وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصر عبد الناصر (1956 – 1970)

القوات البحرية البريطانية تنزل عام 1956 / Photo HH
القوات البحرية البريطانية تنزل عام 1956 / Photo HH

بلغت الاضطرابات ذروتها عام 1952. استولت منظمة ثوريّة سريّة من الضباط كانت قد تأسست بعد المشاركة في حرب 1948 ضد إسرائيل، منظمة الضباط الأحرار، على السلطة في 23 تموز/يوليو. عندها اضطر الملك فاروق (1920-1965) إلى التنازل عن العرش ومغادرة البلاد (خلفه رسمياً ابنه البالغ ستة أشهر من العمر ليصبح الملك فؤاد الثاني). لم تصدر ردة فعل بريطانية على الحدث. تم إلغاء الدستور وحل الأحزاب السياسية.

وبعد عام واحد، في 18 حزيران/يونيو 1953، تم الإعلان عن جمهورية مصر رسمياً. وتم تشكيل حكومة، وأصبح الجنرال محمد نجيب  رئيساً للجمهوريّة ورئيساً للوزراء وقائداً عامًا للقوات المسلحة. لكن السلطة الحقيقية كانت في يد مجلس قيادة الثورة بزعامة المقدم جمال عبد الناصر. وبعد صراع على السلطة، تقلّد الرئيس عبد الناصر زمام الحكم في حزيران/يونيو عام 1956.

كانت أولى القرارات الأكثر ثورية التي اتخذها جمال عبد الناصر (1918-1970) اعتماد قانون استصلاح الأراضي ومصادرة كافة عقارات الإقطاعيين وإعادة توزيع الأراضي على الفلاحين. وتم تجريد كبار الإقطاعيين، المصريين والأجانب، من ملكياتهم، وأدى التأميم إلى رحيل الكثير من الجاليات الأجنبية.

كانت الخطوة التاريخية الأخرى قبول العرض السوفييتي بإعادة تسليح وتدريب القوات المصرية. فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بعرقلة قرض من البنك الدولي لبناء سد أسوان العالي. ورداً على ذلك، قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس في 26 تموز/يوليو 1956. واكتمل انسحاب القوات البريطانية في 18 تموز/يوليو 1956.

قامت بريطانيا وفرنسا بتشويه سمعة عبد الناصر بتلقيبه بـ ‘هتلر العرب’. ثم اتفقتا سراً مع إسرائيل على ضرورة غزوها لسيناء في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1956، مما يعطي ذريعة لهما (بريطانيا وفرنسا) بالتدخل عسكرياً. وخوفاً من خسارة مصر لصالح الاتحاد السوفييتي بشكل كامل، ضغطت واشنطن على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لوقف الأعمال العدائية، مهدّدة بعواقب اقتصادية.

برز جمال عبد الناصر كبطل قومي. فكان لجاذبيته الشخصية وأيديولوجيته حول القومية العربية أن جعلت له شعبية واسعة بين الجماهير المصرية والعربية. وأصبحت مصر رائدة في مناهضة الاستعمار ودعم نضالات التحرر في شمال أفريقيا والمنطقة العربية. وعلى أساس هذا النجاح، لعب الزعيم جمال عبد الناصر – مع رئيس وزراء الهند بانديت نهرو، ورئيس جمهورية يوغوسلافيا السابق، ورئيس جمهورية إندونيسيا سوكارنو – دوراً بارزاً في حركة تسمى بـ “عدم الانحياز”.

لاستياء أمريكا، تقرّبت مصر من الإتحاد السوفييتي. فقدمت موسكو مساعدات مالية وفنية لبناء السد العالي في أسوان وزودت مصر بالمعدات العسكرية والتدريب لمواجهة تعزيزات الولايات المتحدة الأمريكية لجيش الدفاع الإسرائيلي.

رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن (1955-1957) وجمال غبد الناصر عام 1955
رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن (1955-1957) وجمال غبد الناصر عام 1955

الرئيس جمال عبد الناصر (يمين) يتحدث مع رئيس الاتحاد السوفييتي نيكيتا كروشيف عام 1964 / Photo HH / اضغط للتكبير
الرئيس جمال عبد الناصر (يمين) يتحدث مع رئيس الاتحاد السوفييتي نيكيتا كروشيف عام 1964 / Photo HH / اضغط للتكبير

في شباط/فبراير 1958، قررت حكومتا مصر وسوريا توحيد بلديهما وتشكيل الجمهورية العربية المتحدة (استمر الاتحاد حتى عام 1962).

بعد سلسلة من الحوادث المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجهود إسرائيل للسيطرة على إمدادات المياه من لبنان وسوريا، أمر عبد الناصر بانسحاب قوات الطوارئ العائدة للأمم المتحدة (UNEF)، والتي كانت تتمركز في شبه جزيرة سيناء في أعقاب أزمة السويس. ثم أرسل عبد الناصر قواته وفرض حصاراً على حركة السفن المتجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي عبر مضيق تيران. عندئذ، شنت إسرائيل هجوماً واسع النطاق على مصر واحتلت شبه جزيرة سيناء بأكملها في غضون ستة أيام (ومن هنا جاء اسم حرب الأيام الستة أو حرب حزيران/يونيو 1967). خلال الحرب، احتلت إسرائيل أيضاً قطاع غزة (الذي كانت تديره مصر) والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية (المضمومة إلى الأردن) ومرتفعات الجولان (السورية). تم إغلاق قناة السويس وبقيت مغلقة مدة ثماني سنوات. أذلت الهزيمة النكراء الحكومات العربية؛ وفي الواقع، تأثرعبد الناصر كثيراً بها حتى أنه أعلن عن استقالته من منصب الرئيس. فأجبره الدعم الجماهيري على البقاء في منصبه؛

ولكن على المدى الطويل، لم يعد بريق شخصيته قادراً على إخفاء سوء الإدارة الاقتصادية. ومع زيادة المعارضة السياسية، كان رد نظام عبد الناصر بالمزيد من القمع. وتم دمج جميع الأحزاب السياسية في الاتحاد الاشتراكي العربي، واعتقلت أجهزة أمن الدولة العديد من معارضي للنظام.

توفي عبد الناصر بأزمة قلبية في 28 أيلول/سبتمبر عام 1970، تاركاً مصير مصر في أيدي نائبه أنور السادات (الذي كان من حركة الضباط الأحرار). نزل الملايين إلى الشوارع حداداً على عبد الناصر. ورغم الحالة المزرية التي كانت تعيشها البلاد، إلا أن عبد الناصر حقق، خلال فترة رئاسته، تقدماً اجتماعياً من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية الجذرية. وأصبح التعليم العالي متاحاً للجميع، بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية، وتحسنت مرافق الرعاية الصحية العامة بشكل كبير.

الناصرية

كان عبد الناصر أول مصري يقود البلاد منذ سقوط الفراعنة. فترك تقليد الفكر السياسي الذي لا يزال يحظى بشعبية بين المثقفين المصريين. ومن الصعب إيجاز الأيديولوجية الناصرية: فهي ثورية ووطنية وقومية عربية وعلمانية ومناهضة للإمبريالية ودكتاتورية واشتراكية؛ وقبل كل شيء، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعبد الناصر نفسه. بعد وفاة عبد الناصر، تجزأت الناصرية إلى أنواع بعدد أنصارها المتخاصمين حول الإرث الحقيقي لزعيمهم. إلا أن عبد الناصر يبقى الزعيم العربي الوحيد الذي حملت عقيدة سياسية اسمه، والتي لا تزال مستمرة في حزب سياسي بعد الثورة المصرية الأخيرة.

[/vc_column]
Advertisement
Fanack Water Palestine