المقدمة
يفتقد ملايين الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى التمتّع بحقوقهم كبشر. وأدت عوامل متعددة كالفقر والعنف والتهجير إلى إجبار الأطفال على العمل، ناهيك عن حرمانهم من الذهاب إلى المدرسة وإجبارهم على الزواج وهم قصّر.
ويتواجد في سجون عدّة دولٍ من المنطقة العديد من الأطفال، ما يؤدي إلى حرمان هؤلاء من حقّ التعلّم، بالتزامن مع تعرّضهم إلى العنف وسوء المعاملة.
في هذه الصفحة، يقدّم موقع فنك لمحةً عامة عن القضايا التي تُعنى بحقوق الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك في إطار ملف الموقع الخاص بالعدالة الاجتماعية في المنطقة.
دخلت الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة حيز التنفيذ في الثاني من سبتمبر عام 1990م. والطفل كما هو مُعرَّف بالاتفاقية، كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة ( اليونيسيف )، فإنه لم يتم تطبيق هذه الاتفاقية بشكلٍ كامل، ناهيك عن أنها قد تكون غير معروفة أو مستوعبة على نطاقٍ واسع في الدول النامية ونطيرتها الغنية على حدٍّ سواء. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن هذا الأمر ينطبق على تلك الدول الموجودة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكانت الاتفاقية قد حظيت في ٢٠ نوفمبر من عام ١٩٨٩ بأكبر عدد من المصادقات في التاريخ. كما أنها أُلحقت ببروتوكولين إضافيين حول اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة ، و بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية.
وتستمر معاناة ملايين الأطفال من انتهاك حقوقهم، خاصة عندما يتم حرمانهم من الحصول على قدرٍ كافٍ من الحماية، كأن يُجبروا على ترك مدارسهم، أو القيام بأعمال خطرة، أو الزواج المبكر، أو القتال في الحروب، أو احتجازهم في السجون المخصصة للبالغين.
وكانت منظمة اليونيسف قد أشارت في ديسمبر 2020 إلى بقاء ما يزيد عن 32 مليون طفل في حاجة إلى المساعدة الإنسانية في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتتضمن قائمة الاحتياجات كلاً من خدمات المياه والصرف الصحي، فضلاً عن التعليم والرعاية الصحية والحماية. وبحسب اليونيسيف، فإن الأسباب الكامنة وراء هذه الاحتياجات تتمثل في استمرار العنف، والنزوح الداخلي والخارجي، والكوارث الطبيعية، وتزايد عدم المساواة الاقتصادية والجنسانية، وارتفاع معدلات بطالة الشباب والفقر.
وأدت حالات الطوارئ الإنسانية والفقر المدقع إلى نزوح داخلي وموجات هروب اللاجئين إلى دولٍ أخرى. ووفقًا لليونيسف، فقد تواجد في المنطقة 6.8 مليون من الأطفال النازحين داخلياً و5.8 مليون طفلاً من الأطفال اللاجئين في أغسطس 2019.
وإلى جانب ذلك، فقد أدت جائحة COVID-19 التي ضربت المنطقة في عام 2020 إلى تأجيج الاضطرابات المدنية وتدهور الاقتصاد. وتوقعت اليونيسف ومنظمة Save the children في عام 2020 أن يزداد عدد الأطفال الذين يعيشون في فقر نقدي في المنطقة بمقدار 7 ملايين طفل خلال عام 2021، ليرتفع بذلك العدد الإجمالي من 41 إلى 48 مليون طفل.
عمالة الأطفال
تعتبر عمالة الأطفال من بين التهديدات الأولى التي تؤثر على الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراع في المنطقة. و وفقًا لمنظمة العمل الدولية (ILO) ، فإن عمالة الأطفال تشكّل “خطرًا عقليًا أو جسديًا أو اجتماعيًا أو أخلاقيًا وضارًا للأطفال. كما أن عمالة الأطفال تتقاطع بشكلٍ سلبي مع تعليمهم فهي تؤدي إلى: حرمانهم من فرصة الذهاب إلى المدرسة، وتجبرهم على التسرّب من المدرسة. كما أن الأطفال يتعرضون في بعض الحالات إلى الضغط للجمع بين الحضور إلى المدرسة والعمل الشاق المفرط.
وخلص تقرير نشرته جامعة الدول العربية والمجلس العربي لتنمية الطفولة في عام 2019 إلى أن الصراع والحرب أدت إلى زيادة عمالة الأطفال اعتبارًا من عام 2010 فصاعدًا.
ويختلف مدى عمالة الأطفال في المنطقة العربية بشكل كبير من بلد إلى آخر. فعلى سبيل المثال، ينخرط 19.2٪ من أطفال السودان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 سنة في عمالة الأطفال. أما في اليمن ، فإن نسبة من أجبر على العمل من الأطفال تبلغ 34.8٪. وغالبًا ما تعني عمالة الأطفال عدم القدرة على الذهاب إلى المدرسة، وهو ما يقود إلى أمّية هؤلاء الأطفال.
