بدأت السلطات بشن حملتها على الأصوات المعارضة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2012، عندما انتقل التعبير عن الاحتجاج على المرسوم الأميري حول تغيير قانون الانتخابات إلى الشارع وعبر وسائط التواصل الإجتماعي. تم توقيف العشرات من المحتجين والمغردين لمجرد التعبير عن وجهة نظرهم. وتفيد منظمة “هيومن رايتس واتش” أن 35 شخصاً حوكموا بتهمة الإساءة للأمير في الفترة الواقعة بين أكتوبر/تشرين الأول 2012 ويوليو/تموز 2013. والمثال الأبرز هو زعيم المعارضة مسلم البراك، الذي حُكم عليه في أبريل/نيسان 2013، بالسجن خمسة أعوام لإدانته بتلك التهمة، ما أثار حفيظة المزيد من أنصاره. وفي وقتٍ لاحق، قررت محكمة الإستئناف الكويتية إخلاء سبيل البراك بكفالة. كما حُكم في يونيو/حزيران 2013 على مُغرد كويتي بالسجن 11 عاماً، منها خمسة أعوام بسبب الإساءة للذات الأميرية. وحُكم على مستخدم آخر لـخدمة تويتر بالسجن خمس سنوات بسبب تعليق له حول الإختلاف العقائدي بين السنة والشيعة. وفي أبريل/نيسان 2013، اقترحت الحكومة قانون الإعلام الموحد كبديل عن قانون 2006 للمطبوعات والنشر وقانون 2007 للإعلام المرئي والمسموع. ووجه هذا القانون بانتقادات لأنه يرسم خطوطاً حمراء جديدة لوسائل الإعلام وتضييق مساحة النقاش العام. كما يُجرّم القانون التعليقات ذات الطابع السياسي، الأمر الذي يجيز للسلطات ملاحقة الأفراد بنفس التهم مثل تهمة “الإساءة إلى الأمير”. لطالما عُرفت الكويت باعتبارها إحدى أكثر الدول تسامحاً في المنطقة فيما يتعلق بحرية التعبير، إلا أنّ الأزمة السياسية في الكويت وحملات التضييق التي تلت ذلك، لم تجلب سوى الضرر لسمعة البلاد.
استخدمت الحكومة، التي تقودها الأسرة الحاكمة، أدوات أخرى لمواجهة الطلب المتزايد على الإصلاحات السياسية. وفي أعقاب مقاطعة المعارضة للإنتخابات في ديسمبر/كانون الأول 2012، وعندما تم التخطيط لعقد جولة أخرى من الإنتخابات، تواصل أعضاء من العائلة الحاكمة مع زعماء العشائر لكسب دعمهم والحد من الدعم الذي تتلقاه المعارضة. كما شرعت الحكومة بتنظيم حملة لاستعادة تأييد جيل الشباب الكويتي. تم تشكيل المجلس الوطني للشباب ومنحه منصة للتعبير عن المخاوف من خلال مؤتمر وطني حضره الأمير ورئيس مجلس الأمة. لقد أملت الحكومة بإرساء مصداقيتها من خلال تلبية بعض مطالب الشباب في الحال.
استمرار الازمة
بما أن مجلس الأمة الكويتي المنتخب في ديسمبر/كانون الأول 2012 كان يعتبر من الناحية النظرية موالياً للحكومة، توقع المحللون أن يتم أخيراً إرساء سُبل التعاون بين مجلس الأمة المنتخب والحكومة المُعينة وإنهاء الجمود السياسي. كما كان يتوقع أن يدفع التعاون باتجاه تطبيق الإصلاحات الملحة وتنفيذ خطط التنمية في الكويت. في الواقع، أثبت المجلس أنه أكثر توافقية، كما تم إحراز التقدم على عدة أصعدة، مثل مشاريع البنية التحتية الرئيسية، بما في ذلك مشاريع المياه والكهرباء. وهكذا تم عزل المعارضة التي شعرت بالغضب إزاء قانون الإنتخابات الجديد الذي فُرض في البدء عبر مرسوم أميري، ومن ثم تم تمريره في مجلس الأمة.
لكن التعاون بين مجلس الأمة والحكومة كان قصير الأجل. ففي 16 يونيو/حزيران 2013، قضت المحكمة الدستورية بأنّ مجلس الأمة المنتخب في ديسمبر/كانون الأول غير دستوري، بسبب مخالفات إجرائية تضمنها المرسوم الأميري الذي قضى بتشكيل اللجنة الوطنية العليا للإنتخابات في أكتوبر/تشرين الأول 2012. كانت تلك المرة الثانية خلال العام التي قامت فيها المحكمة بإبطال المجلس وإلغاء نتائج الإنتخابات. وبالإضافة إلى ذلك، أيدّت المحكمة قرار الأمير تغيير قانون الدوائر الإنتخابية.
