مارس 2018، ولا زال ينتظر 32 ناشطاً نوبياً صدور حكم محكمة أمن الدولة طوارىء، في قضية تعود جذورها إلى تهجير قرى للنوبيين في ستينيات القرن الماضي لإفساح مجالٍ لبناء بحيرة ناصر.
فقد وجهت للنشطاء تهمة الاحتجاج غير القانوني، وتقويض جهود السلام، والهتاف ضد الدولة، والإضرار بالمصالح العامة خلال مظاهرةٍ في سبتمبر 2017، وقد يواجهون ما يصل إلى السجن لخمس سنوات. وقال محمد عزمي، أحد النشطاء الخاضعين للمحاكمة لفَنَك “قمنا بالاحتجاج لنطلب من الحكومة إعادة أرضنا، وفقاً للدستور.”
والنوبيون هم السكان الأصليون الذين يسكنون عادةً على ضفاف النيل في شمال السودان وجنوب مصر، ويعود تاريخهم إلى العصر الفرعوني. ومع بدء تعبئة السد العالي في أسوان عام 1964، خلال حكم الراحل جمال عبد الناصر، غمرت مياه السد 44 قرية نوبية. وعد عبد الناصر النوبيين بأرضٍ جديدة، بين أسوان والحدود مع السودان إلى الغرب من السد. بيد أنه لم يتم الوفاء بهذا الوعد؛ بل إن عبد الناصر بنفسه خصص تلك الأراضي لمشروع بحيرات توشكى، وهو خطة تنمية زراعية طموحة لم تحقق نتائجها المعلنة.
وبدلاً من ذلك، نزح حوالي 50 آلاف نوبي إلى قرى شمال السد، على الضفة الغربية للنيل بالقرب من كوم أمبو وأسوان: شريط ضيق من الأرض مع مساحة محدودة للزراعة. ومنذ ذلك الحين، طالب النوبيون بعودة أراضيهم، كما وعد عبد الناصر، وذلك في بعض الأحيان عن طريق الاحتجاج.
وفي سبتمبر 2017، نظم النشطاء النوبيون مظاهرةً في أسوان، حيث فرقتهم الشرطة وتم اعتقال العشرات. وقالت راجية عمران، وهي محامية مختصة بحقوق الإنسان لفَنَك: “كان حدثاً سلمياً في حديقة عامة، بإقبالٍ ضئيل.” وبصفتها عضواً في المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، وهي هيئة حكومية رسمية، تتابع راجية القضية عن كثب. كما تم تفريق الاحتجاجات اللاحقة التي خرجت احتجاجاً على اعتقال النشطاء، وكان هناك العديد من الاعتقالات التعسفية.
وفي نوفمبر، أخذت القضية منعطفاً جديداً بعد وفاة أحد النشطاء النوبيين، جمال سرور، في السجن بسبب الاشتباه بالإهمال الطبي المتعمد. وقالت عمران “تم احتجازهم في معسكر أمني مركزي في أسوان، وليس في سجن اعتيادي.” وأضافت أن سرور كان يعاني من مرض السكري وكان بحاجة إلى رعاية طبية لم تتوفر في المعسكر. وبعد وفاة سرور، خرج الناس إلى الشارع مجدداً، وبعد فترةٍ وجيزة، تم إطلاق سراح جميع المعتقلين في انتظار محاكمتهم.
فمنذ عام 2014، كان لدى النوبيين أداة قوية جديدة إلى جانبهم، فقد منحهم دستور عام 2014، في ظل ضغوطاتٍ مارسها نشطاء وسياسيين، الحق بعودة أراضيهم. ووفقاً للمادة 236، ” تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور.”
ومع ذلك، لا يزال يتعين اتخاذ إجراءاتٍ ملموسة. وعلاوة على ذلك، فقد تم تصنيف أجزاء من الأراضي التي يطالب بها النوبيون كمنطقة عسكرية بموجب مرسومٍ رئاسي، وقد تم طرح أجزاء أخرى للبيع للمستثمرين الدوليين. وفي نوفمبر 2016، نظم النشطاء النوبيون اعتصاماً على طريق أسوان- أبو سمبل، ومنعوا عملية بيع واحدة من هذا القبيل.
وكشفت حواراتنا مع النوبيين في قرى غرب أسوان ردود فعلٍ متنباينة. فقد قال لنا مرشد سياحي “بمجرد أن تضع الحكومة يدها على أرضٍ ما، لن تتم استعادتها قط.” بينما أخبرنا حسين، وهو مالك شركة تنظيف محلية تعرض للتهجير عندما كان يافعاً، أنه يؤمن أن الاحتجاج ليس وسيلة جيدة للمطالبة بحقوق النوبيين، إذ قال “علينا التوصل إلى حلٍ عقلاني، بالحوار، وليس عن طريق إثارة الاضطرابات.” وأضاف “في النهاية، الدستور في صالحنا.”
ولربما يكون هذا مقلقاً بالنسبة لـ32 ناشطاً الذين ينتظرون صدور الحكم من قِبل محكمة أمن الدولة طوارىء. فقد تم إنشاء هذه المحاكم في أكتوبر 2017، بموجب حالة الطوارىء التي تم فرضها في أبريل 2017، بعد مقتل 45 شخصاً في الهجمات التي تعرضت لها الكنائس في البلاد، وظل ساري المفعول منذ ذلك الحين.
ومن الجدير بالذكر أن محكمة أمن الدولة طوارىء تتمتع بسلطة قضائية بالقضايا التي تتعلق بالاحتجاجات، والإضرابات والتجمع، والإرهاب وحيازة الأسلحة. وقالت عمران، “لا يمكن الطعن في الأحكام الصادرة من هذه المحاكم. يصبح الحكم نهائياً بعد تصديق الرئيس.”
ومع ذلك، لا تزال عمران متفائلةً بتبرئة النوبيين في هذه القضية. وقالت إن القاضي لم يطلب تواجدهم في قاعة المحكمة، وهذا “مؤشرٌ جيد.” وبالإضافة إلى ذلك، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في أواخر مارس 2018، فإن السلطات حريصة على عدم إثارة المزيد من الاضطرابات بين المجتمع النوبي. ومع ذلك، حتى إذا ما تم تبرئتهم من التهم، ستبقى قضية النوبيين “حاضرةً” بحسب عمران.
وأفادت الصحافة المحلية في فبراير 2018 أن لجنةً شكلها الرئيس عبد الفتاح السيسي أنهت تقريراً بأسماء الأسر النوبية المؤهلة للحصول على تعويض، إلا أن عدد الأسر وشكل التعويضات لا يزال غير واضح. وقال الناشط محمد عزمي في هذا الشأن “لن يعيدوا لنا أي شيء.” وأضاف “لا أعرف كيف أواصل [الاحتجاج] في هذا الموقف.” وهو يعتقد أن الخيار الآخر الوحيد هو التحكيم الدولي، “يمكننا تقديم شكوى للاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة.”
في حين تتحفظ عمران على فرص رفع القضية إلى المحاكم الدولية، إذ قالت إنه يجب استنفاذ جميع الوسائل القضائية الوطنية قبل أن تنظر محكمة الاتحاد الإفريقي في القضية.