وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المثلية الجنسية في السعودية: اضطهادٌ ومعصيةٌ وتكتم

Specials- Homosexuality
Photo AFP

المثلية الجنسية سرٌ معلومٌ للجميع في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، تجرّم قوانين المملكة شديدة التحفظ اللواط وغيره من العلاقات الجنسية المثلية، ليُعاقب عليها بالسجن، أو الجلد، أو القتل. وبالرغم من المخاطر، لا تزال المملكة تفتخر بمجتمعٍ كبير يمتاز بالسرية للمثليين.

وكحال أي مكانٍ آخر في العالم، فإن مجتمع المتحولين جنسياً هو الهدف الأكثر وضوحاً. ففي الأول من مارس 2017، تعرض اثنان من الباكستانيين المتحولين جنسياً – أمنا ومينو – للتعذيب حتى الموت في المملكة العربية السعودية، بعد وضعهما في أكياس وضربهما بالعصي حتى الموت. فقد كانا من بين 35 شخصاً ألقي القبض عليهم عندما أغارت الشرطة على قاعةٍ مستأجرة. وذكرت هيومن رايتس ووتش أن عائلة مينو صُدمت عندما شاهدت علامات التعذيب على جسدها.

وفي حين أثار هذا الحادث غضباً بين جماعات حقوق الإنسان، إلا أنه لم يكن مفاجئاً. فلطالما اضطهدت الدولة مجتمع مغايري الهوية الجنسية في المملكة العربية السعودية. وفي عام 2016، أصدرت السلطات السعودية تعليماتٍ لوكالات السفر في باكستان بعدم منح تأشيراتٍ لمغايري الهوية الجنسية الذين كانوا يخططون لتأدية شعائر الحج أو العمرة.

كما يواجه الرجال والنساء المثليون أيضاً مخاطر محتملة في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فقد جادل البعض بأن فصل الجنسين في المجتمع السعودي يتيح لهم على الأقل الاختلاط والالتقاء ببعضهم البعض.

فقد وجدت نادية لابي، وهي صحفية كتبت مقالاً في مجلة ذا أتلانتيك عن المثلية الجنسية في المملكة عام 2007، أن هناك مساحة كبيرة للعلاقات الجنسية المثلية. القاعدة الوحيدة هي أن على المثليين والسحاقيات أن يلتزموا معايير المذهب الوهابي للبلاد في الأماكن العامة، أما في الأماكن الخاصة، غالباً ما يكون لدى السلطات السعودية القليل من الريبة في العلاقات الجنسية المثلية عندما يكون الأشخاص من نفس الجنس في مكانٍ ما لوحدهم. وقال رجل يدعى “طلال” لنادية إنه يعتبر العاصمة السعودية، الرياض، “جنة للمثليين.”

ومع ذلك، فالبنسبة للعديد من المثليين السعوديين، فإن المملكة أشبه بالعيش في الجحيم. ففي عام 2002، تعرض ثلاثة رجالٍ للإعدام بقطع الرأس لـ”ارتكابهم أفعالاً مثلية.” كما ألقي القبض على عشرات الرجال لحضورهم حفلات زواجٍ لمثليين بين عامي 2005 و2006.

وفي يناير2018، ألقت السلطات السعودية القبض على العديد من الشبان الذين ظهروا في شريط فيديو لزواج مثلي مزعوم جرى في منتجعٍ في مكة. ويشير الحادث إلى أن توقيف المثليين واضطهادهم سيستمر في عهد ولي العهد الجديد محمد بن سلمان، الذي ترحب به شخصيات بارزة في الغرب باعتباره مصلحاً. وقال مسؤول سعودي يدعى علي بن يوسف الشريف للصحفيين إن السلطات تحقق في زواج المثليين وأكد أن على السعوديين أن يلتزموا “بأخلاق البلاد وقيمها الفاضلة.”

وعلاوة على ذلك، قال مثليون سعوديون إنهم يخشون من أن تتبرأ عائلاتهم منهم إذا ما اكتشفوا ميولهم الجنسية. فقد حاول أحد الشباب، الذي يُشار إليه باسم رضوان، إخبار عائلته أنه شاذ أثناء وجوده في الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يتمكن والده من التأقلم مع الخبر وهدد بقتل نفسه، وبالتالي، سرعان ما أخبر رضوان والده أنه لم يعد شاذاً لتتقبله عائلته مرةً أخرى.

