تنتشر سوء المعاملة في السجون المصرية التي تكتظ بثلاثة أضعاف سعتها، ففي عام 2016، وجدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي جمعية يرأسها محامون مصريون ملتزمون بالعدالة الاجتماعية، أن 106 آلاف شخص مسجونون في 504 من مرافق الاحتجاز، حيث اعتقل نحو 60 ألف من السجناء بسبب آرائهم أو انتماءاتهم السياسية.
في المقابل، كان هناك 70 ألف شخص في السجون عام 2012، وفقاً لمصدرٍ تذكر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أنه مقرّب من الحكومة. وحتى أكثر من ذلك، تم سجن حوالي 5 آلاف إلى 10 آلاف شخص بسبب تحديهم أو انتقادهم للدولة في نهاية حكم الرئيس حسني مبارك في فبراير 2011.
ارتفع عدد السجناء بشكلٍ ملحوظ بعد أن أطاح اللواء عبد الفتاح السيسي بمحمد مرسي، أول رئيسٍ منتخب في مصر وعضو رفيع المستوى في جماعة الإخوان المسلمين، في عام 2013. فقد أسفرت الحملة التي شنها الجيش ضد مؤيدي الإخوان المسلمين والناشطين العلمانيين والعاملين في مجال الإغاثة، فيما وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه جيل مسجون. وفي عام 2014، قال مسؤول في وزارة الداخلية أن السلطات ألقت القبض على 22 ألف شخص في عام 2013. ويقدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو مجموعة مراقبة مستقلة، أن العدد كان أقرب إلى 41 ألفاً.
وفي عهد السيسي، حاولت الحكومة تخفيف الاكتظاظ ببناء 16 سجناً إضافياً. ومع ذلك، تُحذر هيومن رايتس ووتش أنه في حال لم يتم إلغاء القوانين الصارمة، ستواصل السلطات احتجاز أي شخصٍ وفي أي وقت. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما يُستخدم قرارٌ بمنع المظاهرات العامة لتوجيه الاتهامات للمحتجين بحجة “عرقلة العدالة.” وتشمل الاتهامات الشائعة الأخرى “العنف” و”الاعتداء على ضباط الشرطة.” وتقريباً، لا يتم دعم هذه الاتهامات على الإطلاق بأي دليل إلا فيما يتعلق بتقرير الشرطة المكتوب.
في حين يواجه أولئك من هم خلف جدران السجون أوضاعاً مروّعة. فسجن العقرب، السجن الأسوأ سمعةً في مصر، حيث يتم احتجاز العديد من السجناء السياسيين. وقالت هيومن رايتس ووتش أن السجناء يتعرضون للإيذاء والتعذيب على أيدي الحراس، مما يؤدي أحياناً إلى وفاتهم. وقد منعت السلطات داخل سجن العقرب السجناء من التواصل مع أسرهم، في حين فشلوا في توفير العلاج الطبي الأساسي للسجناء المرضى. كما يضرب الحرّاس، بشكلٍ روتيني، السجناء ويعزلونهم في الحبس الانفرادي، الذي يكون عادةً دون سريرٍ أو فراش.
وقال إبراهيم عبد الغفار، وهو مأمور سابق، لشبكة تلفزيونية محلية في عام 2012 أن سجن العقرب مصمم لحبس السجناء إلى أن يتوفوا، وقال أنه شيّد لاحتجاز السجناء السياسيين ومعاقبتهم. ومع ذلك، يتوفى السجناء في مرافق الاحتجاز في جميع أنحاء مصر. ووثق تقريرٌ صادرٌ عن مؤسسة الكرامة السويسرية لحقوق الإنسان، وقوع 323 وفاة في الفترة ما بين أغسطس 2013 وسبتمبر 2015. وفي العام الذي أعقب الإطاحة بمرسي، سُجل ما مجموعه 132 حالة وفاة. وقالت مؤسسة الكرامة أن 191 شخصاً على الاقل قتلوا في السجون بعد أن أصبح السيسي رئيساً بشكلٍ رسمي.
وبفضل قرارٍ صادرٍ عن وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم في عام 2014، صُنفت مراكز الشرطة منذ ذلك الحين كسجون، مما مكنّ السلطات من احتجاز الأشخاص هناك لفتراتٍ طويلة. ولا ينص القرار على ما إذا كان ينبغي تطبيق أنظمة السجن الموحدة في مراكز الشرطة أم لا، مما يجعل النزلاء عرضة لإساءةٍ استثنائية. وهكذا، توفي العديد من السجناء بعد أن أصيبوا بجراح قاتلة على يد ضباط الشرطة، إذ كان ذلك غالباً نتيجةً لحرمانهم من العلاج الطبي.
