وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حزب الله: من ميليشيا إلى قوةٍ عسكرية

حزب الله
مقاتل يلوح بعلم حزب الله خلال تجمع للإحتفال “بيوم التحرير”، الذكرى السنوية لإنسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، النبطية، لبنان، 24 مايو 2015. Photo AP

المقدمة

تشكل حزب الله في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والغزو الاسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982. للحزب جناحٌ عسكري، والذي أدرج على قائمة المنظمات الإرهابية من قِبل إئتلافٍ واسعٍ من الدول، وجناحٌ غير عسكري، ممثلٌ في الحكومة اللبنانية.

يتبع حزب الله الفقه الفكري الإسلامي الشيعي المعروف بـ”ولاية الفقيه،” الذي وضعه آية الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية في إيران. وعلى الرغم من أن هدف حزب الله الأساسي هو تحويل لبنان إلى جمهوريةٍ إسلامية رسمية، إلا أنه تم التخلي عن هذا الهدف في وقتٍ لاحق لصالح نهجٍ أكثر واقعية.

تعود جذور الحزب إلى النهضة الشيعية في ستينيات وسبعينات القرن الماضي، والمنسوبة إلى حدٍ كبير إلى رجل الدين والفيلسوف اللبناني- الإيراني السيد موسى الصدر. فقد انتقل إلى لبنان كمبعوثٍ لآية الله البروجردي، الذي قاد السلطة الدينية في إيران من عام 1947 حتى وفاته عام 1961. فقد كان للصدر، الذي ينحدر من سلالة طويلة من رجال الدين البارزين، تأثيرٌ متواصل على السياسة والدين في لبنان. وغالباً ما يشار إليه بأنه “شخصية عظيمة في الفكر السياسي الشيعي الحديث،” الذي منح الشيعة اللبنانيين إحساساُ بالغاية والمجتمع في المشهد الطائفي المعقد في البلاد. وبقيامه بذلك، وضع الأسس لظهور حزب الله.

ظهور حزب الله

إكتسب الصدر مكانةً بارزة كداعية صريح للشيعة في لبنان، وهي مجموعة عانت حرماناً اقتصادياً وسياسياً. وكما يقول الأكاديمي الإيراني الأمريكي، والمؤلف المتخصص في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، في كتابه النهضة الشيعية: كيف ستشكل الصراعات داخل الإسلام المستقبل، ولي نصر، بأنّ “[الصدر] عمل بلا كللٍ أو ملل من أجل تحسين مصير مجتمعه- ليمنحهم صوتاً، ولحمايتهم من ويلات الحرب والنزاع بين الطوائف.” ومع ذلك، أثار الصدر، الذي يُعرف بفطنته، إعجاب اللبنانيين ككل من خلال تقديم نفسه كشخص معتدل على استعدادٍ للتواصل والتعاون مع مختلف الطوائف في البلاد. وللاستفادة من ذلك، تجلت خطة الصدر لمنح الشيعة نفس المكانة التي تتمتع بها الطوائف اللبنانية الأخرى في مرحلتين.

تمثلت المرحلة الأولى في تعيينه عام 1969 رئيساً للمجلس الشيعي الإسلامي الأعلى، وهي هيئةٌ تهدف إلى منح الشيعة المزيد من الدور في عملية صنع القرار السياسي في لبنان. في حين جاءت المرحلة الثانية في عام 1974، عندما أسس حركة المحرومين، التي أصبحت تُعرف فيما بعد باسم حركة أمل، من أجل السعي لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشيعة.

وبعد عام من ذلك، في يناير 1975، أسست الحركة جناحاً مسلحاً تحت قيادة الصدر، أطلق عليه إسم أفواج المقاومة اللبنانية. اكتسبت الحركة اهتماماً بعد اختفاء الصدر الغامض في رحلة إلى ليبيا في عام 1978، وتجددت شعبيتها بعد غزو إسرائيل لجنوب لبنان- وهي منطقة ذات أغلبية شيعية – في أوائل الثمانينيات. خلف الصدر، لفترةٍ وجيزة، حسين الحسيني، إلا أنه استقال من منصبه عام 1980 بعد أن رفض “تلويث حركة أمل بالدم” والقتال إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية أو أي فصيل آخر في الحرب الاهلية اللبنانية الجارية.

