وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اقتراحات بيع المفاعلات النووية للسعودية تدقّ ناقوس الخطر

Translation- MBS trump
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصافحاً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المكتب البيضاوي من البيض الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن يوم ٢٠ مارس ٢٠١٨. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على المخاوف المرتبطة باحتمالية بيع الولايات المتحدة الأمريكية لتكنولوجيتها النووية إلى السعودية. وتقوم صحابة المقالة تشين كين، مديرة برنامج الحد من الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط بمعهد “ميدلبر” الأمريكي، بالإشارة إلى المساعي الرامية إلى تمرير هذا النوع من الصفقات دون تمريرها على الكونغرس الأمريكي وما قد يعود به هذا الأمر من أثر على مستوى إذكاء النيران المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط.

ويشير أحد التقارير الصادرة عن الكونغرس الأمريكي إلى سعي مجموعةٌ من كبار مسؤولي الحكومة الأمريكية السابقين للضغط بهدف بيع معامل متخصصة في إنتاج الطاقة النووية إلى المملكة. وترى صاحبة المقالة تشين كين، مديرة برنامج الحد من الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط بمعهد “ميدلبر” الأمريكي، أن هذه الجهود تثير مخاوف قانونية واقتصادية واستراتيجية مهمة.

وبحسب كين، فإنه من السهل استشعار رغبة إدارة ترامب في دعم الصناعة النووية الأمريكية التي تتعرض لحالة انكماشٍ على المستوى المحلي الأمريكي. إلا أن تقرير الكونغرس أثار مخاوف تتعلق باحتمال سعي هذه المجموعة إلى إجراء عملية البيع دون مراعاة شروط القانون الأمريكي. فحدوث ذلك قد يمنح السعودية التكنولوجيا النووية الأمريكية بلا ضمانات مناسبة تمنع استخدامها في صنع الأسلحة النووية مستقبلاً.

سوق عالمية تنافسية

يُعتبَر تصدير التكنولوجيا النووية تجارة مربحة، ولطالما آمن العديد من صانعي القرار الأمريكيين بأن هذا النوع من التجارة يعزّز مصالح السياسة الخارجية الأمريكية. إلا أن السوق الدولية تشهد تضاؤلاً مستمراً، في الوقت الذي تشتعل فيه المنافسة بين مزودي هذا النوع من التكنولوجيا.

وتواجه الشركات النووية الأمريكية الخاصة مشكلة على مستوى التنافس مع الموردين الدوليين المدعومين الذين يحظون بدعم حكوماتهم في روسيا والصين. وتقدّم هذه الشركات حزم بناء وتشغيل كاملة مع خيارات تمويل جذابة. وتتكفل روسيا، على سبيل المثال، بالتصرف بما يتم استهلاكه من وقودٍ نووي في المفاعل الذي تشغله، ما يعفي الدول المضيفة من عبء التخلّص من النفايات النووية. كما تقدم الصين تكاليف بناء أقل.

وكانت السعودية قد أعلنت في عام ٢٠١١ عن تخطيطها لإنفاق ما يزيد عن ٨٠ مليار دولار أمريكي لبناء ١٦ مفاعلاً نووياً، وأن الشركات الأمريكية ترغب في توفير هذه المفاعلات للمملكة. وينظر العديد من المسؤولين الأمريكيين إلى تطوّر العلاقات المستمرة منذ عقود ودخولها مجال بيع التكنولوجيا النووية باعتباره فرصة للتأثير على مستقبل الرياض النووي والحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة في المملكة.

لماذا تريد السعودية الحصول على الطاقة النووية؟

تتساءل كين في هذا القسم من المقالة حول السبب الكامن وراء سعي السعودية للحصول على الطاقة النووية على الرغم من امتلاكها لثاني أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، ناهيك عن امدادات الغاز الطبيعي وإمكانيات الطاقة الشمسية الكبيرة التي لم تُستغَل فيها بعد. وتردّ صاحبة المقالة بعض دوافع المملكة في هذا المجال إلى ما وصفته بـ “الأسباب الحميدة”، معتبرةً في الوقت نفسه أن بعض الدوافع الأخرى قد تكون “مثيرة للقلق”.

