وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في لبنان، عودة الزواج المدني إلى النقاشات العامة

Lebanon- Civil marriage lebanon
متظاهرون لبنانيون يحملون لافتاتٍ خلال تجمعٍ رافض للحظر المستمر على الزواج المدني خارج وزارة الداخلية في العاصمة بيروت في 23 فبراير 2019. Photo AFP

خمسة عشر طائفة مختلفة معترف بها في لبنان، لكلٍ منها قانونٌ خاص بالأحوال المدنية يحدد جميع الأمور المتعلقة بالحياة الشخصية، بما في ذلك الزواج. وعليه، يطالب نشطاء المجتمع منذ سنواتٍ بالزواج المدني للخروج من هذا النظام المعقد. وهذه المرة، عاد الجدل حول الزواج المدني إلى طاولة النقاش من قِبل وزيرة الداخلية الجديدة، ريا الحفار الحسن.

وخلال مقابلةٍ مع يورونيوز في 15 فبراير 2019، أوضحت ريا الحفار الحسن، وزيرة الداخلية والبلديات المعينة حديثاً، نقطة كان من الواضح أن وسائل الإعلام والسلطات والناشطين في بلدها سيسلطون الضوء عليها، إذ قالت: “بالتأكيد، أنا شخصياً، أحبذ أن يكون هناك إطار للزواج المدني،” مضيفةً “نحن نعلم أن لهذا الأمر أبعاداً طائفية وسياسية وسآخذها بعين الإعتبار، لكني سأسعى إلى فتح باب الحوار مع جميع المرجعيات الدينية.” كان رد المرجعيات الدينية غاضباً، على الرغم من ظهور بعض السياسيين البارزين المؤيديين لمداخلتها هذه. ففي لبنان، هناك 15 قانوناً منفصلاً للأحوال الشخصية يحكم الطوائف الكبرى في البلاد ولدى كلٍ منها محكمة دينية فريدة خاصة بها.

إن الخيار الوحيد المتاح أمام البنانيين الذين لا يرغبون في الزواج الديني هو السفر إلى قبرص للحصول على زواجٍ مدني، وهو ما يشكل تجارة كبيرة للجزيرة الأوروبية الصغيرة. فالزواج الديني والمدني على حد سواء مكلفٌ في قبرص، فالزواج الديني يستوجب إعطاء المال للسلطة الدينية المسؤولة عن الاحتفال، وتكلفة الزواج المدني تعتمد على مدى سرعة سير العملية. رسوم الرحلة والإقامة في الفندق تكاليف إضافية تُضاف إلى كلا الخيارين. ولكن بغض النظر عن قضية التكاليف، تكمن مشكلة الأزواج اللبنانيين في دعم أسرهم: هل يقبل أقاربهم أم يرفضون خيارهم بالزواج في قبرص.

ومع ذلك، فإن الزواج المدني قانوني بالفعل في لبنان بسبب ثغرةٍ موروثة من القانون الفرنسي، الذي يسمح للأشخاص غير المنتمين إلى أي طائفة بالزواج المدني. أول زوجان تزوجا بهذه الطريقة في عام 2013، أخفيا أي إشارةٍ إلى طائفتهما من سجلاتهما الرسمية ووكلا محامٍ لإصدار شهادة الزواج. ومن بين عشرات اللبنانيين الذين تزوجوا بهذه الطريقة، لم يحصل غالبيتهم على مصادقةٍ للزواج من السلطات، مما يجعل زواجهم غير معترفٍ به بموجب القانون اللبناني، كما أن أطفالهم غير معترفٍ بهم بموجب أي قانون، وبالتالي، لا يملكون أي وضعٍ قانوني.

Lebanon- Civil wedding lebanon
خلود سكرية (يمين) ونضال درويش، اللذان تزوجا في تحدٍ لحظر لبنان للزواج المدني، يقفان لإلتقاط صورةٍ بجانب صخرة الروشة في بيروت، في 25 يناير 2013. Photo AFP

إن نظام قانون الأحوال الشخصية في البلاد مؤذٍ على وجه الخصوص للنساء، كما جاء في تقرير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، في عام 2015. وبحسب التقرير: ” يكشف البحث […]عن نمط واضح من معاملة النساء من مختلف الطوائف على نحو أسوأ من الرجال حينما يتعلق الأمر بإمكانية إنهاء العلاقة الزوجية وحضانة الأطفال. تصطدم النساء المنتميات إلى مختلف الطوائف بعقبات قانونية وغير قانونية لدى مبادرتها على إنهاء زيجات تعيسة أو مسيئة، كما تواجه قيوداً على حقوقهن المالية، فضلاً عن هاجس فقدان أطفالهن في حال تزوجن مجدداً أو انقضت ما يعرف بفترة حضانة الأم (التي يحدّدها عمر الطفل). كما تم حرمان السيدات على نحو ممنهج من النفقة الكافية أثناء الزواج أو بعده ـ حيث يجوز للمحاكم الطائفية على خلاف ما تقتضيه العدالة رفض الحكم بها أو تخفيضها أو من حجبها عنها بسبب “نشوزها” -أي مغادرة منزل الزوجية ورفض مساكنة زوجها- أو إذا طلبت التفريق […] ولا يشكّل التشريع المصدر الوحيد لأوجه التمييز ضد المرأة بل تقع نتيجة الإجراءات أمام المحاكم الطائفية على حد سواء. وقد أفادت جميع السيدات اللواتي أجرت معهن هيومن رايتس ووتش المقابلات أنّ العديد من العقبات الإجرائية، ومنها ارتفاع الرسوم وطول أمد القضايا وغياب المساعدات القانونية والمادية أثناء إجراءات الدعاوى، شكّلت عوامل أساسية منعتهن من الالتجاء إلى المحاكم الطائفية وتحصيل حقوقهن المحدودة أصلاً.”

