وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سلمان رشدي: اعتداء لم يسكته!

سلمان رشدي
في هذه الصورة التي التقطت في 10 سبتمبر 2018، يقف الروائي والكاتب البريطاني سلمان رشدي خلال جلسة تصوير في باريس. جويل ساجيت / وكالة فرانس برس

دانا حوراني

قضى سلمان رشدي، البالغ من العمر 75 عامًا، سنوات عدّة متخفيًا بعدما أصدر الخميني فتوى بهدر دمه عام 1989 بعد نشر روايته “آيات شيطانية” عام 1988.

كان من المفترض للكاتب البريطاني الهندي، الذي اضطُر إلى الاختباء لأكثر من عشرة أعوام، أن يأتي إلى معهد شاتوكوا غرب نيويورك في 12 أغسطس الجاري لحضور لقاء موضوعه “الولايات المتحدة ملاذًا آمنًا للكتّاب المنفيين”.

وفي غياب أي تأمين للحدث، هرع المعتدي إلى المنصّة وطعن الكاتب عشر طعنات في بطنه ورقبته.

وسرعان ما نُقل رشدي جوًا إلى المستشفى حيث أُجريت له جراحة استمرت لساعات طويلة. وقد استفاق بعد ثلاثة أيّام وأصبح قادرًا الآن على التحدث رغم إصاباته الخطيرة.

ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام، المعتدي شاب يبلغ من العمر 24 عامًا يُدعى هادي مطر، وهو أمريكي من أصل لبناني من قرية يارون في جنوب لبنان. وقد وُلد في كاليفورنيا ونشأ فيها قبل أن ينتقل إلى ولاية نيوجيرسي.

وقد وصفت والدة مطر ابنها الذي عاش حياته كلّها في الولايات المتحدة بأنه “انطوائي مُتقلب المزاج”، خصوصًا بعدما زار أباه في لبنان عام 2018.

ورفض المشتبه به الاتهامات الموجهة إليه وما تزال التفاصيل المتعلقة بدوافعه مجهولة. وقد أثارت هذه الحادثة جدلًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيدي النظام الإيراني الذين أشادوا بمطر بمحاولته تنفيذ الفتوى وأولئك الذين أدانوا الاعتداء واعتبروه هجومًا خطيرًا على حرية التعبير.

من سلمان رشدي؟

وُلد سلمان رشدي في مومباي من عائلة مسلمة غير ملتزمة قبل عامين من استقلال الهند عن بريطانيا. وانتقل فيما بعد إلى بريطانيا في سن الرابعة عشر ليكمل دراسته، وحصل على بكالوريوس في التاريخ بمرتبة الشرف في كلية كينغز.

وقد تلاشت عقيدة رشدي الإسلامية، التي يتبعها 15% فقط من الهنود، عندما استهلّ حياته الجديدة بعد حصوله على الجنسية البريطانية.

حاول الكاتب العمل في التمثيل ومجال الإعلان قبل نشر روايته الأولى “غريموس” عام 1975 التي لم تحظ بتقدير يُذكر.

بعدها بخمسة أعوام، نشر رشدي روايته الثانية “أطفال منتصف اللّيل” التي فازت بجائزة البوكر لعام 1981 وقد بيع منها أكثر من نصف مليون نسخة.

لكن حياة رشدي سوف تتغير بعد نشر روايته “آيات شيطانية” التي تشير إلى بضع آيات قرآنية حذفها علماء المسلمين ورد فيها خروج النبي محمد هنيهةً عن التوحيد عندما نادى بعبادة أصنام ثلاثة هي اللات والعزى ومناة. وقد ألمح إلى أن الشيطان قد تمكّن من خداع النبيّ محمد.

تدور حبكة الرواية المعقدة حول شخصيتين تبحثان عن معنى الإيمان بعد سقوطهما من طائرة اختطفها الإرهابيون، ولم يُذكر النبي إلا قليلًا.

أفزعت الرواية بعض الجماعات المسلمة لما فيها مما اعتبروه زندقة وإساءة للإسلام. وقد حُظرت الرواية أول الأمر في الهند وباكستان، ونُظّمت احتجاجات كذلك في أوروبا والمملكة المتحدة وإيران ولبنان.

