أدى هجومٌ كيماوي مزعوم في 7 أبريل 2018 إلى مقتل ما لا يقل عن 42 شخصاً وإصابة أكثر من 1000 شخص في دوما، وهي بلدةٌ في منطقة الغوطة الشرقية التي تقع تحت سيطرة المتمردين، خارج دمشق. رد المجتمع الدولي على الفور متهماً النظام السوري بتنفيذ الهجوم. وبعد أسبوع، شن تحالفٌ مكونٌ من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا ضربةً جوية، زُعم أنها كانت تستهدف مصانع الأسلحة الكيماوية في البلاد.
ومن غير المعروف إذا ما حققت هذه الضربة الجوية نجاحاً، فالتحالف يدعي ذلك، في حين أن روسيا إدعت اعتراضها 71 صاروخاً من أصل 100 صاروخ تم إطلاقها.
وجاء الهجوم المزعوم بعد عامٍ تقريباً من الهجوم الكيماوي على خان شيخون في 4 أبريل 2017، والذي بدا أن له تأثيرٌ مماثلٌ لهذا الهجوم. ووفقاً لمصادر طبية، فإن “الأعراض على الضحايا تشبه أعراض التعرض لغاز السارين، مثل صعوبة التنفس والقيء وخروج زبد من الأنف والفم.” في حين أن الهجمات بالكلور ليست قاتلة إلى هذا الحد.
فقد أنشأت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وهي الهيئة المنفذة لاتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية (CWC)، بعثتها المستقلة لتقصي الحقائق في سوريا عام 2014، والتي حققت في أكثر من 70 حالة من حالات هجمات الغاز السام المزعومة في سوريا منذ ذلك الحين. واليوم، تحقق في دوما، حيث أكدت استخدام غازٍ سام. وقال مسؤولون أميركيون في 12 أبريل إن فحوصات أجريت على عينات بول من دوما تؤكد وجود الكلور وغاز الأعصاب.
ولطالما كانت دوما هدفاً منتظماً لهجمات النظام منذ خمس سنوات، إلا أنها تتعرض لهجومٍ متزايد منذ مارس 2018. فقد سمحت الهجمات للرئيس بشار الأسد بالسيطرة على دوما بعد أن فر السكان والمتمردون في حافلاتٍ إلى جرابلس، وهي بلدة تقع بالقرب من الحدود التركية يسيطر عليها المتمردون المدعومون من أنقرة. وقال أحد المسعفين لصحيفة الجارديان: “سأغادر غداً إن شاء الله لأن مهمتنا انتهت. الحمد لله أن القتل الجماعي قد انتهى، لكني حزين لأنني سأترك أرضي وشعبي وربما لن أعود أبداً، لكني سأغادر وأنا أعلم أني أعطيت كل ما بوسعي.”
وفي بيانٍ لها، قالت دائرة العمل الخارجي في الإتحاد الأوروبي (EEAS)، ” ندعو أنصار النظام، روسيا وإيران، لاستخدام نفوذهم لمنع أي هجوم آخر وضمان وقف الأعمال العدائية.”
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 12 أبريل إن فرنسا ستقرر شن هجماتٍ عندما يتم جمع كل المعلومات الضرورية، حيث قال ماكرون، بعد أن أصبح من المعروف أن فرنسا كانت تنسق مع الولايات المتحدة على رد عسكري محتمل”لدينا دليل على أنه في الأسبوع الماضي، أي قبل 10 أيام من الآن، تم استخدام الأسلحة الكيماوية، على الأقل بالكلور، وأنها كانت تستخدم من قبل نظام بشار الأسد.” فقد سبق وصرح بالفعل، تماماً كما فعل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أن الأسلحة الكيماوية “خطٌ أحمر،” إلا أنه لم يفعل شيئاً منذ بداية رئاسته لوضع حدٍ لها. وفي اليوم نفسه، دعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى اجتماعٍ طارىء لمجلس الوزراء لمناقشة إمكانية الانضمام إلى فرنسا والولايات المتحدة في ضربةٍ عسكرية. وفقاً لصحيفة التلغراف طلب من الغواصات البريطانية التحرك في اتجاه سوريا لتصبح في المدى الذي يمكن منه إطلاق صواريخ على الأراضي السورية.
بيد أن رد الولايات المتحدة الأمريكية كان الأكثر قوة. ففي 9 أبريل، أدان الرئيس دونالد ترمب الهجوم، قائلاً إنه سيقرر خلال 24 إلى 48 ساعة إذا ما كان سيشن هجوماً انتقامياً على سوريا. وفي تغريدةٍ له، شجب “الهجوم الكيماوي الطائش” في سوريا الذي قتل النساء والأطفال، ووصف بشار الأسد بـ”الحيوان” وانتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعمه الحكومة السورية. ورداً على سؤالٍ من أحد الصحفيين عما إذا كان يتحمل بوتين أي مسؤوليةٍ عن الهجوم، أجاب ترامب بقوله: “ربما، نعم، هذا ممكن. إن حصل هذا، فسيكون الأمر صعباً جداً، بل صعباً للغاية. سيدفع الجميع الثمن. سيدفع هو الثمن، والجميع سيفعلون.”
وفي تغريدةٍ لاحقة، قال ترمب، بشكلٍ غامض، “الهجوم على سوريا قد يكون قريبا جداً وقد لا يكون كذلك.” ففي العام الماضي، وبعد أيامٍ فقط على هجوم خان شيخون، شنت الولايات المتحدة هجوماً بصواريخ كروز على أحد المطارات السورية، على الرغم من أنه لم تكن له عواقب بعيدة المدى على الحرب.
وفي أعقاب هذه التصريحات، حذرت المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية (يوروكنترول)، وهي وكالة أوروبية لمراقبة حركة الطيران، شركات الطيران ودعتهم إلى توخي الحذر في شرق البحر الأبيض المتوسط بسبب احتمال شن غاراتٍ جوية على سوريا خلال الـ72 ساعة القادمة، في حين مارست الخطوط الجوية الكويتية أقصى درجات الحذر وألغت جميع رحلاتها إلى لبنان. وعلى صعيدٍ متصل، فقد أدى هجوم وقع في 9 أبريل، على ما يبدو من قبل إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل 14 عسكرياً إيرانياً على قاعدةٍ سورية، إلى توتراتٍ إقليمية، على الرغم من أنه أصبح من الواضح فيما بعد أن هذا الهجوم لم يكن مرتبطًا بأحداث دوما.
لا تزال الأوضاع متقلبة، مما يترك العالم وبخاصة سوريا وجيرانها على حافة الهاوية، خوفًا على ما تبقى من الاستقرار في المنطقة. ومرةً أخرى، كانت الضربة الجوية الأخيرة التي نفذتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ذات نتائج مادية بالكاد تذكر، ويشير الكثيرون إلى أنه كان ينبغي عليهم تركيز جهودهم على محاولة الإطاحة بالنظام بدلاً من ذلك.