وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحرب ليست حلاً للصراع بين الولايات المتحدة وإيران

US sanctions iran
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء تواجده في المكتب البيضاوي من البيت الأبيض، وذلك في أعقاب إصداره لأمرٍ تنفيذي يخصّ العقوبات المفروضة على القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية يوم ٢٤ يونيو ٢٠١٩. المصدر: MANDEL NGAN / AFP.

نشر موقع “Open democracy” مقالةً سلطت الضوء على حالة التصعيد التي تشوب علاقات الولايات المتحدة بإيران في منطقة الشرق الأوسط وما يمكن اللجوء إليه من حلول لمعالجة هذه الحالة. ويقوم صاحب المقالة مهرداد خنساري، وهو دبلوماسيٌّ إيراني سابق وباحثٌ حالي في المركز الإيراني لدراسة السياسات، باستعراض الأحداث الأخيرة التي ساهمت في زيادة التوترات في المنطقة. وبحسب ما يراه خنساري، فإن كلا الطرفين على قناعة الآن بأن الحل لن يكون في اللجوء إلى الحرب بل بالجلوس على طاولة المفاوضات. ويعتقد صاحب المقالة أن السؤال المطروح الآن يكمن في تحديد الزمن الذي سيحدث فيه ذلك وتحت أي شروط.

وعلى الرغم من ازدياد حالة التوتر القائمة بين إيران والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة ووصولها لمستوياتٍ مرتفعة ابتداءً من التفجيرات الأخيرة، ومروراً بإسقاط الطائرة الأمريكية المسيّرة، ووصولاً إلى الاستيلاء على ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز والخليج الفارسي/العربي، فإن الطرفان على دراية بأن الحرب لن تقود إلى تسوية أي خلاف بينهما.

وتدرك القيادة الإيرانية من جانبها تماماً عدم تمتعها بالقدرات التي تكفل لها الانتصار على الولايات المتحدة في أي صراعٍ عسكري. إلا أن طهران على ثقة بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تلجأ إلى نشر قواتٍ تكفي لفرض تغيير النظام الإيراني. ونظراً لغياب هذه الإرادة على الجانب الأمريكي، فإن اللجوء إلى أي عملية قصفٍ جوي مهما كانت أضرارها لن تقود إلا إلى تعزيز وضع الأطراف الأكثر عداءً للولايات المتحدة في البلاد.

أما على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالنظر إلى فعالية سياسة العقوبات، فإن أي مكسبٍ إضافي ينجم عن القيام بعملٍ عسكري لا يشمل تغيير النظام الإيراني لن يكون بقدر التكلفة المحتملة لمنع إيران وردعها من تنفيذ هجمات انتقامية محتملة – وإن كانت أضعف – ضد واشنطن أو حلفائها في العالم.

وعلى هذا النحو، فإن خنساري على قناعة بأن المحادثات المباشرة هي الحلّ الوحيد والكفيل بتزويد إيران بفرصة للتغلّب على مشاكلها الاقتصادية، ناهيك عن إتاحته للولايات المتحدة التوصل لاتفاقٍ أكثر شمولية من الاتفاق النووي. وعلى الرغم من أن المواجهة الحالية بين إيران والولايات المتحدة قد تزداد سوءاً، فإن الطرفين يعلمان علم اليقين أنه لا مفر من اللجوء إلى المحادثات حتى وإن جاء ذلك في أعقاب أي حالة تصعيد تؤدي إلى خسائر في الأرواح ووقوع دمارٍ لا طائل منه.

التحديات المنتظرة

تتمثل أولوية إيران الراهنة في محاولة إنعاش الاقتصاد المتدهور عبر التعامل مع قضايا ملحّة كالنمو الاقتصادي، والبطالة، والتضخم الشديد، ناهيك عن حماية عملتها الوطنية. ولا يمكن معالجة أيٍّ من هذه القضايا دون رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، خاصةً وأن هذا الخيار سيتيح لإيران تصدير نفطها بحريّة، ناهيك عن إمكانية السعي لجذب تدفقات الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا الجديدة التي تحتاج إليها البلاد دون عوائق.

