وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المثلية الجنسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: وضع صعب يرافقه بصيص أمل

هل العالم العربي والمثلية متعارضان؟ قد يظن المرء ذلك بالنظر إلى الأخبار عن مشاعر العداء تجاه المثليين، ومداهمات تجمعات المثليين السرية، وحتى أحكام الإعدام.

ولكن لم يكن الأمر دوماً على هذا النحو. ففي النصف الثاني من القرن الثامن، على سبيل المثال، احتل أبونواس قلوب وعقول جمهوره بالقصائد التي كانت تسخر من الإسلام المنبثق حديثاً، وتحدث صراحةً عن احتساء الكحول والشذوذ الجنسي. ولم يواجه أبو نواس أي مشاكل عندما تحدث عن شهوته للشباب اليافعيين غير الملتحين، حيث لم يعترض على ذلك خلفاء عصره آنذاك. وعلى الرغم من المحتوى الفاحش لقصائده والتي تعارض القيم الإسلامية في الوقت الحاضر، لا يزال اسم ابو نواس حاضراً بين معظم الناطقين باللغة العربية.

وفي الوقت الحاضر، فإن أعمال أبو نواس، وبخاصة تلك التي تتطرق إلى المثلية الجنسية، ممنوعة في غالبية الدول العربية، إلا أنّ هذه القاعدة العامة تمتلك فارقاً بسيطاً، إذ تتعلق معظم القوانين بالمثلية الجنسية للذكور. من ناحية أخرى، يعتبر السُحاق أقل ظهوراً في مجتمعات الشرق الأوسط، ولا يتم إلقاء اللوم على السحاقيات على ميولهنّ الجنسية بقدر ما يتم بالنسبة للرجال المثليين. فالإعتقاد السائد في الشرق الأوسط هو أنّ ممارسة الجنس بشكلٍ كامل فقط يعتبر فعلاً جنسياً. فعلى سبيل المثال، عندما يمارس رجلين الجنس مع بعضها البعض، يُنظر عموماً إلى الطرف الأضعف باعتباره مثلياً، في حين يُنظر إلى شريكه باعتباره يُطلق العنان لرغبته الجنسية المغايرة على الرجال.

ومن الأمثلة على التعصب العربي ضد المثلية حادثة “كوين بوت” في القاهرة. ففي 11 مايو 2001، ألقيّ القبض على 52 رجلاً على متن هذه السفينة التي تتضمن نادٍ ليلي للمثليين. حوكموا جميعاً بتهم الفجور، أو السلوك الفاحش، أو ازدراء الدين. تعرض المتهمون في حادثة “القاهرة 52″ كما باتت معروفة، للضرب للإدلاء باعترافاتهم فضلاً عن إجبارهم الخضوع لفحص الطب الشرعي لـ”إثبات” ميولهم الجنسية المثلية المزعومة.

وفي يونيو 2015، تعرض رجل مغربي في مدينة فاس، قيل أنه مثليّ، للضرب من قِبل الحشود. ووفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، بدأ الحادث عندما طرد سائق سيارة أجرة الرجل المذكور بعد خلافٍ معه، حيث هتف مراراً بأنه “خنيث،” وهي كلمة عامية محلية تحقيراً للمثليين أو الرجال المتشبهين بالنساء. وعندها بدأت الحشود تحاصر الضحية وانهالوا عليه بالضرب وهو على الأرض. التقطت عدسات الكاميرات هذا المشهد الذي انتشر على المواقع الإخبارية المغربية. ووفقاً لتصريحات هيومن رايتس ووتش “يُظهر شريط الفيديو الضحية بشعر طويل ويرتدي رداءً أبيض.”

التسامح تجاه المثلية الجنسية

هذه الأمثلة المخيفة ليست سوى غيض من فيض، ولكن هناك أيضاً أمثلة على تحرر المثليين في الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، هناك مشهد المثليين الذي ظهر مؤخراً في بيروت. فعلى الرغم من أنّ المثلية الجنسية لا تزال غير قانونية في لبنان، إلا أن العاصمة اللبنانية أصبحت مقراً لاجتماع المثليين الذكور من جميع أنحاء الشرق الأوسط، بالإضافة إلى المثليين الذكور من أوروبا. وعلى الرغم من أنّ نوادي المثليين تفضل الابتعاد عن الضوء، إلا أنه يجري تنظيم جولات مثيرة للسياح المثليين.

