وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بعد خمس سنواتٍ من الربيع العربي، تاورغاء ليبيا يستعدون للعودة إلى ديارهم

Libya- Tuareg
طرابلس: أسرة نازحة من مدينة تاورغاء، 2011. Photo Flickr

أصبحت مدينة تاورغاء، التي تبعد عن مدينة مصراتة 38 كيلومتراً، مدينة أشباح. فقد فرّ سُكانها، المعروفون بالتاورغاء، إلى المخيمات المنتشرة في جميع أنحاء البلاد بعد إنتفاضة عام 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي، الديكتاتور الذي حكم البلاد لفترةٍ طويلة.

آنذاك، كانت قوات المتمردين من مدينة مصراتة الساحلية الغربية يحملون ثأراً شخصياً ضد تاورغاء، إذ كانوا يلقون اللوم عليهم لمساعدة القذافي في حصار مدينتهم لثلاثة أشهر. فقد قُتل أكثر من ألف شخصٍ خلال الحصار واختفى مئاتٌ آخرون، كما يُزعم أن تاورغاء، الذين تحالف العديد منهم مع القذافي خلال الانتفاضة، اغتصبوا العديد من نساء من مدينة مصراتة.

بيد أنه لم يتم التحقق من هذه الادعاءات مطلقاً. فقد ذكرت المحكمة الجنائية الدولية أنها حصلت فحسب على أدلةٍ بإصدار القذافي أوامر باستخدام اغتصاب النساء كسلاحٍ ضد قوات المتمردين. ومع ذلك، فإن المحرمات المحيطة بالكشف عن العنف الجنسي في ليبيا جعلت من الصعب تقدير عدد الحوادث أو ما إذا كان تاورغاء متورطين بشكلٍ مباشر. وقال السكان لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إنهم لم يشاهدوا أي حالات اغتصاب، بيد أنهم اصروا على حدوثها.

وبغض النظر عن ذلك، كان دور تاورغاء في محاصرة المدينة سبباً كافياً لسعي مقاتلي مصراتة للانتقام. فعندما تقدموا نحو تاورغاء في أغسطس 2011، طردوا أكثر من 30 ألف نسمة ونهبوا منازلهم، وتعهدوا بعدم السماح لهم بالعودة.

وبعد خمس سنوات، ساعدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالشروع في عملية مصالحةٍ بين المدينتين، حيث تم التوصل إلى اتفاقٍ في 31 أغسطس 2016 ينص على أن الشرط الأساسي لعودة تاورغاء هو تعويض ضحايا ثورة عام 2011. ويتوقع سكان مدينة تاورغاء حصولهم على تعويضٍ مالي، وكذلك هو حال مقاتلي مصراتة الذين قبلوا بالصفقة.

وقال عماد بادي، وهو ناشط سلامٍ ليبي يشارك في تحسين التماسك الاجتماعي في أجزاء من البلاد، لفَنَك إن هناك شفافية ضئيلة حول لمن ستذهب الأموال وكيفية إنفاقها.

وأضاف عبر الهاتف “من غير الواضح للمجتمع الليبي [أين ستذهب الأموال]، ولن يكون هذا واضحاً أيضاً للمليشيات الأخرى في البلاد التي قد تظن أن الأموال لقمة سائغة للاستيلاء عليها إذا ما قبلوا بالمصالحة.” وتابع قوله “لربما تُستخدم لشراء الأسلحة، ولكن هذا ليس بيت القصيد. تكمن المشكلة في أن الميليشيات تكافأ على تشريد الناس.”

وعلى الرغم من هذه المخاوف، تم التصديق على الاتفاق في يونيو 2017 من قِبل حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً إلا أنها تواجه تحدياتٍ داخلية من قِبل حكومة منافسة والميليشيات القوية. وقد دافع مارتن كوبلر، الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن هذه الأخبار باعتبارها خطوةً إلى الأمام في عملية المصالحة في ليبيا.