وبعد إستقالة الحسيني، تولى نبيه بري قيادة الحركة، مشرعاً تورط الحركة في الحرب. ومع ذلك، لم يكن التيار الديني داخل الحركة راضياً عن قيادة بري التي إعتبرها “علمانية جداً،” وفي صيف عام 1982، انفصل حسين الموسوي، نائب رئيس أمل والناطق الرسمي، لتشكيل حركة أمل الإسلامية. ومن بين الأسباب الأخرى للانقسام، كانت قبول بري بالجهود الدبلوماسية الأمريكية لإنهاء الحصار الاسرائيلي على بيروت الغربية، معقل حركة أمل، ومعارضته التعهد بالولاء الإسلامي للزعيم الثورى الايرانى، آية الله الخمينى.

حصلت حركة أمل الإسلامية على دعمٍ عسكري وتنظيمي كبير من الحرس الثوري الإيراني. وفي مقر الحركة في البقاع في لبنان، أرسل الخميني الحرس الثوري لمحاربة الغزو الإسرائيلي، ليبرزوا كأهم الميليشيات الدينية الشيعية المحافظة والفعّالة، التي واصلت عملها لتشكيل حزب الله. وفي وقتٍ لاحق، قامت مجموعة قوامها 1500 من الحرس الثوري بتدريب أعضاء حزب الله وكوادره، مما جعل، في نهاية المطاف، وجود الجماعة مشروعاً إيرانياً مُخلصاً للخميني، الهدف الرئيسي منه هو تهديد إسرائيل.

تحديد الهدف

منح غزو واحتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982 الميليشيات المذكورة آنفاً هدفها المرجو، وبدأوا في شن هجماتٍ ضد القوات الإسرائيلية وجيش لبنان الجنوبي (جيش لحد)، وهي ميليشيا لبنانية مسيحية متحالفة مع إسرائيل. وقد تحقق ذلك من خلال مزيجٍ من حرب العصابات والحرب شبه التقليدية. تألفت حرب العصابات من الاغتيالات، والسيارات المتفجرة، وعمليات القتل المستهدفة، وعمليات الاختطاف، والتفجيرات الانتحارية. وفي حين أن حزب الله لم يكن أول جماعةٍ تستخدم التفجيرات الانتحارية، إلا أنه يعتبر، إلى حدٍ كبير، أول جماعة إسلامية تعممها. واصل الحزب استخدام هذه الاستراتيجية محققاً نجاحاتٍ كبيرة حتى عام 2000، قبل أن يتجنبها في نهاية المطاف لصالح نوعٍ آخر من الهجمات.

وفي أعقاب وقف إطلاق النار عام 1981 بوساطةٍ أمريكية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ونشر القوة الرباعية المتعددة الجنسيات في لبنان (من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا)، كقوةٍ دولية لحفظ السلام، أصبح حزب الله منخرطاً بشكلٍ متزايد في الحرب الأهلية اللبنانية. ويعتقد أن حزب الله كان وراء تفجير السفارة الامريكية والتفجير المنسق للثكنتين العسكريتين الامريكية والفرنسية فى عام 1983. وفى الهجوم الأخير، تم تفجير انتحاريين يقودان شاحنتين مفخختين محملتين بما يعادل ستة أطنانٍ من متفجرات تي إن تي، مما أسفر عن مقتل 258 جندي أمريكي و58 جندي فرنسي، مما دفع قوات حفظ السلام الغربية للانسحاب.

وفي عام 1985، أعلن حزب الله رسمياً عن نشأته من خلال نشر بيانٍ يتضمن من بين أهدافه ضرورة طرد “الأمريكيين والفرنسيين وحلفائهم قطعاً من لبنان، ووضع حدٍ لأي كيانٍ استعماري على أرضنا.” كما دعا إلى “إبادة” إسرائيل و”تبني النظام الإسلامي على أساس الاختيار الحر والمباشر للشعب، وليس على أساس فرضه بالقوة،” ووصف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بأعداء مبدأ الدين الإسلامي.

وعليه، دعا اتفاق الطائف عام 1989؛ خارطة الطريق للحل السياسي الذي وضع حداً للحرب الأهلية اللبنانية، إلى نزع سلاح الميليشيات المختلفة. دفع هذا حزب الله إلى إعادة تسمية جناحه العسكري كـ”قوة مقاومة إسلامية،” مكرسةً بالكامل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وبفضل الرعاية والدعم السوريين، سُمح للحزب بالاحتفاظ بأسلحته والاستفادة من ترسانته وخبراته القتالية.

دخول المعترك السياسي

بعد السلام الذي فُرض على لبنان في عام 1990، واصل حزب الله حرب العصابات في جنوب لبنان. ومع ذلك، أضاف أيضاً جناحاً سياسياً إلى الجناح شبه العسكري الذي أنشأه بدايةً، مُظهراً رحابة صدرٍ أيديولوجية سامية- أو لنقل براغماتية- تجاه الدولة اللبنانية وصيغتها الطائفية المعقدة لتقاسم السلطة. وفي عام 1992، شارك الحزب بنجاحٍ في الانتخابات الوطنية للمرة الأولى، حيث حصل على جميع المقاعد الـ12 على قائمته الانتخابية، وفي نهاية ذلك العام، بدأ في الإنخراط في حوارٍ مع المسيحيين اللبنانيين.