لذلك، وعلى عكس ما صرحت به بعض العناصر المتشددة في إيران، فإن ما نحن بصدده حالياً ليس السؤال عمّا قد يدفع إيران للاشتباك مع الولايات المتحدة، بل متى وتحت أي شروط سيجلس الطرفان على طاولة المفاوضات. وبحسب صاحب المقالة، فإن الجانب السلبي الذي يجب الحذر منه في معادلةٍ كتلك هو الخطط الخطيرة التي قد يجرؤ بعض المتطرفين ممّن يسعون وراء مصلحتهم الخاصة على تنفيذها في مواجهة أية مفاوضاتٍ حتمية، وتتمثل هذه الخطط في الاندفاع نحو نوعٍ من الاشتباك العسكري المحدود مع الولايات المتحدة في هذا الوقت ظناً منهم أن القوّة التفاوضية الإيرانية تضعف مع مرور الوقت بسبب العقوبات.

طريقٌ لا بد منه

Javad Zarif
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يصل للتحدث في منتدى سياسي رفيع حول التنمية المستدامة يوم ١٧ يوليو ٢٠١٩ وذلك بمقر الأمم المتحدة في نيويورك. المصدر: Kena Betancur / AFP.

أشار ترامب مراراً بعد الانسحاب من الاتفاق النووي إلى رغبته في “عقد صفقةٍ جديدة” مع إيران، في حين اتضح تدريجياً أن القيادة الإيرانية المحاصرة تحاول التصالح أيضاً للدخول في حوار، ما قد يتطور بعد ذلك ليصبح نوعاً من حفظ ماء الوجه سعياً لإجراء مفاوضاتٍ ذات مغزى. ومع ذلك، فإنهم يصرّون على عدم تكرار ما حدث بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وهو ما لم ينتج عنه سوى التقاط “صورةٍ فوتوغرافية”.

وعلى الرغم من رغبة الإيرانيين في معرفة الشكل النهائي للصفقة بالضبط قبل الدخول في أي مفاوضات، وهو أمرٌ غير محتمل، فإنه يتعين على الولايات المتحدة تعديل بعض مطالبها المغالية أو تعليقها، ناهيك عن رفع القيود غير المبررة التي فرضتها على شخص وزير الخارجية الإيراني.

وتجدر الإشارة إلى أن ما تم بذله من جهود للتوسط بين البلدين على يد سلطنة عُمان ورئيس الوزراء الذي زار إيران في يونيو الماضي، فشلت في تأمين موافقة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية للجلوس على طاولة المفاوضات. وبسبب ما تعيشه منطقة الخليج من توتراتٍ متزايدة، فإن “وسيط نزيه” آخر كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد يتمكن من حل هذه الأزمة، خاصةً وأن هذا الأخير من المتوقع أن يقوم بزيارة إيران منذ فترة.

وسيتوجب على إيران في نهاية المطاف إظهار مرونةٍ قد تسمح بتوسيع نطاق بعض الترتيبات الواردة في الاتفاق النووي لتشمل قضايا رئيسية أخرى كنطاقٍ يقبله الطرفان للصواريخ الإيرانية، ناهيك عن بعض التسويات التي قد تساعد في وضع حدٍّ للكارثة الإنسانية الحاصلة في اليمن. في المقابل، لا بد وأن تعترف الولايات المتحدة ببعض المصالح المشروعة لإيران في أماكن مثل العراق وسوريا ولبنان.

وعلى خلاف ما جرت عليه العادة من تأثر الإدارة الأمريكية بما تمارسه دول المنطقة كإسرائيل والسعودية والإمارات من ضغوطٍ مستمرة في هذا الجانب، فإن دور هذا الدول سيتضاءل على الأرجح بشكلٍ كبير في هذه المرحلة نظراً لحاجة الولايات المتحدة لإجراء حساباتها الخاصة في ضوء النكسات المكلفة التي عانت منها بسبب بعض سياساتها في المنطقة مؤخراً.

ويختم خنساري مقالته بالتالي: “أدّت موجة العداء لأمريكا منذ عام 1979 دوراً محورياً في إبقاء السلطة في يد الفصيل المتشدد الذي يحظى بشعبيةٍ ضعيفة في إيران. ومع ما تعيشه إيران من ضغوطٍ اقتصادية غير مسبوقة ما تفرضه الإدارة الأمريكية من إجراءاتٍ لا تهدّد “مبادئ إيران” فحسب، بل أيضاً وجودها بحدّ ذاته، فقد بدأ يتزايد إدراك الإيرانيين لعدم وجود شيء أقل من عقد “صفقةٍ كبرى” مع أولئك الذين ظلوا شيطنوهم طيلة أربعين عاماً – بغض النظر عن تداعياتها المحلية الكبيرة كلها – قد ينقذ البلاد من “الكارثة” الاقتصادية الحالية والتي يُعتبر علاجها أولوية للنظام الإيراني بغرض احتواء الاضطرابات العامة والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي داخل البلاد”.