وفي لقاءٍ لنا في فَنَك مع آية مجذوب، الباحثة المتخصصة بشؤون لبنان والبحرين في هيومن رايتس ووتش، قالت: “كانت الفكرة من قوانين الأحوال الشخصية هي منح مختلف الجماعات الدينية الاستقلالية.” وأضافت “إلا أنها تعني أن اللبنانيين لا يعاملون بشكلٍ متساوٍ أمام القانون، وخاصة النساء. القوانين أكثر تمييزاً ضد المرأة، التي لا تحترم إعلان الأمم المتحدة للقضاء على التمييز ضد المرأة. توصيتنا في هيومن رايتس ووتش هي أن يكون هناك محكمة مدنية من أجل السماح بالزواج المدني واعتماد مجموعة جديدة من القوانين لجعله ممكناً كأحد الخيارات.”

تبع تصريحات ريا الحفار الحسن على يورونيوز في 15 فبراير احتجاجاً صغيراً أمام وزارتها في 23 فبراير، لنشطاء يطالبون بالزواج المدني. وفي هذا الصدد، قالت ريا “سأسعى لفتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية وغيرها، وبدعم من رئيس الحكومة سعد الحريري.” رد فعل السلطات الدينية كان أيضاً شبه فوري.

فقد قالت دار الفتوى، أعلى سلطة سُنيّة في لبنان، في اليوم التالي لنشر المقابلة مع الحسن، إن هذا الزواج “يخالف أحكام الشريعة الإسلامية” و”يخالف أيضاً أحكام الدستور اللبناني في ما يتعلق بوجوب احترام الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الدينية.” في حين قال نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يوم الجمعة: “يعترف الدستور اللبناني بأن لكل طائفة قوانينها للأحوال الشخصية،” مضيفًا: “إننا نعارض بشدة الزواج المدني لأنه ينتهك الدستور.” بينما جاء رد الفعل الأكثر إيجابية من البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي قال “نحن لا نعارض الزواج المدني” إذا ما تم على الأراضي اللبنانية. كما أيد بعض الوزراء والنواب الفكرة، إلا أنهم لم يتكلموا بصراحةٍ عنها.

فقد كان هناك محاولات سابقة أخرى قامت بها مجموعات مختلفة من أجل السماح بالزواج المدني في لبنان، مثل حملة “الحب المدني” في عام 2018، عندما قام زوجان لبنانيان شابان، طارق مالك وأناستازيا الحاج، بتبادل نذور الزواج في المياه الدولية، على بعد 22 كلم عن الساحل اللبناني. كما قدمت نقابة المحامين في بيروت مسودة القانون الجديد حول الزواج المدني في لبنان، التي تتضمن خيارين: الزواج الديني والزواج المدني، بالإضافة إلى المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة. ومن الجدير بالذكر أن العديد من الاحتجاجات المطالبة بحقوق مماثلة تخرج كل عامٍ تقريباً منذ عام 2009.

بيد أن مقابلة الحسن لا تعني أن الزواج المدني في لبنان سيصبح حقيقةً على الفور، ذلك أن السلطات الدينية تحظى بوافر النفوذ والتأثير في البلاد. وبحسب ما قالته آية مجذوب لنا، “الدولة والسلطات الدينية متشابكان، من المستحيل معارضتهما في الوقت الراهن.” وتابعت القول، ” لكنه يضع السؤال مرةً أخرى في الساحة العامة، ومرةً أخرى يتحدث السياسيون، وخاصة النساء، عن ذلك، وبالتالي سيكون هناك المزيد من الإمكانيات لخلق زخمٍ حول الموضوع. سيصبح الاتجاه السائد في وسائل الإعلام والمحادثات، مما يسهل اتخاذ القرار في وقتٍ لاحق.”

على الرغم من عدم استعداد لبنان بعد للزواج المدني، إلا أن البلاد تسير ببطء نحو هذا الهدف من أجل مجتمعٍ أكثر مساواة وعدلاً.