وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ولي العهد السعودي يسجن معارضيه وعينه على العرش

Saudi Arabia-Mohammed bin Salman
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعتقل المعارضين. Photo AFP

اعتقلت المملكة العربية السعودية نشطاء سياسيين وصحفيين وقضاة وشخصيات دينية بمزاعم تقويض النظام الملكي. ففي 12 سبتمبر 2017، أكدت وكالة الأنباء السعودية أن هيئة مكافحة الإرهاب في المملكة كانت تراقب مشتبهاً بهم ممن كانوا يتآمرون مع “قوى آجنبية.”

إلا أن معلقين سياسيين يشككون في الدافع الحقيقي وراء هذه الاعتقلات، الذي يرون فيه معاقبةً للشخصيات المؤثرة التي لم تؤيد كلياً ولي العهد محمد بن سلمان وسياساته.

ومن بين أولئك الذين تم إلقاء القبض عليهم عبد العزيز الشبيلي وعيسى الحامد، الأعضاء المؤسسين لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، وهي جمعية تدعو إلى الإصلاح السياسي وفقاً لتفسيراتٍ جديدة للشريعة الإسلامية. وقد أغلقت جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية عام 2013.

وفي هذا الصدد، قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، التي ترصد الإنتهكات في جميع أنحاء العالم، أن سجن هذين الناشطين علامة أخرى على أن محمد بن سلمان غير مهتم بتحسين سجل بلاده في حرية التعبير أو محاربة التطرف. وأضافت “ستضيع الجهود التي يبذلها السعوديون لمعالجة التطرف هباءً إن بقيت الحكومة تسجن كل شخص بسبب وجهة نظره السياسية.” وأضافت سماح حديد، مديرة الحملات في منظمة العفو الدولية، أن محمد بن سلمان يبدو عازماً على سحق حركات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية.

وقالت منظمة العفو الدولية في بيانٍ : “مجتمع حقوق الإنسان الذي تحوطه المشكلات في السعودية عانى معاناةً شديدة بالفعل على يد السلطات، ومع واقعتي الاعتقال الأخيرتين بات تقريباً جميع المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في البلاد في السجن، بتهم وهمية متعلقة بالإرهاب”.

ويعتبر محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عاماً فقط، أصغر وريث للعرش السعودي. ففي يونيو 2017، ارتقى في السلطة بمباركة والده الملك سلمان، الذي أطاح بولي العهد السابق محمد بن نايف، ووضعه قيد الإقامة الجبرية. واليوم، أصبح محمد بن سلمان الشخصية الأقوى في المملكة، مسيطراً على سياسات المملكة المالية والمحلية والخارجية.

وعلى الرغم من أن العديد من السعوديين يعقدون الآمال بأنّ يحسّن محمد بن سلمان من اقتصاد المملكة المتهالك من خلال خطته الطموحة، رؤية 2030، إلا أنه يواصل بناء سمعةٍ بكونه حاكم مندفع ومتهور، ويتجلى ذلك بخوضه حرباً ضد المتمردين في اليمن، فضلاً عن محاولته السيطرة على سياسات قطر برفقة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد.

بيد أن هذه الاعتقالات واسعة النطاق تضر بصورته. فقد تم أيضاً اعتقال قضاة ومعلقين سياسيين مشهورين بانتقادهم للمتطرفين. كما تم أيضاً سجن الأمير عبد العزيز بن فهد، ابن الملك الراحل وابن شقيق الملك سلمان ولم تؤكد السلطات السعودية صحة الخبر بعد.

ويرى بعض النقاد أن محمد بن سلمان يشن حملةً على كل من يعارض خلافه الدبلوماسي مع قطر، سيما أولئك الذين يعتقدون أن الأزمة الخليجية كشفت حدود سلطة المملكة العربية السعودية في المنطقة. فيما يشك آخرون أنّ الملك سلمان منح محمد بن سلمان الضوء الأخضر لتضييق الخناق على معارضيه قبل توليه العرش. فقد قال أحد كبار الشخصيات في المملكة لصحيفة الجارديان أن محمد بن سلمان يتوخى الحذر على وجه الخصوص من أي شخص تربطه صلات بمحمد بن نايف أو الحرس القديم.

