دانا حوراني
أعلن حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في 2 مارس الماضي، أن الحزب سيدفع بثلاثة عشر مرشحًا، ليس بينهم أي امرأة، في الانتخابات النيابية التي ستُعقد في مايو المقبل. مثل هذه الاختيارات لا تعبّر عن سياسة حزب الله دون سواه، بل عن حال المشهد السياسي اللبناني بشكل عام. إذ أن المجال السياسي يكاد يكون حكرًا على الرجال ولا يترك للنساء سوى حصة صغيرة.
فلبنان يحتلّ المرتبة 149 من أصل 153 من حيث التمكين السياسي، وفقًا لتصنيف المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2020، ولا يليه في الترتيب من دول الشرق الأوسط سوى سلطنة عمان واليمن.
وقد شكلت النساء في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 نحو 51% من الناخبين، وهو ما يتجاوز عدد الناخبين الذكور في 14 دائرة انتخابية من أصل 15 دائرة. وتقدّمت للانتخابات في ذلك العام 113 مرشحة، ولكن فازت ستّ مرشحات فقط.
وتستعد النساء لمعركة الانتخابات المقرر لها في مايو القادم بمزيج من الحماس والجدّ. ويرى المتابعون للشأن اللبناني أن الأحزاب الجديدة، بخاصةٍ تلك التي أُسست عقب انتفاضة 17 أكتوبر، أكثر تنوعًا من الأحزاب الأخرى. لكن بعض التحليلات تشير إلى أن تحقيق المساواة في التمثيل النيابي يحتاج إلى عمل شاق.
وقالت جويل أبو فرحات لفنك، إحدى مؤسسي منظمة “50/50” غير الحكومية المعنية بتعزيز تمكين المرأة على جميع المستويات والتوعية بأهمية سياسات المساواة بين الجنسين، فإن الحصص البرلمانية المحددة ضرورية لتحقيق التغيير المنشود في الانتخابات.
وقد قدّمت المنظمة مقترحًا لتعديل القانون الانتخابي ليشمل الحصص النسائية. وأتى مشروع القانون المقترح في مادتين مطالبًا بتخصيص 26 مقعدًا برلمانيًا للنساء من إجمالي 128 مقعدًا، وهو ما يعادل نحو 20% من أعضاء البرلمان، ونحو 40% من قوائم المرشحين. وتجري حاليًا المناقشات بشأن تطبيق المقترح
وقالت أبو فرحات “لم يعتد الناخبون رؤية النساء في مثل هذه المناصب لأن الرجال يشغلون نحو 96% منها، ومن هنا تأتي أهمية تخصيص مقاعد للنساء حتى يعتاد المواطنون اللبنانيون التصويت للمرشحات ويألفون مشاركتهن في العمل السياسي العام”.
وتبذل الناشطات كل ما في وسعهن لمواجهة المزاج العام المحافظ المتجذر في المجتمع اللبناني.
رحلة في مواجهة الصعاب
قالت لين حرفوش لفنك، المنسق العام لحزب الكتلة الوطنية، بإن الحزب أسند إليها فور انضمامها مهمة متابعة الأخبار. ولم يمض وقت طويل حتى أدركت بعد فترة أن طموحاتها أكبر من ذلك، ومن ثمّ تدرّبت على الخطابة السياسية لتصبح من أبرز الوجوه السياسية في الكتلة.
وقالت حرفوش “بعد تعييني في اللجنة التنفيذية، كان أحد الشواغل الرئيسة لي هو زيادة عدد النساء في المجال السياسي، وصار ذلك هدفي الأسمى”.
وترى حرفوش أن للنساء دوراً أساسياً في المبادرات الاجتماعية والمنظمات غير الهادفة للربح، لكن المجال السياسي قد أصبح في أمسّ الحاجة إلى مجهوداتهن.
ولهذا السبب أطلقت حرفوش مبادرة “سياسيات”، وهي مبادرة تقدم للناشطات والصحفيات التدريب الإعلامي وتعلّم مهارات الضغط السياسي والخطابة الرئيسية والتسويق الشخصي بالإضافة إلى أمور أخرى.
وأضافت حرفوش أن “النساء لا يجب أن يُحصرن في الصورة النمطية للناشطات فحسب”.
وتعتقد حرفوش أن بناء مجتمع مترابط أمسى أمرًا ملحًا، وهو خطوة ضرورية من أجل دحض أسطورة ثقافية مفادها أن “ألد أعداء النساء هن النساء أنفسهن”.
وقد تمكنت حرفوش، رفقة زميلتين في الكتلة الوطنية، من حشد الدعم اللازم لمقترح منظمة 50/50 الذي يضمن المساواة في الانتخابات البلدية والنيابية. لكن القانون لم يلق دعمًا كافيًّا من أحزاب كثيرة.