وقال رجلٌ آخر، معروفٌ باسم ياسر، إنه إذا ما اكتشفت والدته أنه شاذ، فستصطحبه إلى طبيبٍ نفسي للحصول على “علاج.” وياسر، تماماً كحال عائلته، يقبل بالاعتقاد السائد بأن العلاقات المثلية لا أخلاقية، مما يجعل من الصعب عليه التوفيق بين ميوله الجنسية وآرائه الدينية.

وقال ياسر لمجلة ذا أتلانتيك “يقول ديني أن هذا من المحرمات، وبممارسة مثل هذا النوع من [المثلية الجنسية]، سينتهي الأمر بدخولي النار.” وأضاف “ولكن الله يغفر لك إذا ماكنت نقياً من الداخل. إذا ما كنت تشعر بتأنيب الضمير في كل مرة تقوم بها بهذه الممارسات، لربما سيغفر الله لك. إذا ما مارست أياً من المحرمات ولم تجاهر بالمعصية، فلربما يغفر الله لك.”

وعلى صعيدٍ متصل، تواجه السحاقيات قيوداً مماثلة. وكحال نظرائهم من الذكور، غالباً ما يُجبرن على استكشاف نشاطهن الجنسي على شبكة الإنترنت. فقد قالت أي جاي، وهو لقبٌ لإحدى النساء السعوديات اللتي طلبت اللجوء في الولايات المتحدة الأمريكية، للإذاعة الوطنية العامة أنها بدأت في استكشاف نشاطها الجنسي عن طريق الدخول إلى غرف الدردشة المخصصة للمثليين.

وبحسب قولها “كان هناك القليل من [غرف الدردشة] للسحاقيات. فقد كنت أدخل إلى الإنترنت وأتحدث إلى الناس.” وأضافت “ولكنك لا تعرف اسم أي أحد. ولا تحصل على أرقامهم، ولا تتحدث معهم عبر الهاتف. كانت مجرد دردشة على الإنترنت.”

وأضافت أي جاي أن الأمر استغرقها أكثر من عامٍ ونصف لتتمكن من معرفة اسم أول حبيبة لها على الإنترنت. آنذاك، كانت متأكدة بأنها شاذة. ولكن مع عدم تمتعها بالحرية للاعتراف بشخصها، قررت الإلتحاق بجامعةٍ في الخارج. درست لسنواتٍ قبل أن يتم منحها اللجوء على أساس ميولها الجنسية في عام 2015.

بيد أن الحظ لا يحالف معظم أفراد مجتمع المثليين في السعودية. فقد طُرد روشان، وهو صبيٌ يبلغ من العمر 15 عاماً، من منزله في مارس 2017 بعد أن أخبر والده بأنه شاذ. وفي منشورٍ له على موقع ريديت، ذكر روشان أن عائلته هددت بقتله وأخبرته بألا يعود إلى المنزل قط. وقال أيضاً أنه يتواجد في منزل أحد أصدقائه، الذي لا يمكنه البقاء به سوى لبعضةٍ أيام.

وكتب روشان، “لا يوجد في بلدي موارد لمجتمع المثليين. لا زلت في المدرسة الثانوية (دون السن القانونية للعمل) وبالتالي لا يُسمح لي بالعمل في أي مكان.” وأضاف “ليس لدي أدنى فكرة حقاً عن ما يجب أن أفعله ولا يوجد لدي أصدقاء لأتحدث معهم بهذا الأمر.”

وبالرغم من تلقيه رسائل دعم، إلا أن روشان انتحر، كما يُزعم، بعد ثمانية أيام. وقال عمه، الذي حصل على هاتف ابن شقيقه في وقتٍ لاحق، لداعمي روشان على موقع ريديت أنه توفي.

وبالرغم من القيود المفروضة عليهم، والمأساة التي يُعانوها في بعض الأحيان، إلا أن نادية تقول إن غالبية المثليين السعوديين لا يعتبرون أنفسهم ضحايا، بالرغم من أن بعضهم يحلم بالتأكيد بالحصول على المزيد من الحرية. فقد قال رضوان لنادية إن التقدم الذي تحققه حركات المثليين في الولايات المتحدة ألهمه، وبعد أن رأى مدى انفتاح مجتمع المثليين في بعض المدن الأمريكية، عاد إلى المملكة بنية إطلاق حركةٍ مماثلة.

ومع ذلك، سرعان ما حذره أقرانه وطالبوه بالتزام الصمت. ويذكر قول أحدهم “تمتلك كل ما يرغب به أي شخصٍ مثلي في [المملكة العربية السعودية].” لربما هذا صحيح، باستثناء الأمن والحرية للتعبير عن هويته.