في عام 2009، كانت أول امرأةٍ تعيّن وزيرةً للمالية في لبنان، واليوم، تم تعيينها أول وزيرة للداخلية والبلديات، مما يجعلها أول امرأة لبنانية تظفر بهذا المنصب الهام في الحكومة. خطوة أولى للبلد الصغير، وخطوة كبيرة لريا الحفار الحسن.
ريا الحسن، المولودة عام 1967 لأسرة سُنيّة، تتبع حالياً تحالف 14 آذار، وهو تحالفٌ من الأحزاب السياسية التي تجمعها معارضتهم للنظام السوري، برئاسة رئيس الوزراء سعد الحريري من خلال تيار المستقبل، الذي يتزعمه الحريري أيضاً. وهي متزوجة من جناح الحسن ولديها ثلاثة أطفال. في 31 يناير 2019، تم تعيينها رسمياً كوزيرة للداخلية والبلديات في الحكومة الجديدة، المؤلفة من 30 عضواً. ومن الجدير بالذكر أنه تم تشكيل الحكومة بعد ما يقرب من تسعة أشهر من الجمود في أعقاب الانتخابات العامة في مايو 2018. يجعلها هذا التعيين أول إمرأة تتولى المسؤولية رسمياً عن الأجهزة الأمنية القوية في العالم العربي.
وعلى الرغم من كونها مسؤولةً عن الأمن، إلا أن خلفيتها في الأصل هي التجارة والتمويل. فقد حصلت على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1987 وحاصلة على ماجستير إدارة الأعمال في التمويل والاستثمارات عام 1990 من جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة. منذ ذلك الحين، كان مشوارها المهني مثمراً، سواء في المؤسسات الخاصة أو العامة. بدأت بالعمل كمساعدٍ لوزير المالية ومنسقة تنفيذ الشؤون المالية بين عامي 1995 و1999، ثم أصبحت مساعدة مدير العلاقات بقسم الخدمات المصرفية في بنك لبناني خاص. كما تطرقت إلى التنمية الدولية من خلال عملها لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي كاختصاصية برنامج للحوكمة الاقتصادية واستهداف الفقر في عام 2005. اعتادت الظفر بالمركز الأول في بعض المناصب، وترأست أكبر مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في البلاد والتي تهدف إلى تطوير مدينة طرابلس الساحلية.
لم يقتصر عملها على المصارف الخاصة وانتقلت إلى مهمات عامة أخرى، وعلى وجه الخصوص كمستشارة لوزير الاقتصاد والتجارة من عام 2000 إلى عام 2003 وعضو في مكتب رئيس الوزراء في الفترة من 2005 إلى 2009، وقادت مشاريع مختلفة وأشرفت على إصلاحات إدارة النفقات. كرست حياتها لعملها في عام 2009 عندما تم تعيينها وزيرة مالية، التي كانت سابقة بالنسبة للمرأة في لبنان، ومرةً أخرى في الحكومة الجديدة عام 2019.
ويعدّ منصبها الجديد شرفاً تعترف به الحسن وتأخذه بمزيدٍ من الحرفية. وخلال حفل التسليم والتسلم من سلفها نهاد المشنوق في 6 فبراير، قال الحسن:” كأول وزيرة للداخلية في لبنان عليّ أن أثبت قدرة المرأة على تولي حقيبة وزارية استثنائية.” وأضافت “سأسعى لترك بصمتي الخاصة.”
وقالت إن أولوياتها تتمثل في تحسين التعاون بين الأجهزة الوطنية، وحماية حقوق الإنسان ومعالجة مشاكل المرور الشهيرة في لبنان، فضلاً عن تطرقها لتحسين الظروف في السجون اللبنانية والتصدي للعنف المنزلي والعنف ضد المرأة على نطاق أوسع. لكن ستتمثل مهمتها الأساسية في إدارة العديد من الأجهزة الأمنية المتنافسة في كثير من الأحيان، والحفاظ على الاستقرار في وضعٍ صعب: حتى وقتٍ قريب، اضطرت البلاد إلى التعامل مع الجماعات المتشددة وانعكاسات الحرب المجاورة في سوريا على المناطق الحدودية.
