وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ردود فعل متباينة بعد إدانة ضابط استخبارات سوريّ سابق

إدانة ضابط استخبارات سوريّ
أُدين أنور رسلان ، 58 عامًا ، بالإشراف على مقتل 27 شخصًا في معتقل الخطيب بدمشق ، المعروف أيضًا باسم “الفرع 251” ، في عامي 2011 و 2012. Thomas Frey / POOL / AFP

جاستن صالحاني

في الثالث عشر من يناير الجاري، حكمت محكمة ألمانية بالسجن مدى الحياة على الضابط السوري السابق أنور رسلان بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، ولاقى الحكم ترحيبًا كبيرًا من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية والنشطاء الحقوقيين السّوريين.

وقالت سارة كيالي، الباحثة السورية بمنظمة هيومن رايتس ووتش، لفنك: “إن هذه المحاكمة تاريخية ولحظة فارقة للسوريين وحركة العدالة الدولية. فعلى مدى أكثر من عقد، شهدنا انتهاكات غير مسبوقة في سوريا من تعذيب جماعي واعتقال تعسفي وقتل خارج القانون”.

خلفت الحرب في سوريا منذ عام 2011 أكثر من 350 ألف قتيل وما يقرب من 6.7 مليون نازح داخل البلاد و6.6 مليون لاجئ خارجها، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المفقودين في سجون النظام. ورغم ارتكاب معظم أطراف النزاع جرائم حرب، فإن القتل العشوائي الذي اتبعه نظام الأسد قد دفع الأمم المتحدة لوصف أفعاله بجرائم الإبادة.

ويعود فضل كبير في ما وُجد من وثائق تثبت جرائم النظام إلى آلاف الصور التي التقطها المصور المعروف باسم قيصر الذي عمل في الشرطة العسكرية السورية بين عامي 2011 و2013، وهرّب صوره خارج سوريا في بطاقات ذاكرة  ثم سلّمها إلى المعارضة السورية المدعومة من قطر، وقد استُخدمت صوره في محاكمة أنور رسلان.

ولا يحول دون تحقيق العدالة للضحايا السوريين، مع وجود هذه الأدلة الدامغة على الأعمال الوحشية، إلا بقاء نظام الأسد في السّلطة.

ولأن سوريا ليست عضوًا  في المحكمة الجنائية الدولية، فإن مقاضاة النظام لا بدّ أن تمرّ عبرّ مجلس الأمن الدولي حيث يستطيع الروس حلفاء الأسد المخلصون منع صدور أي قرار.

ولهذا السبب طبقت المحكمة الواقعة في مدينة كوبلنتس الألمانية الولاية القضائية العالمية التي تتيح للمحاكم محاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، في أي مكان في العالم، حتى يتسنى لها مقاضاة رسلان البالغ من العمر 58 عامًا بعدما ألقت الشرطة الألمانية القبض عليه برفقة إياد الغريب، الضابط السابق في النظام السّوري عام 2019.

كان رسلان مسؤولًا استخباراتيًّا كبيرًا في فرع الخطيب المعروف بالرقم 251 في دمشق، والذي أُطلق عليه اسم الجحيم على الأرض، ثم انشق عن النظام عام 2012 وانتهى به المطاف في ألمانيا. وبين إبريل 2011 وسبتمبر 2012 أشرف رسلان على تعذيب أكثر من 4 آلاف شخص تعذيبًا ممنهجًا،  وقد شمل ذلك  الاختطاف والاعتداء الجنسي، ما أدى إلى مقتل الكثير منهم، كما أُدين بتهمة الإشراف على قتل 27 شخصًا،  وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة بعد استماع المحكمة إلى أكثر من 80 شاهدًا. وهي أول محاكمة في العالم تقاضي التعذيب الذي ترتكبه الدولة السّورية.

وستتوالى المزيد من القضايا في المحاكم الألمانية قريبًا ، ومنها قضية في فرانكفورت ضد طبيب سوري يشتبه في تعذيبه سجناء في مستشفى عسكري بحمص عامي 2011 و2012 وقتل أحدهم بحقنة مميتة.