دعوة مفتوحة إلى القتل

في 14 فبراير 1989، أصدر مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية السابق، روح الله الخميني، فتوى دعا فيها لإهدار دم رشدي مقابل مكافأة قدرها 2.8 مليون دولار. وأعلن الخميني أن قاتله سيكون مصيره الجنة مع الشهداء.

وكذلك أعلنت مؤسسة إيرانية شبه رسميّة عن مكافأة قدرها ثلاثة ملايين دولار لمن يقتله.

نتيجة لذلك، قضى رشدي 30 عامًا بعدها متخفيًا في ظل حماية الحكومة البريطانية وغيّر سكنه مرات عدّة مستخدمًا اسمًا مستعارًا هو جوزيف أنطون.

وقد كتب في مذكراته التي نشرها عام 2012 تحت عنوان “جوزيف أنطون”: “إنني مقيدٌ ومسجون وأعجز حتى عن الحديث. أريد لعب الكرة مع ابني في الحديقة. تلك الحياة العادية المملة هي حلمي المستحيل”.

ورغم نشره بيان عام 1989 عبّر فيه عن ندمه على الإيذاء الذي ألمّ بالمسلمين من روايته، فإن خصومه لم يتراجعوا عن آرائهم.

وفي عام 1998، أعلن الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، سحب الفتوى. لكن خليفة الخميني، آية الله علي خامنئي، ذكر في 2005 أنه “ما يزال يعتقد أن رشدي مرتد واجب قتله حسب الإسلام”.

دور إيران

نفت إيران يوم الإثنين الماضي ضلوعها في حادث الطعن مع ثباتها على موقفها من تخطئة الكاتب.

وقال ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: “فيما يتعلق بالاعتداء على سلمان رشدي في أمريكا، نحن لا نرى أحدًا يستحق اللّوم أو العتاب أو حتى الإدانة باستثناء رشدي نفسه وأنصاره”.

وعلّقت صحيفة جام جم اليومية الرسميّة الإيرانية على احتمالية فقدان رشدي إحدى عينيه قائلةً: “إن عين الشيطان قد أُعميت”.

ورغم انحدار المعتدي من قرية صغيرة بلبنان حيث يملك حزب الله التابع لإيران نفوذًا كبيرًا، فقد امتنع الحزب عن التعليق على الحادث، وصرّح أحد مسؤوليه بأنهم ليس لديهم ما يضيفونه.

وجدير بالذكر أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، كان قد أعلن تأييده لفتوى الخميني في لقاء تلفزيوني في مطلع الألفية.

وكان مطر يحمل رخصة قيادة مزورة باسم “حسن مغنية”، في إشارة إلى الاسم الأخير لقائد العمليات الدولية في حزب الله، عماد مغنية، الذي اغتالته وكالة المخابرات المركزية والموساد في دمشق عام 2008.

ردود فعل متباينة

ردود أفعال متباينة نتيجة الهجوم.

فقد أعلن مؤيدون لإيران وشخصيّات عامة مثل الصّحفي اللّبناني رضوان عقيل تأييدهم للاعتداء. وجدد كثيرون آخرون مثل نجل حسن نصر الله، جواد نصر الله، التزامهم نهج الخميني والزعماء البارزين الآخرين.

ووجّه وزير الثقافة اللّبناني، محمد وسام مرتضى، اللّوم إلى رشدي مغرداًك “أمّا حرّية القول فينبغي لها أن تكون مهذبةً”.

وفي المقابل، رأى أنصار رشدي في الحادث تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير.

إذ قالت مريم سيف الدين، الصّحفية اللّبنانية، لفنك: “هذا يبعث برسالة مفزعة إلى جميع الكتّاب الذين ينتقدون إيران وأيديولوجيتها مفادها أنه لا مفرّ، ولا حتى في الدول الغربية. إنها سابقة خطيرة تكشف تنامي تأثير الجمهورية الإسلامية على أتباعها في لبنان“.

من ناحية أخرى، أكّد الخبير الأدبي المؤيد لإيران، حسين نجم، الذي طلب تغيير اسمه لأسباب أمنية، أن الولايات المتحدة قد تكون وراء ذلك الاعتداء.

