد الأمن القومي” (المادة 610 من قانون العقوبات الإسلامي) وسنة واحدة لـ”نشره الأكاذيب ضد النظام” (المادة 500 من قانون العقوبات الإسلامي). كما مُنع من “العضوية في الجماعات والأحزاب الاجتماعية والسياسية، والقيام بأنشطة في الفضاء الإلكتروني ووسائل الإعلام والصحافة،” ومن السفر إلى الخارج لمدة عامين. سيستأنف السيد خاندان قرار المحكمة وسيظل حراً في انتظار الاستئناف.”
من جهتها، تعتقد منصورة ميلز، الباحثة في الشأن الإيراني في منظمة العفو الدولية، أن ستوده كانت مستهدفةً بقسوة بسبب القضية الذي دافعت عنه بشكلٍ غير مباشر. وقالت ميلز لفَنَك “السلطات الإيرانية حساسة للغاية تجاه قضية الحجاب الإلزامي.” وأضافت “إنها قضية هوية بالنسبة لهم. تعارض نسرين ستوده الحجاب الإلزامي، وقبل إلقاء القبض عليها، كانت تدافع عن النساء اللواتي احتججن في الشوارع ضد قوانين الحجاب الإلزامي. تحاول السلطات الإيرانية، من خلال عقوبة السجن المفاجئة والحكم عليها بالجلد، إرسال رسالة إلى المدافعات عن حقوق النساء الأخريات، بما في ذلك من يقمن بحملةٍ ضد الحجاب الإلزامي، بأن أنشطتهن لن يتم التسامح معها وسيواجهن نفس مصير نسرين ستوده. بالطبع، لا يرتبط اعتقال نسرين ستوده بمعارضتها للحجاب الإلزامي فحسب بل وأيضاً بعملها الآخر في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك عملها لإنهاء عقوبة الإعدام في إيران. هي محامية شجاعة في مجال حقوق الإنسان تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران ولا تخاف من أنشطتها السلمية. لقد جعلتها سنوات عملها الكثيرة في مجال حقوق الإنسان هدفاً للمضايقة والتخويف والاعتقال من قبل السلطات الإيرانية.”
بالنسبة لميلز، فإن أمل ستوده الوحيد يتمثل بتخفيض العقوبة، كما كان الحال عندما سجنت في عام 2010 ولم تقضِ سوى نصف مدة عقوبتها البالغة ست سنوات بعد ضغوطٍ دولية، وبحسب قولها “يمكن أن يحدث نفس الشيء مرةً أخرى،” وتابعت “إذا كان هناك ضغطٌ عام كافٍ من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وضغط كافٍ من الحكومات التي لها تأثير على إيران، مثل حكومات الاتحاد الأوروبي، يمكن إطلاق سراحها.”
ووفقاً لبيجان بهاران من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، فإن السلطات الإيرانية تبعث برسالةٍ أوسع لا تقتصر فحسب على النشطاء داخل البلاد. وقال بهاران لفَنَك: “يحاول الاتحاد الأوروبي منذ بعض الوقت فتح مكتبٍ في إيران، وقد أجرى الاتحاد الأوروبي مناقشاتٍ مع الحكومة الإيرانية حول قضايا حقوق الإنسان على مدار العامين الماضيين.” وأضاف “يبدو أن القضاء، الذي يسيطر عليه المرشد الأعلى بشكلٍ كامل، يرسل الآن إشارات واضحة إلى الجميع في الداخل والخارج، وخاصة في أوروبا، بشأن من يملك السلطة الحقيقية في البلاد.”
تحاول إيران، من خلال هذا الحكم الرمزي، تعزيز موقفها. وأضاف بهاران”على مدار سنواتٍ عديدة، بررت السلطات الإيرانية قمع كل أنواع النقد والمعارضة بربطها بالحكومات “المعادية” في الخارج، بما في ذلك جميع المعارضين المستقلين والديمقراطيين، وكذلك بعض جماعات المعارضة غير الديمقراطية المتمركزة في الخارج والتي لها علاقاتٍ مع مختلف القوى.” وبحسب قوله، “لم يتمكنوا من استخدام نفس الحجة حول ستوده ولم يتمكنوا من احتواء أنشطتها. وعلاوةً على ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار أنشطة نسرين ستوده وتزايد مكانتها في الداخل والخارج، فهي لربما تمثل بصيص أملٍ لكثير من الناس الذين يرغبون في مجتمعٍ ديمقراطي دون تدخلٍ أجنبي وسفكٍ للدماء. وهذا بالضبط ما لا تريده السلطات لأنه يصعب عليهم أكثر التعامل مع النقد الديمقراطي والأنشطة السلمية القائمة على مبادىء حقوق الإنسان العالمية.”
وفي مقابلةٍ مع مجلة أكسيل البلجيكية، أحد آخر لقاءاتها مع وسيلةٍ إعلاميةٍ أوروبية قبل إلقاء القبض عليها، قالت ستوده: “أعتقد أن بعض الناخبين ينتقدون عملي وأنا أحترم ذلك. ومع ذلك، معظم الناس، رجالاً ونساءً، عندما يرونني في الشارع، يكونون في غاية الطيبة، ويقولون لي إنهم يتابعون أنشطتي ويشكرونني. هذا يحدث في كثيرٍ من الأحيان. أما بالنسبة للحكومة، أعني أنه على الرغم من مواقفها ضدي – حيث يتم أحياناً وصفي بـ “المنشقة” و”العدو” من قبل المسؤولين – فإننا نحظى بدعمٍ بين أعضائها. أولئك الذين يدافعون عن حقوق المرأة يحصلون على الدعم والحماية من قبل نساء وعائلات هؤلاء المسؤولين أنفسهم. لذا، الحقيقة هي أنني لست منزعجةً من مواقف الحكومة هذه. لدي هدفٌ واحد آخذه بعين الإعتبار، وأنا أسعى لتحقيقه.”
في هذا المناخ، وعلى الرغم من كل الدعم والخيارات القانونية التي تُعرض عليها للدفاع عن نفسها، لا تزال ستوده تريد أن تشرح وجهة نظرها: إيران بحاجة إلى التغيير. فقد زادت إحدى التهم الموجهة إليها عقوبةً بالسجن لمدة 12 عاماً بتهمة “تشجيع الفساد والفجور،” إلا أن زوجها كتب على الفيسبوك أنها لن تستأنف هذا القرار.
وبحسب تصريحات خاندان لوكالة فرانس برس “قالت إنها لا ترغب في الاستئناف، والسبب هو أن العملية القضائية غير عادلة وأن مثل هذه الاحتجاجات لن تفيد،” وتابع “لا تريد القيام بأي إجراءٍ قضائي لأنها لا توافق على العملية القضائية. لن يتم فعل شيء على هذا المنوال.”
وعليه، سيكون الضغط الدولي حاسماً لمنع نصيرة حقوق الإنسان في إيران من إنهاء حياتها في السجن، وهو نفس المصير الذي نجحت في إنقاذ معظم موكليها منه.