وكان قد صرح أنذآك، “يمكن لسكان تاورغاء العودة أخيراً إلى ديارهم. يجب أن نضع على سلم الأولويات ضمان عودة آمنة وطوعية وغير مشروطة لهم، وهنا تقف الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم.”

وتعمل وزارة شؤون المهجرين اليوم على إعادة وصل المياه والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية. وفي ديسمبر 2017، أعلنت حكومة الوفاق الوطني أن بإمكان تاورغاء العودة بحلول فبراير 2018. وقال وزير الدولة لشؤون المهجرين والنازحين، يوسف جلالة، للمراقب الليبي إن الأسر التي تعرضت منازلها للتدمير جزئياً فقط ستعود أولاً. وقال أيضاً إن بإمكان الآخرين العودة بعد إصلاح الخدمات العامة على نحوٍ ملائم.

فالعديد متحمسون للعودة، إذ لم يعد بإمكانهم تحمّل الظروف السيئة في المخيمات، التي تُسيطر عليها الميليشيات. وقبل أسبوعٍ من إعلان حكومة الوفاق الوطني، خرج البعض من تاورغاء في مظاهراتٍ في منطقة الفلاح بالعاصمة طرابلس، مطالبين السلطات بالسماح لهم بالعودة إلى ديارهم.

وبالرغم من أن طلبهم هذا قد تحقق اليوم، إلا أن الجماعات الحقوقية تخشى أنّ تفتقر عملية المصالحة إلى المساءلة. وحتى الآن، أدانت المحاكم الليبية تاورغاء فحسب على عمليات القتل غير القانوني وحيازة الأسلحة، وفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن هيومن رايتس ووتش. ولم يتم بعد مقاضاة أي مسلحين من مصراتة لطردهم تاورغاء ، وهدم مدينتهم، وتعذيب الأشخاص الذين تم القبض عليهم.

كما تتوق الأسر التي تستعد إلى العودة أيضاً للإفراج عن أحبائهم. وقال مفتاح المبروك، الذي يمثل أسر تاورغاء المحتجزين، لهيومن رايتس ووتش، إن بعض المحتجزين البالغ عددهم 160 من تاورغاء قد أدينوا في المحاكم والسجون التي كانت تديرها الميليشيات منذ الثورة. أما الآخرون فلا يزالون في الحبس الاحتياطي.

بل الأسوء من ذلك أن حكومة الوفاق الوطني بالكاد تمتلك السلطة على هذه المحاكم والسجون؛ فالسياسيون تحت رحمة الميليشيات، وليس العكس. وفي حال استمرار الوضع الراهن، سيكون تحقيق العدالة أمرا مستحيلا تقريباً، على الأقل إلى أن يتم حل الميليشيات، وسيطرة حكومة واحدة على البلاد.

وحتى ذلك الحين، بالكاد هناك ما يمنع الفصائل المسلحة من انتهاك اتفاقات السلام ومواصلة ارتكاب الفظائع. فعلى سبيل المثال، يمكن للقوات من مصراتة أن تستهدف مرةً أخرى تاورغاء بمجرد عودتهم. وتشير هذه الاحتمالات، بوضوح، إلى أن المصالحة لم تتحقق، وفقاً لبادي.

فهو يرى أن تحقيق مصالحةٍ حقيقة أمرا مستحيلا ما لم يعترف الطرفان بتجاوزاتهم ويتفقان على كيفية إقامة العدل. وكما يقول، فإن الإتفاق الحالي فشل في تغيير ميزان القوى بين مصراتة وتاورغاء أو حتى معالجة المظالم السائدة.

وأضاف أيضاً “[الاتفاق الحالي] هو صفقة لإعادة اللاجئين إلى ديارهم.” ويتابع “يتمتع جانبٌ واحد بالقوة كلها، ويسمحون للطرف الآخر بالعودة. هذا ليس عدلاً، هذه عملية مختلفة تماماً.”