وأوضح: “كيف يخدم هذا الاعتداء إيران؟ واضح أن الولايات المتحدة تحقق مكاسب أكثر بتشويه سمعة إيران وحلفائها. كيف تغفل المخابرات الأمريكية عن شخص موال لإيران ويحمل رخصة قيادة مزورة إذا كانت القصّة حقيقية؟”

وعندما سُئل عن سبب اختيار الولايات المتحدة لمواطنٍ لبنانيّ وليس إيرانيًا لتنفيذ الاعتداء، قال الخبير: “من الأسهل إثارة التوترات الطائفية في لبنان واستخدام حزب الله للضغط على الجمهورية الإسلامية”.

لكن نجم لم يوضح المكاسب السياسية التي قد تجنيها الولايات المتحدة من تدبير هذا الاعتداء.

ماذا بعد؟

جدير بالذكر أن رشدي ليس أول كاتب في الجنوب العالمي يتعرض للاعتداء جرّاء كتاباته. فقد قُتل الكاتب والمفكر المصري العلماني فرج فودة على يد متشددين إسلاميين عام 1982 لدعوته لفصل الدين عن الدولة في كتبه ومقالاته الصحفية. وقد اتهمه رجال الدين بالكفر، ما أسفر عن اغتياله على يد شابين أمام مقرّ الجمعية التي أسسها في القاهرة.

وكذلك تعرّض الأديب نجيب محفوظ الفائز بجائزة نوبل للطعن في شقته بالقاهرة عام 1994 على يد متطرف إسلامي اتهمه بتأليف روايات تدعو إلى الكفر. وقد نجا محفوظ من ذلك الاعتداء بأعجوبة.

لكن الباحث الأدبي أحمد كامل يرى أنه لا تصح مقارنة رشدي بكتّاب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث التأثير الاجتماعي. لكنه برز بوصفه شخصيّة بارزة في النضال ضد الاضطهاد الديني.

قال كامل لفنك: “لم يأبه أحد برشدي قبل إصدار الفتوى. فهو لم يكن كاتبًا ثوريًا، لكن أغلب شهرته جاءت من حملات الكراهية التي شُنّت ضده في الثمانينيات ولا تزال حتى اليوم”.

وأكّد كامل على أنه لا ينبغي تحميل المسؤولية كلها للمذهب الشّيعي وحده، فالفتاوى تخرج من مذاهب الإسلام كافةً. وأضاف أن القَبَلية والاتباع الأعمى للزعماء ليسا من سمات المذهب الشيعي وحده.

ومن ناحية أخرى، تخشى مريم سيف الدين أن تمتد هذه العقلية المتطرفة إلى الأجيال القادمة، خصوصًا إذا عُومل مثل أولئك المعتدين معاملة الأبطال.

وهذه المظاهر قد تبلورت بالفعل.

إذ تلقّت ديما صادق، الصّحفية اللّبنانية المعارضة لحزب الله وإيران، تهديدات بالقتل لنشرها على تويتر صورة للزعيم الإيراني خامنئي والقائد العسكري الراحل قاسم سليماني كتبت فوقها “آيات شيطانية”.

التمييز الجنسي وكراهية الأجانب

مع استمرار مبيعات “آيات شيطانية” في الازدياد، لاحظ مراقبون على الإنترنت أن رشدي لديه ماضٍ من التمييز الجنسي وكراهية الأجانب.

فقد صرّحت طليقته بادما لاكشمي أنه اعتبرها “استثمارًا سيئًا” لأنها رفضت ممارسة الجنس معه لمرضها بالانتباذ البطاني الرَحِميّ، وهي حالة مرضية مؤلمة تصيب الرحم.

كما ورد أن رشدي وصف النساء المحجبات بأنهن يرتدين “أكياس قمامة”، كما أيّد السياسات العسكرية الأمريكية في أعقاب هجوم 11 سبتمبر في روايته “شاليمار المهرج” المنشورة عام 2005، إذ عزز الخطاب الشّعبي المناهض للإسلام الذي انتشر في وسائل الإعلام الأمريكية.

قال كامل: “ربما تسبب مطر في إيذاء جسد رشدي، لكنه جعله أحد أشهر الشّخصيات في عصرنا.إذ ينبغي أن تنتصر حرية التعبير دائمَا”.