وفي حال تولى محمد بن سلمان عرش المملكة، قد تسلك المملكة العربية السعودية مساراً مختلفاً تماماً. ويشير الدكتور عزام سلطان التميمي، المعلق السياسي لشبكة الحوار، إلى أن محمد بن سلمان يمكن أن يعيد تشكيل المملكة إلى مجتمعٍ أقل تحفظاً، حتى وإن لم يعتمد قيم الديمقراطية الليبرالية. وأضاف التميمي لـفَنَك “هل هو طاغية؟ نعم. هل هو مستبد؟ نعم. هل يؤمن بأي أيديولوجية؟ لا أعتقد أن محمد بن سلمان يؤمن بأي شيء سوى نفسه.”

كما تم اعتقال رجلي الدين المعروفين، سلمان العودة وعوض القرني، اللذين يعتبران من الشخصيات المعتدلة في المملكة العربية السعودية، ممن أسسا قاعدة شعبية ضخمة على وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة. فقد غرّد العودة عن عودة السلام بين قطر والسعودية قبل ساعاتٍ فحسب من اعتقاله.

وقال التميمي “فوجئت بشدة من اعتقال هذين الرجلين،” وأضاف “كان لهؤلاء الرجال تأثير بدفع الشباب في السعودية نحو الاعتدال على مدى السنوات الخمس أو الست الماضية. حتى وإن لم يتفقوا بشكلٍ كامل مع محمد بن سلمان في بعض القضايا، إلا أني ظننت أن ولي العهد سيعتبرهم ذوي قيمة تعزز حكمه وليس تهديداً.”

وبدلاً من ذلك، تم اعتقال رجال الدين مع ما يقرب من 30 آخرين. ويدعي مسؤولون موالون لمحمد بن سلمان أن المعتقلين تآمرا مع جماعة الإخوان المسلمين والمتمردين الحوثيين في اليمن، وهما جماعتان تدرجهما السلطات السعودية على قائمة المنظمات الإرهابية. فالعودة على سبيل المثال، يُعرف بتأييده لجماعة الإخوان المسلمين، كما يؤيد علناً تطلعات الجماعة بالمشاركة في الحكومة منذ بداية الربيع العربي.

وفي 21 سبتمبر 2017، أصدر رجال الدين السعوديون بياناً انتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، أدانوا من خلاله الاعتقالات وما يعتبرونه الاستبداد المتزايد في المملكة العربية السعودية. وحث البيان الذي لم يكشف فيه عن أسماء رجال الدين خوفاً من الانتقام، حث السلطات السعودية على وقف اعتقال أفراد الحرس القديم أو منعهم من السفر. كما اتهموا الإمارات العربية المتحدة ومصر بممارسة الضغط على محمد بن سلمان للقيام بحملة الاعتقالات واسعة النطاق هذه.

ولربما هذا الاتهام ليس عارٍ عن الصحة تماماً، إذ يخمن بعض المحلليين أن محمد بن زايد من يوجه محمد بن سلمان. فقد كتبت مجلة بوليتكو في يونيو 2017 أن محمد بن سلمان يقبل عموماً مشورة محمد بن زايد إلا أن تصور كونه البديل المهيأ ترعبه. ومع ذلك، لا يزال مدى تأثير محمد بن زايد على محمد بن سلمان غير واضح.

وبغض النظر عن التوقعات، دعمت الهيئة الدينية العليا في المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان وقمعه. ومع ذلك، لا يزال ولي العهد يخاطر بحشر نفسه في الزاوية بينما يدعم سلطته. ويدعي التميمي أن أفراد العائلة المالكة يبحثون عن شخصية قوية لمعارضة ولي العهد. وقد يكون هذا أحمد بن عبد العزيز، الذي شغل منصب نائب وزير الداخلية لمدة 37 عاماً قبل أن يتنحى عن منصبه في عام 2012. وعلى الرغم من أن نظرائه يعتبرونه رجلاً يتمتع بالنزاهة، إلا أنه قيل أنه مترددٌ في الإشراف على أي إصلاحاتٍ جادة في المملكة المحافظة.

وقال التميمي: “قيل لي أن أحمد بن عبد العزيز هو الشخص الأكثر قدرة على حشد أفراد العائلة لتحدي محمد بن سلمان.” وأضاف “إن الديناميات الداخلية للأسرة المالكة تتكشف، فالعديد من أعضاء الأسرة المالكة يشعرون أنهم عرضة للهجوم والتهديد من قبل هذا الشاب.”