ترى أبو فرحات أن سبب ذلك أزمة متجذرة في المجتمع اللبناني. إذ أن وجود المرأة في السياسة اللبنانية نادر جدًا، وتعاني المرأة دائمًا من تشكيك المجتمع بقدراتها، كما يُلقن الناس بوسائل مختلفة أن وجود الرجال في الحياة السياسية أفضل وأنهم المؤهلون لتولي المناصب. كما أن الإعلام مقصّر بالتعريف بإنجازات المرأة وجهودها. وزدْ على ذلك، أن الأحزاب الكبيرة لا تضع إطارًا يسمح بمشاركة المرأة في السياسة ولا تشجع على ذلك.
وقالت أبو فرحات إن “الأمر يتطلب خطة وطنية تدعم مشاركة المرأة في السياسة، وعلى كل الأحزاب السياسية إدراج المرشحات في القوائم الانتخابية”.
وتابعت: “النساء في حاجة ماسة إلى الدعم وذلك لتمويل الحملات الانتخابية في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية”.
معركة ثقافية
في 2009، كان عدد النساء المرشحات 12 فقط. أمّا في عام 2018، فقد ارتفع عدد المرشحات ليصل إلى 113 مرشحة. ورغم غياب أي أرقام رسمية عن عدد المرشحات في الانتخابات النيابية المقبلة، يتوقع الخبراء زيادة كبيرة هذا العام.
بيّنت حرفوش في حديثها لفنك أن تقدم المرأة في المجال السياسي يواجه عقبتين رئيسيتين. الأولى هي الصورة النمطية التي شكّلها المجتمع عن الرجال والنساء على حد سواء.
وبحسب رأيها، “لن يكرس السياسيون بطبيعة الحال كل وقتهم وطاقتهم لتربية الأطفال ورعاية الأسرة. أمّا أنا وبصفتي امرأة في المجال السياسي، فأشعر بالذنب وكأنني ممزقة بين عالمين”.
فالعمل السياسي، كما تصفه حرفوش، متطلب ويستلزم عقد لقاءات واجتماعات مع أفراد من المجتمع فضلًا عن مخاطبة الرأي العام. ويعتبر المجتمع أن الرجال مؤهلين أكثر للعمل السياسي، لذلك لا تُؤخذ النساء على محمل الجد.
وقالت حرفوش “كثيرًا ما أرى بعض الرجال في الاجتماعات مع الأحزاب الأخرى وقد أظهروا بوضوح عدم اكتراثهم خصوصًا حين تُدلي النساء برأيهن في مواضيع معينة. كما أن النساء تخشى رد فعل الجمهور نظرًا لترصد الرأي العام لهن مقارنة بالرجال”.
وتستدل حرفوش، التي تنتمي إلى الطائفة الشيعية، على كلامها بمقابلة تلفزيونية مع زميل لها ناقشا فيها وضع حزب الله الشيعي وأسلحته وتوسع إيران في المنطقة.
وتزعم حرفوش أن أنصار حزب الله شنوا حملة تشويه على الإنترنت ضدهما بعد انتهاء المقابلة بقليل.
قالت حرفوش إن زمليها “اتُهم بالعمالة، بينما طالتني اتهامات مفادها أني وصلت إلى هذه المكانة عن طريق الجنس. وتعرضت لافتراءات هي في مجملها معادية للمرأة. وقد تسبب ذلك في أذى نفسي كبير لعائلتي”.
وأفادت حرفوش أنها تُنصح بترك الأمر برمته، لكنها ترى أن معركتها تستحق العناء.
طريق طويل
أكدت أبو فرحات أن التغيير المطلوب لن يحدث إلا بحصول المرأة على 40 مقعدًا على الأقل في البرلمان. وترى أن وجهات النظر السياسية للنساء والرجال مختلفة، لكن وجودهما معًا ضروري لتطوير عمل مؤسسات الدولة.
وقالت أبو فرحات بأن “الأجندات السياسية للمرأة تركز بشكل أكبر على تلبية احتياجات الناس ومعالجة الظلم بعامةٍ، بما في ذلك الخاص بحقوق المرأة. ولا يمكن أن نقبل بقوانين أبويّة ظالمة”.
فقوانين الأحوال الشخصية مثلاً مثال صارخ على الظلم الذي تتعرض له النساء. إذ تفصل السلطات الدينية الأبويّة في القضايا المتعلقة بالطلاق والحضانة.
ورغم أن دور المرأة في السياسة قد تطور بالفعل، من مجرد التخطيط للفعاليات إلى أن أصبحت جزءًا من عملية صنع القرار داخل الجماعات والأحزاب السياسية، فالطريق ما يزال طويلًا بحسب أبو فرحات.