وفي عام 2000، غادرت أخيراً القوات الإسرائيلية جنوب لبنان، حيث نُسب الفضل في الإنسحاب إلى عمليات حزب الله طوال فترة التسعينيات من القرن الماضي. وعلاوةً على ذلك، قاوم الحزب الضغوطات المستمرة لنزع سلاحه، وحافظ على وجوده العسكري الكامل في الجنوب، مدعياً أن مزارع شبعا المتنازع عليها وغيرها من المناطق لا تزال أراضٍ لبنانية بحاجة إلى التحرير.

وفي يوليو 2006، شن مسلحون من حزب الله هجوماً عبر الحدود، حيث قتل ثمانية جنود اسرائيليين واختطف اثنان آخران مما دفع إسرائيل إلى شن هجومٍ إنتقامي واسع النطاق. وطوال 34 يوماً، قصفت الطائرات الحربية الاسرائيلية معاقل حزب الله فى جنوب لبنان وبعلبك وضواحى بيروت الجنوبية، في حين أطلق حزب الله نحو 4 آلاف صاروخ على إسرائيل. قتل أكثر من 1,125 لبناني، معظمهم من المدنيين، خلال الحرب، فضلاً عن مقتل 119 جندياً إسرائيلياً و45 مدنياً.
لم ينجح حزب الله في تخطي أزمة الحرب فحسب، بل أظهر أيضاً جرأةً لم يسبق لها مثيل. فقد عمد إلى تحديث وتوسيع ترسانته الحربية وتجنيد عددٍ لا يُحصى من المقاتلين الجدد. ومع ذلك، لم تنشب أي حربٍ كبيرة على طول الحدود منذ ذلك الحين، ويتم اليوم حراسة المنطقة من قبل دوريات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والجيش اللبناني.

وفي عام 2008، وبينما كانت الحكومة اللبنانية تستعد لإغلاق شبكة الاتصالات الخاصة التابعة لحزب الله واستبدال رئيس أمن مطار بيروت بسبب علاقاته المزعومة مع الحزب، رد حزب الله بالاستيلاء على جزءٍ كبير من العاصمة بيروت ومحاربة الجماعات السُنية والدرزية المناهضة له بالأسلحة التي كدسها منذ نهاية الحرب الأهلية. ومن أجل إنهاء الاشتباكات الطائفية التى اسفرت عن مقتل 81 شخصاَ ودفعت بلبنان إلى حافة حربٍ أهليةٍ جديدة، تراجعت الحكومة. وأخيراً، منح اتفاقٌ لتقاسم السلطة، برعاية قطر، حزب الله وحلفائه عدداً من المناصب الوزارية، وبالتالي حاز الحزب على سُلطة استخدام حق النقض ضد أي قرارٍ حكومي.

وبعد إندلاع الحرب في سوريا في عام 2011، نُشر الآلاف من مقاتلي حزب الله للقتال إلى جانب الرئيس بشار الأسد، ليثبتوا في نهاية المطاف دورهم الحاسم في مساعدة القوات الموالية للحكومة السورية على استعادة الأراضي التي كان يُسيطر عليها الثوار، بشكلٍ رئيسي، على طول الحدود اللبنانية. ومع ذلك، أجج تدخل حزب الله التوترات الطائفية في كلٍ من سوريا ولبنان. كما أدى أيضاً دعم الحزب للرئيس الشيعي العلوي السوري والولاء لإيران إلى تعميق العداء مع دول الخليج العربي. وفي أوائل عام 2016، اتهم كلٌ من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية حزب الله بارتكابه “أعمالاً عدائية،” ليُعلن حزب الله منظمةً إرهابية.

وعلاوة على ذلك، أدى إرتفاع عدد ضحايا حزب الله في سوريا إلى تصاعد الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أنصار حزب الله نفسه. فقد تم، إلى حدٍ ما، ترميم سمعة الحزب، التي بناها بعنايةٍ، بحصده المكاسب بعد معركة ديسمبر 2016 في شرق حلب، بيد أنّ النجاح في سوريا يتخطى البسالة العسكرية: فالكثير من الدعم الإيراني لحزب الله تدفق من خلال سوريا، وهي قناةٌ لا يمكن لحزب الله خسراتها.

Advertisement
Fanack Water Palestine