وترى كين أن الدافع الأول للسعي نحو الحصول على الطاقة النووية يكمن في فتح هذه الطاقة المجال أمام السعوديين لزيادة صادراتهم من الوقود الأحفوري. ويتم استهلاك حوالي ثلث إنتاج المملكة اليومي من النفط محلياً بأسعار مدعمة، ومن شأن الاعتماد على الطاقة النووية محلياً إتاحة كمية أكبر من النفط للتصدير بأسعار السوق.

كما تعتبر السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، حيث يحظى هذا النوع من المياه بنسبة ٩٠٪ من المياه الصالحة للشرب في المملكة. ويستهلك إنتاج المياه المحلاة حوالي ١٥٪ مما تقوم المملكة بإنتاجه يومياً من النفط وهو ٩.٨ مليون برميل. وقد توفر الطاقة النووية جزءاً من هذا الطلب.

كما أعرب القادة السعوديون عن اهتمامهم بتحقيق التوازن مع برنامج إيران النووي. وفي إحدى المقابلة التي أجريت مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مارس من عام ٢٠١٨، حذّر هذا الأخير من هذا التوجه بالقول: “إذا ما قامت إيران بتطوير قنبلةٍ نووية، فإننا سنفعل دون أدنى شك الشيء ذاته في أسرع وقتٍ ممكن”.

وباعتبارها من الأعضاء الملتزمين بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فقد تعهدت السعودية بعدم تطوير أو امتلاك أسلحة نووية، مع احتفاظها بحق شراء الطاقة النووية لأغراضٍ سلمية. وقد تشمل هذه التجارة الحصول على تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم أو فصل البلوتونيوم عن الوقود النووي المستهلك. ويمكن استخدام هذه الأنظمة لإنتاج وقود للمفاعلات النووية للأغراض السلمية، ناهيك عن إنتاج موادٍ رئيسية تدخل في تصنيع الأسلحة النووية.

القوانين الأمريكية الناظمة للتجارة النووية

Translation- Condoleezza Rice
وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس أثناء توقيعها يوم ١٦ مايو ٢٠٠٨ لمذكرة تفاهم تغطي تعاون الطاقة النووية المدنية مع وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفصيل، وذلك في حضور الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش والعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في قصر الجنادرية بالعاصمة السعودية الرياض. المصدر: AFP.

يلزم قانون الولايات المتحدة للطاقة الذرّية واشنطن والرياض بإبرام اتفاقية للتعاون النووي وأن يتم عرض هذه الاتفاقية على الكونغرس حتى تتمكن الشركات الأمريكية من التنافس على تصدير المفاعلات النووية إلى السعودية. وتُعد هذه الاتفاقيات سارية المفعول في حال لم يعترض عليها الكونغرس في قرارٍ مشترك خلال ٩٠ يوماً. ويصل عدد اتفاقيات التعاون النووي السارية مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى ٢٣ اتفاقية منها اتفاقياتٌ موقعة مع دول من منطقة الشرق الأوسط مثل مصر (تمت المصادقة عليها في عام ١٩٨١)، وتركيا (٢٠٠٨)، والإمارات العربية المتحدة (٢٠٠٩).

ويلزم قانون الطاقة الذرية الأمريكي الدول التي تسعى لشراء التكنولوجيا النووية الأمريكية بتقديم تعهداتٍ تلزمها قانوناً بعدم استخدام تلك المواد والمعدات بغرض التسليح، ناهيك عن وضع هذه المعدات تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما ينص القانون على لزوم موافقة الولايات المتحدة على أي أنشطةٍ مخصصة لتخصيب اليورانيوم أو فصل البلوتونيوم وتتضمن تقنيات ومواد أمريكية، حيث يأتي هذا الأمر في إطار السعي لمنع الدول من تحويل هذه التقنيات والمواد إلى أسلحة نووية.