وخلص تقريرٌ أصدرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لعام 2014 إلى أن الظروف المعيشية والصحية في السجون المصرية لا ترقى إلى الحد الأدنى من المعايير. فنادراً ما تقدم الرعاية الصحية العاجلة إما بسبب بطء الإجراءات أو لأن إدارة السجن لا ترغب في منح الإذن بعلاجٍ للحفاظ على أرواح السجناء.
ولم يتم فحص أي من السجناء السابقين البالغ عددهم 37 سجيناً الذين قابلتهم المبادرة المصرية لحقوق الإنسان من قبل طبيب بمجرد احتجازهم. ولم يرى سوى القليل منهم طبيباً طوال كامل فترة احتجازهم، كما تم منع بعض النزلاء من الوصول إلى العلاج الطبي بينما رفض آخرون المساعدة الطبية لعدم ثقتهم بالطبيب. ويستفيد الأطباء العاملون في السجون من انتمائهم إلى وزارة الداخلية، ولذلك يخشى السجناء أن يتدخل المسؤولون في السجون بأي علاجٍ طبي مقدم.
وعادةً ما ينتظر أولئك الذين يرغبون في رؤية الطبيب لأسابيع، كما أن نقص الأدوية الأساسية مشكلةٌ متكررة، وقال معظم السجناء إنهم أعطوا دواءً خاطئاً. ويعتمد أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة عادة على أقاربهم لتزويدهم بالدواء أثناء زياراتهم. وغالباً لا يتم أبداً إطلاق سراح السجناء ممن يعانون من أمراض تهدد الحياة لأسباب طبية. عوضاً عن ذلك، تُضاعف معناتهم في مراكز الاحتجاز المكتظة وغير الصحية، مما يؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى تفاقم حالتهم، الأمر الذي يُسفر في بعض الأحيان عن وفاتهم.
فحالة إبراهيم حلاوة، مواطنٌ إيرلندي اعتقل كقاصر في عام 2013 أثناء قضاء إجازته في القاهرة، جديرةٌ بالذكر. فقد ألقيّ القبض على حلاوة، ابن أحد كبار رجال الدين المسلمين في أيرلندا، من قِبل ضباط الشرطة في مسجد الفتح في إطار حملة ضد أنصار جماعة الإخوان المسلمين، وهو مسجونٌ منذ أربع سنواتٍ تقريباً دون محاكمة. وقالت أسرته أن صحته تدهورت بسرعة، مما اضطره إلى استخدام كرسي متحرك للتنقل. يتمثل جزءٌ من تدهور صحة حلاوة بسبب محاولاته خوض العديد من الإضرابات عن الطعام. ومع ذلك، يعتقد أن الظروف المروعة في السجن قد أثرت على صحته أكثر من غيرها.
وفي العام الماضي، وصف حياته في السجن لصحيفة الجارديان البريطانية. وقال في شهادته إنه من الطبيعي أن يتم تعرية السجناء وضربهم بقضيب حديدي. وأشار إلى أنه في أحد المرات وأثناء إضرابه عن الطعام، رفض حراس السجن تزويده برعاية طبية عاجلة. وفي يومٍ من الأيام، عندما لاحظ زملاء حلاوة في الزنزانة أن حالته الصحية آخذةٌ في التدهور، بدأوا بضرب الأبواب بقوة، عندها طلب منهم الحراس التوقف عن إصدار الضجيج وقالوا “عندما يموت، دقوا على الباب.”
وبالرغم من الصعوبات الهائلة، لا يزال حلاوة على قيد الحياة. وعلى عكس حال الكثيرين، تضغط الحكومة الإيرلندية من أجل الإفراج عنه، فمعظم السجناء السياسيين لا أحد يتابع قضيتهم سوى أقاربهم. ففي مصر اليوم، يمكن لأي شخص أن يُسجن، ويواجه الشبان خطر الاعتقال إذا ما كان لأحد أفراد أسرتهم انتماءٌ سابق لحركةٍ محظورة. ويتوقع جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، أن أعداد المسجونيين ستواصل ارتفاعها طالما يعتبر الانتقاد الموجه ضد الدولة عملاً إرهابياً.