لمعرفة المزيد عن كيفية تأثر الأطفال في المنطقة بالحرب والصراع والفقر، انقر هنا.
زواج الأطفال
على الرغم من انتشار زواج الأطفال بصورةٍ نسبية في المنطقة بحسب ما صرّح به مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ، يعتبر الزواج المبكر أو زواج الأطفال قبل سن 18 عاماً انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
ويقارب معدل زواج الأطفال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المعدل العالمي. وبحسب أرقام اليونيسف ، فإن واحدة من بين كل خمس نساء صغيرات السن في المنطقة تتزوج قبل بلوغ سن الثامنة عشر. ووفقاً لأرقام المنظمة نفسها، فإن طفلة واحدة من بين كل 25 طفلة تتزوج قبل بلوغها عامها الخامس عشر. ويعني هذا أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعتبر موطنا لحوالي 40 مليون طفلة عروس ، بما في ذلك الفتيات المتزوجات حاليًا والنساء اللواتي تزوجن لأول مرة في مرحلة الطفولة.
ويرتفع معدّل من تزوجن في اليمن قبل بلوغ سن 18 عاماً إلى نحو ثلثي الفتيات اليمنيات مقارنة بنسبة 50% قبل نشوب الحرب.
ومع ذلك، تشير بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى تراجع انتشار زواج الأطفال في الفترة الممتدة بين عامي 1995 و2020 من 1 من بين كل 3 إلى 1 من بين كل 5 من النساء الصغيرات. لكن هذا التطوّر توقف خلال العقد الثاني من الألفية الحالية.
لمعرفة المزيد من زواج الأطفال وأسبابه المعقدة والمتعددة، انقر هنا.
وفي حين تعد هذه الممارسة أكثر شيوعاً بين الفتيات (القاصرات) مقارنة بالفتيان (القُصَّر)، إلا أنها تبقى انتهاكاً وخرقاً للحقوق الإنسانية لكلا النوعين.
وغالباً ما يعرقل زواج الأطفال (القاصرات) نمو الفتاة من خلال التسبب في الحمل المبكر، إذ ليس في مقدور المراهقات المتزوجات التفاوض فيما يتعلق بالجنس، أو استعمال وسائل منع الحمل، الأمر الذي يجعلهن عرضة للعزلة الاجتماعية. كما أن هذا الأمر يشكل خطراً مباشراً على صحة وسلامة الفتيات، نظراً لكون الطفلة غير مستعدة جسدياً وذهنياً.
وعادة ما يتم إرغام القاصرات على ترك المدرسة عند الزواج لتولي المسؤوليات المنزلية. ويعتبر هذا حرمانا لحقهن في مواصلة التعليم، وبالتالي يفرض الزواج المبكر عليهن ضغوطاً اقتصادية ويحد من فرصهن فيما يتعلق بالتقدم الوظيفي.
كما تشير الأدلة المستقاة من الروايات الشفوية أن زواج الأطفال القسري، والعرفي، والزواج “السياحي” ، يمهد الطريق لأشكال جديدة من الاتجار في الفتيات والنساء ، وهو الأمر الذي تتسم به منطقة الدول العربية بصفةٍ حصرية.
وتتضمن قائمة الظواهر الخطيرة المنتشرة بين النساء النازحات في المنطقة العربية كلاً من العنف الجنسي ضد المرأة وانعدام الأمن الغذائي وصعوبة الحصول على الخدمات الصحية الكافية. كما تعتبر ظاهرة زواج الأطفال مشكلة أخرى مثيرة للقلق، سيما في مناطق النزاعات المسلحة بالمنطقة العربية. ويترتب على هذه الظاهرة أوضاع إنسانية بائسة، على خلفية أحداث “الربيع العربي” الذي انطلق مطلع العقد الثاني من القرن الحالي.
لمعرفة المزيد عن انتشار زواج القاصرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأسبابه وآثاره، انقر هنا.
الأطفال المعتقلون
تعاني المنطقة بأكملها من انتشار حالات اعتقال الأطفال وحرمانهم من حريتهم وفرصهم في التعليم والنمو.
وفي سياق ما تفرضه إسرائيل من احتلال على فلسطين ، فإن هذه الأولى تقوم باعتقال قاصرين فلسطينيين وتحتجز هؤلاء في عدّة معتقلات، خاصة في إسرائيل.