ويزعم المزودون النوويون الأمريكيون أن هذه الشروط الصارمة والمتطلبات القانونية التي تستغرق وقتاً طويلاً تضعهم في وضعٍ تنافسي صعب. إلا أن هذه الشروط تم وضعها لمنع الدول من إساءة استخدام تكنولوجيا الأسلحة النووية الأمريكية. وعلى هذا النحو، تعتقد كين أن تقرير الكونغرس يثير القلق إزاء احتمال سعي مسؤولين بالبيت الأبيض إلى تجاوز أو تجنب هذه الشروط طمعاً في زيادة ثرواتهم.

ووفقاً لتقرير الكونغرس، فقد بادر أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، في غضون أيام من تولي الرئيس دونالد ترامب لمنصبه، بعرض مسألة نقل التكنولوجيا النووية إلى السعودية دون التوصل إلى اتفاقية تعاون نووي وتقديمها إلى الكونغرس أو إشراك الوكالات الحكومية الرئيسية المماثلة لوزارة الطاقة أو اللجنة التنظيمية النووية في هذا المجال. وكان مايكل فلين، مستشار الأمن القومي آنذاك، أحد المناصرين الرئيسيين لما يسمى “خطة مارشال” للمفاعلات النووية في الشرق الأوسط، علماً بأنه عمل مستشاراً لإحدى الشركات التابعة لمؤسسة “IP3” التي وضعت هذه الخطة بالتزامن مع عمله كمستشار لحملة ترامب الرئاسية.

وذكرت التقارير أن مروجي الخطة اقترحوا التحايل على عقوبات الولايات المتحدة ضد روسيا عبر عقد شراكات مع شركات روسية – تفرض قيوداً أقل صرامة على الصادرات النووية – بهدف بيع المفاعلات إلى السعودية.

واستقال فلين بعد فترةٍ وجيزة من منصبه وهو يتعاون حالياً مع التحقيق بشأن التدخل الروسي في الحملة الرئاسية لعام ٢٠١٦. إلا أن علاقة مؤسسة “IP3” مع البيت الأبيض مستمرة. وذكرت تقارير صحفية أن الرئيس ترامب التقى مع ممثلي الصناعة الأمريكية في اجتماعٍ نظمته “IP3” لمناقشة الصادرات النووية إلى السعودية منتصف فبراير الماضي.

قواعد لصفقة نووية سعودية

خفّض القادة السعوديون من مشترياتهم المخطط لها، ومن المتوقع حالياً أن تقوم المملكة ببناء مفاعلين فقط. وترى صاحبة المقالة أنه لا بد من التفاوض على اتفاقية تعاونٍ نووي مع المملكة بحسب لما ينص عليه القانون الأمريكي في حال استمرت إدارة ترامب في متابعة خطتها لتصدير الطاقة النووية إلى الرياض، كما يجب اتخاذ خطواتٍ إضافية للحد من مخاطر الانتشار النووي.

وينبغي أن يشمل ذلك مطالبة السعوديين بتبني البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو اتفاق ضماناتٍ يزود الوكالة بأدواتٍ إضافية للتحقق من استخدام جميع المواد النووية في المملكة بشكلٍ سلمي. كما يجب أن تُلزم الاتفاقية السعودية بالحصول على الوقود النووي من الموردين الأجانب، وأن تقوم بتصدير الوقود النووي المستهلك ليُخزّن في الخارج. ومن شأن هذه الشروط أن تقلل من ذرائع تخصيب اليورانيوم أو فرص إعادة معالجة البلوتونيوم لإنتاج الأسلحة.

وتختم كين مقالتها بالتالي: “لعبت الولايات المتحدة دوراً قيادياً في منع انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وهي إحدى أكثر المناطق اضطراباً في العالم. لذلك، نجد أن الوضع خطير، وأن الربح ليس الشيء الأهم هنا. كما لا بد من القول إنه تم تصميم الأدوات القانونية حتى لا تتسبب الصادرات النووية في صبّ الزيت على نار الشرق الأوسط”.