نتيجة لهذا الحكم، تم إجراء إنتخابات جديدة في 27 يوليو/تموز 2013. ومع انخفاض حدة المقاطعة، ارتفعت نسبة مشاركة الناخبين إلى 51,9% مقارنةً مع 40,8% في انتخابات ديسمبر/كانون الأول وفقاً لدليل الإنتخابات. أثبت المرشحون الجدد الأصغر سناً أنهم أكثر شعبية من السياسيين المخضرمين. ولكن ومع قرار العديد من أبناء العشائر كسر قرار المقاطعة الذي دعت إليه المعارضة في ديسمبر/كانون الأول، أدت الإنتخابات هذه المرة إلى حصول العشائر على تمثيلٍ أكبر. ولكن مع تنفيذ قسم من المعارضة قرار المقاطعة، فاز المستقلون بأغلبية المقاعد (47 من أصل 50). وفي حين يُعرف المستقلون بولائهم للحكومة، يحدد النوّاب عادةً مواقفهم تجاه الحكومة وفق كل قضية على حدة، ومن وقتٍ إلى آخر ينضم بعضهم إلى موقف المعارضة أو يخرجون عنه. ولم يتم إعادة انتخاب سوى ثلاثة من أعضاء المعارضة الذين شكلوا الغالبية في مجلس 2012. وخسر الشيعة تسعة مقاعد، لتعود نسبة تمثيلهم إلى المستوى الذي حصلوا عليه على مدى تاريخ الكويت، بعد أن قرر العديد من الناخبين السنة الآن العودة للمشاركة في الإنتخابات. وبالرغم من انتخاب سيدتين فقط، إلا أن العدد الكبير نسبياً للوجوه الجديدة (26 من أصل 50) يعكس رغبة الناخبين بالتغيير.
ومع الإنتخابات الثانية التي جرت على أساس قانون الصوت الواحد، حققت الحكومة النتائج المرجوة المتمثلة في تقويض معارضة العشائر والاسلاميين. وبعكس نظام الأربعة أصوات السابق الذي تم العمل به حتى أكتوبر/تشرين الأول 2012، واستفاد منه تحالف الإسلاميين- والعشائر (المعارضة) نجح القانون الجديد في تقوية تمثيل المرشحين المستقلين غير المتحالفين مع المعارضة. وفي الوقت نفسه، نجحت الحكومة في كسب دعم المؤيدين السابقين للمقاطعة التي دعت إليها المعارضة. وفي محاولة جديدة لنزع فتيل التوتر السياسي، عفا الأمير في يونيو/حزيران 2013 عن جميع أولئك الذين أدينوا بالإساءة له.
وعلى الرغم من أنّ مجلس الأمة الحالي هو المجلس الموالي للحكومة الذي أفرزته الإنتخابات الأخيرة، إلا أن المأزق السياسي في الكويت لم يصل إلى نهايته. استمر أعضاء البرلمان في استجواب الوزراء، وعرقلة تنفيذ العديد من العقود الحكومية، ولكن هذا أيضاً جزء من قوة البرلمان الكويتي ورسالة مشروعة، كما يقول الدكتور شفيق الغبرا- أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت. وبهدف تحسين العلاقات مع مجلس الأمة، أعلن رئيس الوزراء جابر المبارك الصباح، عن تعديلٍ وزاري في يناير/كانون الثاني 2014. كانت تلك الحكومة السادسة منذ توليه منصبه في عام 2011. ولا يرغب أو لا يستطيع الوزارء غالباً الخضوع للاستجواب من قبل أعضاء مجلس الأمة، ويؤثرون الإستقالة.
المعارضة
المعارضة المعزولة بسبب مقاطعتها لإنتخابات ديسمبر/كانون الأول 2012، تعذر عليها الإتفاق على أجندة أو جدول أعمالٍ مشترك وبدأت تتداعى. وفي حين توحدت المعارضة في “الأغلبية المعارضة” عام 2012، تسببت مسألة ما إذا كانوا سيقاطعون إنتخابات يوليو/تموز 2013 أم لا بإنقسامهم. في حين قرر التحالف الوطني الديمقراطي الليبرالي وشيوخ وقادة أكبر العشائر في الكويت المشاركة في الإنتخابات، آثرت الحركة الدستورية الإسلامية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، الإستمرار في مقاطعتها بسبب الدعم المالي والسياسي الذي وفرته الحكومة الكويتية للإنقلاب العسكري في مصر. كما قررت مجموعات أخرى من الليبراليين، والإسلاميين، والقوميين، المُضي في قرار مقاطعة الإنتخابات. كما قسمّت القناعات الأيديولوجية المعارضة: فبينما يطالب الليبراليون بالمزيد من الحرية السياسية، يتحرك الكويتيون ذوى الأصول البدوية بدافع من موقفهم التابع للكويتيين الحضر.