وبلغ عدد الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال منذ عام 1967م وحتى نهاية حزيران 2020م نحو مليون فلسطيني، علماً بأنه تم تسجيل أكثر من خمسين ألف حالة اعتقال في صفوف الأطفال الفلسطينيين (ما دون سن الـ 18 وفقًا للقوانين الدولية). وبلغ عدد الأسرى الأطفال والقاصرين رهن الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي في نهاية حزيران 2020م نحو 160 طفلاً وطفلةً في معتقلات مجدو، وعوفر، والدامون؛ وذلك إلى جانب وجود عدد في مراكز التوقيف والتحقيق. يضاف إلى ذلك احتجاز إسرائيل عدة أطفال من القدس في مراكز اجتماعية خاصة لأن أعمارهم تقل عن 14 عامًا؛ وذلك حسب تقارير “هيئة شؤون الأسرى والمحررين”.
وبحسب معطيات هيئة الأسرى والمحررين الفلسطينيين، فقد اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 7000 طفلاً منذ عام 2000، معظمهم بلغوا سن الرشد في الأسر ولم يتم الإفراج عنهم بعد. ويتم احتجاز الأطفال السجناء في سجون الأحداث في ظل ظروف معيشية سيئة. ويتعرّض هؤلاء لسوء المعاملة بشكل منهجي وغالبًا ما يتم ابتزازهم للتعاون مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية. وفي هذا السياق، قال بعض الأطفال المفرج عنهم مؤخراً إن ضباط الأمن الإسرائيليين يطلبون منهم في كثير من الأحيان العمل كمخبرين مقابل تخفيف عقوباتهم أو تحسين ظروفهم المعيشية.
يحدث هذا بشكل يتعارض مع قواعد القانون الدولي و اتفاقية حقوق الطفل ، وخاصة المادة 16 التي تقضي بعدم جواز أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته. كما تنص هذه الاتفاقية على حق الطفل في أن يحميه القانون من التعرّض لمثل هذه المواقف.
ورغم أن القانون الإسرائيلي يعتبر أن الطفل في إسرائيل هو كل شخص لم يتجاوز سن 18 عاماً، إلا أن السلطات الإسرائيلية تتعامل مع الطفل الفلسطيني بأنه كلّ شخص لم يتجاوز سن 16 عاماً وتستخدم الأمر العسكري 132 الذي يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال أطفال فلسطينيين في سن 12 عاما.
احتجاز المهاجرين
تشهد المنطقة حبس الأطفال في السجون لأسباب تتعلق بالهجرة. وفي الوقت الذي يتم فيه تناقل الأخبار على نطاقٍ واسع حول احتجاز الولايات المتحدة لأطفال دون والديهم على الحدود الأمريكية المكسيكية، إلا أنه من غير المعروف أن هذه الظاهرة تحدث أيضًا في العديد من الدول العربية.
ويصعب الحصول على بيانات عن عدد الأطفال المحتجزين في مراكز احتجاز المهاجرين. ووفقًا للأمم المتحدة ، من الصعب تقدير عدد الأطفال المعرضين لخطر الاحتجاز، حيث لا توجد بيانات موثوقة عن المهاجرين غير المسجلين. في الوقت نفسه، لا تنشر جميع البلدان بيانات حول هذا الموضوع. لكن هناك دراسات حالة مبعثرة، بما في ذلك بيانات، عن الأطفال المحتجزين.
لا يزال آلاف المهاجرين واللاجئين، بمن فيهم القصر غير المصحوبين، رهن الاحتجاز في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء ليبيا. وبحسب ا لمنظمة الدولية للهجرة ، فقد وصل عدد الأشخاص المحتجزين بحلول يوليو 2021 إلى 3860 شخصًا، بينهم 434 قاصرًا، حيث يتواجد هؤلاء في 11 مركز احتجاز. وبحسب ما ذكرته قناة الجزيرة ، فقد تعرّضت القاصرات في مراكز الاحتجاز هذه للاعتداء الجنسي والعنف.
كما تقوم مصر باحتجاز القصّر، علماً بأن هذه الدولة كانت على الدوام وجهة استقبال ودولة عبور للاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين من جميع أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا. وفي الوقت الذي لا تتواجد فيه في مصر مرافق مخصصة لاحتجاز المهاجرين، فقد أعرب المراقبون مرارًا وتكرارًا عن مخاوفهم بشأن استخدام مراكز الشرطة والسجون لأغراض احتجاز المهاجرين. ووفقًا لمشروع الاحتجاز العالمي ، فقد تواجد في مصر 822 من القصّر المحتجزين في عام 2016.
يأتي ذلك في الوقت الذي يتم فيه احتجاز الأطفال لأسباب سياسية في المنطقة. ووجهت اتهامات للسلطات في البحرين بإساءة معاملة المحتجزين الأحداث الذين اعتُقلوا في فبراير 2021 وحوكموا كراشدين ، وذلك في أعقاب الاحتجاجات المتوقعة في ذكرى انتفاضة البحرين في عام 2011. أما في شمال شرق سوريا ، فقد تم نقل مئات الأطفال المحتجزين سابقًا في المخيمات إلى سجون البالغين، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.