كما تمثلت خطوتها الأولى كوزيرةٍ للداخلية في التخلص من عدد من حواجز الطرق الاسمنتية، التي أقيمت لأسباب أمنية، وأدت إلى تعطيل حركة المرور في وسط بيروت لفترةٍ طويلة، بما في ذلك تلك الموجودة أمام الوزارة. كما أصبحت رئيسة السجون وقوى الأمن الداخلي، وكلاهما تعرضا لمزاعم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، إذ تواصل قوات الأمن الداخلي اضطهاد مجتمع المثليين في البلاد، واتهمتهم منظمات مثل هيومن رايتس ووتش بتعذيبهم. غير أن الحسن زعمت أن التدابير الأمنية “لا ينبغي أن تتداخل مع حريات الأفراد وحرية التعبير.” ربما يشير ذلك إلى تغييرٍ ايجابي في أساليب السلطات اللبنانية في التعامل مع الأمن، لكن من السابق لأوانه القول ما إذا كانت ستحصل على النفوذ والحرية للعمل كما وعدت.
فقد جاء ترشيحها كجزء من إرادة أوسع نطاقاً لممثلي الدولة لتحسين تمثيل المرأة في السياسة، كما أعلن رئيس الوزراء سعد الحريري من دبي في 10 فبراير: “على اللبنانيين أن يعتادوا على أن المرأة يمكنها أن تتسلم وظائف كبرى في الدولة.” فقد أظهر استطلاعٌ حديثٌ أن أكثر من 80% من المستجيبين البالغ عددهم 847 يوافقون على أن المرأة ممثلة تمثيلاً ضعيفاً في السياسة اللبنانية، ولكن ضمن نفس المجموعة، يعتقد 65% فقط أنه ينبغي تمثيل المرأة في مجلس وزراء البلاد. ومع ذلك، حقق عدد النساء في الحكومة الحالية رقماً قياسياً، مع أربع نساء بدلًا من اثتنين في السابق. وإلى جانب الحسن، حملت فيوليت الصفدي حقيبة وزيرة دولة لشؤون المرأة، وهي وظيفة سبق أن شغلها رجل؛ ومي شدياق، التي فقدت ذراعها وساقها في محاولة اغتيالٍ في تفجيرٍ عام 2005، وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، وندى بستاني وزيرة الطاقة والمياه.
بعد تعيينها، شكرت الحسن معلمها وزعيمها السياسي سعد الحريري بالقول، “بصراحة كان الأمر مفاجأة لي ولكني فخورة أيضاً […] السيد سعد الحريري وثق بي مرتين بإعطائي وزارتين صعبتين. يبرهن هذا ثقته بقدرات المرأة.”
وفي مقابلةٍ أُجريت على شاشة التلفزيون في مارس 2012، أعلنت الحسن أن وجود امرأتين في مجلس الوزراء في ذلك الوقت لم يكن كافياً، مضيفةً: “نحن نعرف حقيقة أنه من الأفضل دائماً أن يكون هناك مشاركة نسائية أكثر في المؤسسات العامة بشكلٍ عام وبالطبع في مجلس الوزراء […] ووجودهن في مناصب للمشاركة في صنع السياسة وليس فقط عدم استلامهن محافظ.”
الضغوطات الملقاة على عاتق الحسن كبيرة، إذ لا يتعين عليها فقط إدارة وزارة مهمة ومحفوفة بالمخاطر في منطقةٍ تتعرض دوماً للحرب والنزاعات، ولكن ينبغي عليها إثبات، لأنها امرأة، أن بإمكانها النجاح كحال أي من نظرائها من الرجال. نموذج الحسن وقيادتها يمكن أن يغير وجه التمثيل السياسي النسائي في لبنان. بالرغم من الضغوطات الكبيرة، إلا أنها تبدو على أتم الاستعداد للتحدي.