وعدا عن المعارضة التقليدية التي يُهيمن عليها سياسيون مخضرمون، إزداد نشاط حركة الشباب الكويتي في السنوات الأخيرة. فقد تمت الإستجابة لدعوااتهم بإقالة رئيس الوزارء السابق ناصر المحمد في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وبدلاً من التركيز على الخطوط الأيديولوجية، تحول الشباب إلى تبني أهداف سياسية محددة، وذلك للضغط من أجل إقامة نظام برلماني. ومع شعورهم بالإحباط أمام انقسام حركات المعارضة، دمج النشطاء الشباب حركات الشباب القائمة في الحركة الديمقراطية المدنية في أبريل/نيسان 2012. وأطلقت الحركة الديموقراطية المدنية (حدم) حملة تعبئة للمطالبة بإصلاحات سياسية من خلال إدخال تعديلات دستورية.
واستجابةً لضغط هؤلاء الناشطين الشباب، تبنت المعارضة الأهداف التالية للدفع باتجاه تبني إصلاحات دستورية:
1. تشريع الأحزاب السياسية؛
2. تشكيل مجلس وزراء منبثق عن الانتخابات يشكله التيار الذي يحظى بالغالبية في مجلس الأمة، بدلاً من حكومة معيّنة يهيمن عليها أفراد العائلة الحاكمة؛
3. إلغاء المرسوم الأميري المتعلق بنظام الصوت الواحد.
في مارس/آذار 2013، أعلنت التيارات المعارضة، بما في ذلك الإسلاميين والقوميين والليبراليين والنشطاء الشباب ومنظمات المجتمع المدني، أنها ستشكل معاً تحالفاً واحداً يُدعى ائتلاف المعارضة. وقد أكد الإئتلاف في بيانه على أهمية الإصلاح السياسي من أجل حل الأزمة السياسية: نظام برلماني كامل، وتشريع الأحزاب السياسية، وحكومة منبثقة عن الانتخابات، وضمان استقلال القضاء. كما دعا التحالف إلى حماية الحريات، بما في ذلك حرية التعبير.
وعلى الرغم من التأييد الشعبي واتساع تمثيل مجلس الأمة المنتخب في يوليو/تموز، لم يتم تنفيذ الإصلاحات السياسية التي تطالب بها المعارضة لعلاج العلاقة المتصدعة بين الحكومة المُعينة والمجلس المنتخب. وفي حين تم اعتقال عدد من نواب المعارضة السابقين، اكتسب مسلم البراك، الزعيم المفوَّه لإئتلاف المعارضة، شهرة كبيرة وأصبح رمزاً لأجندة الإصلاح. وبالرغم من أنّ المعارضة بالكاد ممثلة في مجلس الأمة، إلا أنها لا تزال تتمتع بالقدرة على تعبئة الناس.
في فبراير/شباط 2014، أعيد إحياء حركة المعارضة، عندما دعت المعارضة إلى تنظيم احتجاجات ضد الميثاق الأمني لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي ترى المعارضة أنه يتناقض مع الحريات الأساسية التي يضمنها الدستور. ونُظم اعتصام في جامعة الكويت عقب إلغاء ندوة حول الميثاق بضغط من الحكومة كما قيل. ويرى الغبرا أن المعارضة لا تشكل أي تهديد لحكم عائلة آل صباح، فهناك توافق واسع حول شرعية حكم آل صباح، والمعارضة لا تدعو إلى إسقاط النظام ولكنها تعمل على اقتراح إصلاحات دستورية في إطار النظام.
و قد ردت الحكومة حتى الآن على دعوات الإصلاح بالقمع، مع الحفاظ على نظام الرعاية الإجتماعية ومستويات المعيشة المرتفعة، وذلك لتجنب المزيد من الإحتجاجات ولكن هذا النظام غير قابل للإستمرار في المستقبل القريب. فبالرغم من وجود فائض في الميزانية، حذّر صندوق النقد الدولي في سبتمبر 2013 الكويت من أن النفقات العامة الآخذة في الارتفاع قد تتجاوز الإيرادات بحلول 2017. ويشير الغبرا إلى أنّ إعادة إحياء برامج التنمية المتعثرة في الكويت تستدعي تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً، بحيث تُصبح الحكومة أكثر عرضة للمساءلة من قِبل المواطنين الكويتيين.