كما تسعى دول أوروبية أخرى إلى تحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب السوريين؛ وقد أصبحت هولندا أول دولة في العالم تحمّل الحكومة السورية المسؤولية عن التعذيب، كما حكمت بالسجن 20 عامًا في منتصف يوليو على اللاجئ أحمد الخضر بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وكان قد صوّر نفسه في مقطع متداول على موقع يوتيوب وهو يطلق النار على طيار من القوات الجوية السورية بعد أسره. وفي بلجيكا، يجري مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقًا مع ما لا يقل عن 10 لاجئين سوريين متهمين بارتكاب جرائم حرب باسم النظام.

ورغم تفضيل النشطاء عقد المحاكمات في سوريا، فإن استمرار بقاء النظام السوري لأكثر من 11 عامًا يعني أن التماس العدالة في المحاكم الأوروبية قد أصبح أمرًا واقعًا في الوقت الحالي.

وقالت سارة كيالي: “إن إدانة عنصر يمارس أساليب قمعيّة من هذا النوع له قيمة كبيرة في الواقع؛ فهو يُظهر حقيقة جهود البحث عن العدالة الدولية في سوريا، إنها مناسبة تستحق الاحتفال”.

وبينما يرى العديد من النشطاء ومنهم من كان ضحية لرسلان أنّ الإدانة خطوة إيجابية في نضال السّوريين من أجل العدالة، يرى آخرون أن المحاكمة تمثل سابقة مقلقة.

فقد قال توماس بييريه، الخبير السياسي المتخصص في الشؤون السّورية، إن المحاكمة والحكم الذي نتج عنها كان لهما أهمية كبيرة لكثير من السّوريين، ومنهم سوريون يعرفهم شخصيًّا، وقد اُعتقلوا ونُقلوا إلى سجن رسلان. لكن قد يكون لتداعياته السياسية أثر سيئ على المدى الطويل.

وقال بييريه لفنك: “سأصف الرسالة التي أتى بها الحكم بالكارثية؛ فلو حدثت انتفاضة أخرى في سوريا بعد عشر سنين أو عشرين سنة، سيقرأ الضباط هذه الرسالة ولن ينشقوا. فلو بقي رسلان في سوريا لربما نجده الآن يتجول في شوارع دمشق بسيارة مرسيدس فارهة، بدل قضائه بقية عمره في سجون ألمانيا”.

ورغم أن رسلان هو أرفع مسؤول حكومي سابق يخضع للمحاكمة حتى الآن، فإنه يظل شخصية هامشية في النظام. وفي الوقت نفسه استطاع علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي السّوري والمسؤول الرفيع في النظام، أن يسافر سرّا إلى إيطاليا عام 2018 رغم حظر السفر الأوروبي المفروض منذ 2011. ويُقال إنه ناقش قضايا أمنية مع ماركو مينيتي وزير الداخلية الإيطالي آنذاك. وتلاحقه الآن مذكرة اعتقال فرنسية بتهم التواطؤ في التعذيب والإخفاء القسري وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأضاف بيريه: “إن مجرمي الحرب الحقيقيين يتمتعون بحياة سعيدة في دمشق، وربما يموتون هناك على أسرّتهم وليس في سجون أوروبا الغربية، ولا أظن أن أي مسؤول كبير في النظام السوري سينتهي به المطاف وراء القضبان ما دام النظام السوري متماسكًا”.

لكن سارة كيالي تعتقد أنه يجب النظر بعقلانية إلى إدانات المحكمة في سياق أوسع. فالروايات من داخل محاكمة رسلان تشير إلى أنه منذ انشقاقه لم يعتذر أو يظهر ندمًا على ما فعله، بخلاف ما قيل عن ندم إياد الغريب، كما دافع رسلان عن براءته أثناء المحاكمة وأنكر التهم الموجهة إليه من خلال هيئة الدفاع.

وقالت كيالي: “من المهم أن ننظر إلى الحكمين وأن نقارن بين المدعى عليهما لنصل إلى تقييم صحيح”.

ثمة أمل أن تطال هذه الأحكام مسؤولين أعلى في النظام السّوري. وكي يحدث ذلك، لا بدّ من أن يسقط النظام أو يفقد داعميه الدوليين. ولذلك، فإن حكم المحكمة الألمانية خطوة مهمة للعدالة في رأي كيالي فهي ترى: “إن الحكم رسالة واضحة إلى مرتكبي مثل هذه الجرائم في سوريا الآن، وهي أنهم سيدفعون ثمن أفعالهم”.