وحتى في فلسطين، التي تعتبر مجتمعاً متحرراً نسبياً في الشرق الأوسط، لا تزال المجاهرة بالمثلية أمراً صعباً، ولكن ظهرت في رام الله، العاصمة الفلسطينية بحكم الأمر الواقع، بعض المجتمعات الصغيرة للمثليين. وفي ديسمبر 2015، عُقد مهرجان الأفلام الكويرية الفلسطيني الأول، وإن كان ذلك خارج فلسطين، في مدينة حيفا الاسرائيلية. وتقول الصحفية الأمريكية ديبرا كامين، أن الهدف من المهرجان “توفير منصة للأفلام التي تتمحور حول المثليين في البلاد، في الوقت الذي يُفضل فيه غالبية مجتمعات السحاق، والمثلية، وازدواجية التوجه الجنسي والتحول الجنسي من الفلسطينيين البقاء منعزلن.”

وهناك بعض الكتابات في الأدب العربي الحديث تعرض شخصيات مثلية. أحد الأبطال في الراوية الشهيرة عمارة يعقوبيان (2002)، للكاتب المصري علاء الأسواني، حاتم رشيد، وهو رئيس تحرير صحيفة “لي كايرو،” وهي صحيفة يومية باللغة الفرنسية. يُقدم رشيد في الرواية كمفكر ثري كريم يعيش حياة مضطربة من الحب المثلي. وعلى الرغم من أن الأمر يبدو كسابقة في العالم العربي بعرض رواية عربية بطلاً مثلياً، إلا أن النقاد يُشيرون إلى أنّ المثلية الجنسية لرشيد في الرواية تفسيرٌ لشبابه البائس. وعلاوة على ذلك، “يُعاقب” مؤلف الرواية بطله في النهاية بموته بطريقة عنيفة. أما بطل رواية صفارات إنذار بغداد (2007)، للروائية ياسمينة خضر، فيجد عمه في الفراش مع رجلٍ آخر، وتماماً كما هو الحال في رواية الأسواني، يتم قتل المثلي.

التدخل الغربي

المثلية الجنسية في العالم العربي مُقاضاة المثليين جنسياً في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. المصدر : International Lesbian, Gay, Bisexual, Trans and Intersex Association.

وبمجرد أن أصبح تحرير المثليين في الغرب البند الرئيسي على جدول أعمال حقوق الإنسان، بدأت العديد من المنظمات غير الحكومية الغربية إيلاء الاهتمام لمصير المثليين جنسياً في العالم العربي. كما أن تعزيز حقوق المثليين “برز كهدف من أهداف السياسات الخارجية للدول الغربية وأولوية رئيسية للمنظمات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي،” يقول عمر انكارناسيون، أستاذ العلوم السياسية في كلية بارد في نيويورك.

ويجادل الباحث الفلسطيني-الأردني جوزيف مسعد، بأنه لا يتوجب عليها فعل ذلك. فقد كتب مسعد في ورقته البحثية “إعادة توجيه الرغبة: المثلية العالميّة والعالم العربي” (2002)، التي جرى تداولها على نطاق واسع، أن تعزيز حقوق المثليين في الشرق الأوسط هو “مؤامرة بقيادة المستشرقين والمستعمرين الغربيين الذين ينتجون الشذوذ الجنسي، فضلاً عن المثليين والمثليات، حيث لا وجود لهم،” وهنا يعني مسعد أن الغرب يحاول فرض معاييرهم “لقبول” المثلية في عالم آخر، أي الشرق الأوسط، حيث الأمور مختلفة. ومن خلال تبني هذه المعايير الغربية، يقول مسعد، سيستثني سكان الشرق الأوسط أنفسهم من مجتمعاتهم، وهذا أمر لا يريدونه.

سواء كان المثلييون العرب بحاجة إلى مساعدة الغرب أم لا، فمن الوهم أن نعتقد أن المثليين العرب موجودون فقط بفضل الغرب الحديث. وبطبيعة الحال، يعرف المثلييون، حق المعرفة، كيفية إيجاد بعضهم البعض، سواء في البلدان الغربية أو العربية، على الرغم من القواعد والقوانين والتقاليد الاجتماعية المختلفة. وتماماً كحال نظرائهم الغربيين، يستخدم المثلييون العرب المواقع الالكترونية وتطبيقات المواعدة لايجاد بعضهم البعض ويعرفون الحانات والنوادي الليلية التي يرتادونها. ففي النهاية، إن حقيقة عدم وجود مشهد صريح للمثلية الجنسية لا يعنى عدم ازدهارها سراً.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles