حصلت اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس على جائزة نوبل للسلام عن عام 2015. وتعتبر هذه أول جائزة نوبل تونسية وأول القصص السعيدة التي تحظى بها تونس عام 2015. وبالتأكيد، لن تخفي هذه الجائزة المشاكل العميقة التي تعاني منها تونس أو حتى مستقبلها المجهول، إلا أنها قاعدة تؤكد أنه يتوجب على صناع القرار في البلاد، والمجتمع المدني، والمجتمع الدولي مساندة البلاد لمنح الشعب التونسي والمستثمرين التعزيز الإيجابي المطلوب.
عند الإعلان عن منح الجائزة، تساءل الكثيرون عن ماهية “اللجنة الرباعية.” في الحقيقة، حتى عندما بدأت اللجنة الرباعية نشاطها عام 2013، لم يكن الناس يدركون ماهيتها، إذ لم تمتلك تفوضياً رسمياً، أو هيكلاً واضحاً، أو حتى مقراً لعقد الاجتماعات والتخطيط لعملها. فقد كانت اللجنة الرباعية مجموعة خاصة من منظمات المجتمع المدني التي تعمل على نحو فعال وتحقق النتائج.
تتألف اللجنة الرباعية من الاتحاد الرئيسي والأقدم في تونس، الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT)، ونقابة أرباب العمل (UTICA)، والمنظمة التاريخية لحقوق الإنسان في البلاد- الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان (LTDH)، ونقابة المحامين– الهيئة الوطنية للمحامين بتونس (ONAT). يتمتع الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) بقوة حشد الشارع إلى جانب وجود الشرعية الثورية، بينما تتمتع نقابة أرباب العمل (UTICA) بالقوة بفضل ثروة أعضائها، وتمتاز الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان (LTDH) بتاريخ طويل في الدفاع عن حقوق الإنسان، ويعود الفضل إلى الهيئة الوطنية للمحامين بتونس (ONAT) في محاربة الدكتاتورية من أجل إرساء سيادة القانون.
وبقيادة كلٍ من الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) ونقابة أرباب العمل (UTICA)، عقدت المنظمات الأربع سلسلة من الاجتماعات مع القادة السياسيين ومنظمات المجتمع المدني بهدف إخماد الاستقطاب في البلاد (الإسلاميين ضد العلمانيين). كانت الأوضاع متوترة ومحفوفة بالمخاطر، إلا أنها سمحت بانتقالٍ سلس للسلطة بين حزب النهضة الاسلامي والحكومة المستقلة في يناير من عام 2014، بالإضافة إلى التصديق على ثاني دستور عصري في تونس. كما مهدت الطريق لإجراء انتخابات ناجحة عام 2014.
امتلكت اللجنة الرباعية خططاً لنسخ الحوار الوطني السياسي في مجال الاقتصاد، إذ تعاني تونس من أزمة اقتصادية حادة سيّرت الثورة عام 2010-2011، إلا أن الوضع الاقتصادي ازداد سوءاً في أعقابها. ولكن، لم يتحقق الحوار الاقتصادي: فقد كان مهمة غير مكتملة لم يتولاها أحد. وبالتالي، تم تهميش اللجنة الرباعية تدريجياً بسبب الأحداث المتلاحقة.
يعيش الاقتصاد التونسي عصر الفوضى، ويتوقع غالبية النقاد مستقبلاً مظلماً في حال لم يتم تنفيذ الإصلاحات، حيث يتم التلكؤ في تنفيذ هذه الإصلاحات. حتى أن البعض يظن أن الأوان قد فات بالفعل، فضلاً عن تواصل الأخبار المثيرة للقلق أسبوعاً بعد أسبوع. كما يسير الفساد يداً بيد إلى جانب الأزمة الاقتصادية، والاقتصاد غير الرسمي يستفحل في البلاد؛ كما تزيد البيروقراطية الخرقاء الأمور سوءاً.
وتعدّ السياسة مشكلة مؤقتة، مقارنةً بالصعوبات الاقتصادية طويلة المدى التي تعاني منها تونس. فقد كانت السياسة مجرد غيضٌ من فيض، إذ كان حل الأزمة السياسية فرصة للتحرك إلى الأمام، إلا أنه لم يحسّن الحياة اليومية للتونسيين. بل على العكس من ذلك، رفع هذا من سقف توقعاتهم، حيث كان يعتقد الكثيرون أنّ الحكومة المنتخبة حديثاً سترفع الرواتب وتخلق طفرة في سوق العمل. وبعد عامٍ من ذلك، يشعرون بخيبة أملٍ كبيرة.
هذا ويتمتع قادة اللجنة الرباعية (الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) ونقابة أرباب العمل (UTICA)) باختلافاتهم. فقد وضعت الحرب الدائمة بينهم جانباً عام 2013 إلا أنه تم استئنافها فوراً بعد حل الأزمة السياسية عام 2014، في كل من السياسة والاقتصاد. ولتلخيص الصراع، أراد الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) زيادة أجور العمال ورفع الحماية القانونية والاجتماعية من قِبل الدولة، بينما عارضت نقابة أرباب العمل (UTICA) هذا النهج ودعت إلى المزيد من التحرر الاقتصادي وتحقيق أقصى قدر من قوة مجتمع الأعمال.
وقد تدهور الوضع الاقتصادي عام 2015، نتيجة العملين الإرهابيين في كلٍ من متحف باردو ومنتجع سوسة السياحي، الذي أدى إلى انهيار القطاع السياحي. فقَدَ آلاف التونسيين وظائفهم، كما انخفضت احتياطيات العملة الأجنبية. تعتبر هذه حلقة مُفرغة: الإرهاب يولد الأزمات الاقتصادية، والأزمات الاقتصادية تؤدي إلى الإرهاب.
كما ازداد التطرف منذ قيام الثورة، واتخذت الاجراءات الإرهابية أشكالاً مختلفة. وبعد التركيز على أهداف عسكرية محددة بين عامي 2011 و2014، انتشرت الظاهرة إلى المواقع المدنية، كما يظهر جلياً في الهجمات الدراماتيكية عام 2015. وعلى الرغم من محدوديته، يؤثر الإرهاب على نفسية الشعب التونسي والفهم الدولي لتونس على حد سواء. كما أن حقيقة إنضمام آلاف التونسيين لتنظيم الدولة الإسلامية في الوقت الراهن يلوث سمعة التونسيين في الخارج.
وفجأة، جاءت جائزة نوبل للسلام، والتي تلت تتويج الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، مناصفة بجائزة السلام لعام 2015، التي تمنحها مجموعة الأزمات الدولية. ومن ثم جاءت جائزة الديمقراطية من المعهد الديمقراطي الوطني (NDI)، التي حصل عليها أيضاً مجموعة من صانعي السياسة التونسيين ونشطاء المجتمع المدني. فقد أعاد الربع الأخير من عام 2015 تونس مجدداً إلى دائرة الضوء، لتستعيد بذلك جزءاً من صورتها المتألقة التي كانت تتمتع بها عام 2011.