من أجل التعايش السلمي والمزدهر في المجتمع، يجب على الأفراد والمؤسسات ضمان العدالة الاجتماعية وإلا فإن السلام معرض للخطر.
في مجتمع غير متكافئ في الحقوق، يتفشى فيه الفساد والتمييز و عدم المساواة في توزيع الثروة والفرص، قد تنشأ ثورات بل وحتى حرب. اندلاع الانتفاضات العربية عام 2011، المعروفة أيضًا باسم ” الربيع العربي “، هو مثال واضح على ذلك.
ملف العدالة الاجتماعية في فنك يأخذ عين في الاعتبار قضايا مثل الإنصاف في الرعاية الصحية والتوظيف وحقوق الطفل والمرأة وغير ذلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
مهمتنا هي تقديم مساهمة جديرة بالاهتمام لنشر معلومات أساسية متوازنة ومحدثة حول الموضوع من منظور عربي.
العدالة الاجتماعية، هي أحد المفاهيم القيمية العليا، التي ربما رافقت الإنسان منذ المراحل المبكرة من عمر الطفولة البشرية. فبرزت كغيرها من المفاهيم الأساسية، مترافقةً مع التطور الحاصل في العلاقة بين الإنسان ومحيطه. ولم يكن لمفهوم العدالة الاجتماعية بشكله الأولي، أن يطفو على السطح كفضيلة تفتق عنها العقل البشري، سواء ًفي ظل الوفرة غير المحدودة في الموارد التي جادت بها الطبيعية مع بدء الخليقة، أو في ظل الأشكال المشاعية الأولى؛ حيث نمط الإنتاج التعاوني الجماعي، و توزيع المحاصيل المحدودة بين أفراد المشاعة بشكلٍ عادلٍ ومتساوٍ دون نزاع أو انتزاع.
بيد أن ظهور العدالة الاجتماعية كمفهوم أخلاقي وقيمي، لم يكن سوى انعكاساً ذاتياً لمتطلبات الواقع الموضوعي الذي واجهه الإنسان عند الانتقال من مرحلة المشاعة البدائية إلى الأشكال الأخرى من النظم الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة، التي سادت فيما بعد، واتسمت بالتفاوت الطبقي، آخذة أشكالاً مختلفة ومتعددة من علاقات السيطرة والاستغلال.
لذا فالنظر إلى العدالة الاجتماعية كمفهوم فلسلفي مجرد، يبدو قاصراً دون الولوج إلى جوهره، وكيف أصبح هذا المفهوم شاملاً، ومتضمناً لمنظومة كاملة من العدالة، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، في وقتنا الحاضر.
وقد شغل مضمون العدالة الاجتماعية، العديد من المفكرين والفلاسفة، بدءً من سقراط، وغلوكون ، وأرسطو بين القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، مروراً بالعديد من المفكرين على اختلاف مشاربهم الفكرية والعقائدية، أمثال توما الإكويني ، روبرت أوين ، سان سايمون، رفاعة الطهطاوي ، كارل ماركس، سيد قطب، روبرت نوزيك وغيرهم.
وبغض النظر عن آلية التحقيق، إلا أن مرتكزات أساسية، يتفق معظم المفكرين على توافرها، لتحقيق العدالة الاجتماعية، أبرزها :
* المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص.
* التوزيع العادل للدخل والموارد، والأعباء.
* الضمان الاجتماعي.
* توفير السلع والخدمات الأساسية.
* العدالة بين الأجيال.
* حماية الحريات.
* تطوير قوانين الأسرة والأحوال الشخصية.
ولا يكاد بلد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يخلو من برامج ونظم لتحقيق قدر ما من العدالة الاجتماعية، مثل نظم الأجور والرواتب، والتأمينات الاجتماعية والمعاشات التقاعدية؛ أو الحماية الاجتماعية كالدعم العيني أو النقدي، التعليم التكافلي، الرعاية الصحية، الإسكان الاقتصادي، وتوفير فرص العمل. أما حماية الحريات الشخصية كواحدة من أهم مرتكزات العدالة الاجتماعية فلم تزل محاطة بمحددات ومعوقات إما سياسية أو عقائدية.
وبشكل عام فإن إشكاليات عدة ينبغي مواجهتها لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية في تلك البلدان، من بينها:
وليس غائباً أن عدم الشعور بالعدالة الاجتماعية بمضامينها ومرتكزاتها المختلفة، كان وراء اشتعال المنطقة مطلع العقد الثاني من الألفية، حيث اندفعت الشعوب إلى الشوارع، رافعة شعارات تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية، كان نتيجتها الإطاحة بزعماء تقليدين، كزين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلى عبد الله صالح في اليمن، ودخول معظم دول الربيع العربي في دائرة العنف، والعنف المضاد، ومنها ما ارتقى إلى حروب أهلية، لم تزل رحاها تدور مخلفة البؤس تلو البؤس حتى مطلع العقد الثالث من الألفية.